جَمُدَتْ عَيْناهُ في كَفِّي طويلاً.. وتَنهَّدْ |
وأطالَ الصمتَ.. |
ناديتُ: إذاً تقرأُ كفي صامِتاً |
أمْ أنتَ مُجْهَدْ؟ |
قالَ: حقاً.. بينَنا مَنْ هو مُجْهَدْ؟ |
صابِرٌ أنتَ على ما كَتَبَ اللهُ بكفَّيْكَ |
وما.. قَدْ؟ |
قلتُ: هل غَيَّرَ خَطَّ اللهِ رِعديدٌ بَكى قبلِيَ |
أو ثَبْتٌ تَجَلَّدْ؟ |
قالَ: خَطَّ الرزقِ في كفيْكَ مُخضرٌّ مُمَهَّدْ |
وطريقُ النُّبْلِ مَزْروعُ الْحواشي |
زَنبقاً بِكْراً ولَوْزاً وعلى اللَّيْلكِ يَمْتَدْ |
وطريقُ الْعمرِ لا أبصرُهُ |
إلاّ خُيوطاً تتعقَّدْ |
فَغِشاواتٌ مِن الْحُزنِ على قلبكَ تُعْقَدْ |
وعلى أَضْلاعِكَ سيفٌ ليسَ يُغْمَدْ |
أنتَ في بحرٍ يُعَطِّيهِ جُنونُ الْمَوْجِ |
والزَّوْرَقْ أَسْودْ |
قلتُ: زِدْني |
قالَ: في عينيْكَ حُلْمٌ، عُمْرهُ بِضْعُ سِنينْ |
كلما لامَسَهْ الليلُ تَمدَّدْ |
وإذا أَوْغَلْتَ في الْعُمرِ تَجَدَّدْ |
وإذا حاوَلْتَ أَنْ تُبْعدَهُ عنكَ تَمَرَّدْ |
لم يُلامِسْ شَفَةَ الصُّبْـحِ إلى الآنَ |
وصـارَ الصبـحُ أَبْعَـدْ |
قلتُ: زِدْني |
قال لي: يا ولدي |
أَنْتَ في الْحُبِّ قَتيلْ |
دائماً تمشي بدربٍ مُسْتَحيلْ |
تطرقُ البابَ وتَدْري |
أَنَّ هذا البابَ موصَدْ |
قلت: زِدْني |
قال: في عُمرِكَ عَذْراءُ كَوَجْهِ الصُّبْحِ |
عَيْناها حُقولٌ مِنْ زَبَرْجَدْ |
نَثَرَ اللهُ على قامَتِها |
فُلاًّ، ونِسْريناً، ونِدّاً، وخُزامى |
وَإِهابُ الْحُسْنِ عَسْجَدْ |
أَنْتَ تَسْقيها الْهوى طُهْراً |
وتَكْسوها بماءِ الْياسَمينْ |
وهي تُرْديكَ على الدربِ قَتيلاً |
بَعْدَ أَنْ تَزْرَعَ زَهْرَ الْحُزْنِ |
في أَجْفانِكَ التَّعْبى سِنينْ |
لا يَكُنْ يا وَلَدي رأسُكَ مَقْطوعاً ومَرْفوعاً |
بهذا الليلِ مِثْلَ الشَّمعَدانْ |
تَتَلَقّاهُ رِياحُ الْحَيْفِ مِنْ كُلِّ مَكانْ |
إنَّ في كُلِّ ليالي العصرِ "سالومي" |
فهلْ أنتَ كَحَنَّا الْمَعْمَدانْ؟ |
قلتُ: زِدْني |
قالَ: آهٍ |
قلتُ: لا.. لا تَتَنَهَّدْ |
أَنا مُجْهَدْ |
اُصْمُتِ الآنَ، ودَعْني أَتَنَهَّدْ |