شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العرّافُ الّذي عَلّمَني الصَّمْت
قالَ لِيَ الْعَرَّافْ:
يا ولَدي
يأتي على الزَّمانْ
حينٌ يُصابُ فيه بالْخَواءْ
يكونُ مثْلَ الْجَرَّةِ الْمَكْسورَهْ
تَعْوي بها الريحُ ضُحىً
ويَسْتريحُ في عَتْمَتِها الْمَساءْ
ويدخُلُ الغابِرُ في الْحاضِرِ يَمْحوهُ
ويَسْتوي مَنْ يدخُلُ الْقبرَ
ومَنْ يخرجُ مِنْ رحلتِهِ الْعَمْياءْ
هُناكَ يا بنَّ قد تَلوحُ عاصِفَهْ
غربيَّةُ الثِّيابِ مشرقيَّةُ الْمَلامِحْ
تَنفَخُ سُحْقَ الرملِ في الْجِراحْ
ويغرقُ الصِّغارُ في الْمَذابِحْ
هناكَ يا بنيَّ.. خَبِّئْ وجعَكْ
وابْلَعْ فَمَكْ
حتى تَمُرَّ الْعاصِفَهْ
* * *
قال لِيَ الْعَرّافْ:
يا ولدي
تَمُرُّ في هُنَيْهَةٍ مَنْسِيَّهْ
خارِجَةٍ على دَوائرِ الْعُصورْ
تُحَوِّلُ الْعَصْرَ إلى مَغارَهْ
وتَجعلُ الْحياةَ مسرحيَّهْ
آنئذٍ.. ينقلبُ الناسُ إلى مُمَثِّلينْ
يُخَبِّئونَ في بيوتهم رؤوسَهُمْ
ويَلبسونَ أَوْجُهاً مُعارَهْ
يُحاربونَ أَيَّ شيءْ
يُسالِمونَ أَيَّ شَيءْ
ما دام كُلُّ شَيءْ
زائِفاً.. وبينهم وبينَهُ سِتارَهْ
هناكَ يا بُنَيَّ تَغْمُضُ النُّجومْ
أَجْفانَها
وتحرقُ الْغُيومْ
حَنانَها
وتصبحُ السماءْ
لَوْحاً مِنَ النُّحاسْ
والأَرضُ مِثْلَ الْفَحْمَةِ الْقَديمَهْ
هناكَ يا بني اِحذرِ الْغَضَبْ
واصْبِرْ على زِيارَةِ التَّعَبْ
حتى يَمُرَّ مَوْكِبُ الْهُنَيْهَةِ الْمَنْسِيَّهْ
ألم أَقُلْ يا ولدي.. تَنْقَلِبُ الْحَياةُ مَسْرَحِيَّهْ؟
* * *
قال ليَ الْعَرّافْ:
يا ولدي في دُوَلِ الطَّوائِفْ
يَلتصِقُ الرِّجالُ بالأَحْجارْ
ويركُضُ الْمَيِّتُ في الْحَيِّ
وتَمَّحي الأَعْمارْ
فَينشَفَ البحرُ وتَكْبُرَ الصَّحْراءْ
ويظهَرَ الوجودُ كُتَلاً صَمَّاءْ
هناكَ يا بني لا يعودُ السِّرُّ في مَكانهِ
وتخلَعُ الأَوجاعُ كُلَّ مِئْزَرٍ
وتَسْتَقيلُ قِيَمُ الْحَيَاةِ مِنْ مَنْصِبها
ويهربُ الْكَلامُ مِنْ مواقِعِهْ
آنئذٍ يا وَلَدي
تركضُ في دائرةٍ مِنْ نارْ
كيفَ اتَّجهْتَ تَرْتَطِمْ بوَقْدَةِ الْجِدارْ
فارفَعْ جَناحَيْكَ إلى السَّماءْ
وامْسِكْ شُعاعَ نَجمةٍ غَريبَهْ
حتى تَروغَ عَنْ مُزَوَّرِ الْمَواقِفْ
إياكَ أنْ تلفظَ أَيَّ كَلِمَهْ
مُعْرَبَةً أَوْ مُعْجَمَهْ
فإنَّ كُلَّ كِلْمَةٍ في دولِ الطَّوائِفْ
مُخيفةٌ مُتَّهَمَهْ
وأنتَ ما تزالُ يا بُنَيَّ في حُدودِ دَوَلِ الطَّوائِفْ
* * *
هممتُ أَنْ أقولَ للشَّمسِ:
أَتَرْحَلينَ في عَباءَةِ الْمَوْتى
وأَسْرابٌ مِنَ الأَطْفالِ يُقْتَلونَ
في مذابح الصَّقيع كُلَّ يومْ؟
هممتُ أَنْ أقولَ للريحِ التي تُغَيِّرُ اتِّجاهَها:
أيَّتُها الريحُ اهْدَئي
هممتُ أنْ أطلبَ مِنْ أخي الشَّهيدْ
بطاقةً تُدْخِلُني مَمْلَكَةَ الشَّهادهْ
وبعدَ أَنْ أَفِرَّ من ظَلامِ عالَمٍ مَجْنونْ
أَسْتأْنِفُ الْوِلادَهْ
هممت أَنْ أحْلُمَ أني الْخِضرْ
مَرْكَبَتي الضوءُ وصَوْلَجاني رَعَشاتُ الْفَجرْ
لأحملَ السَّحابَة الْحُبْلى إلى الظِّماءْ
مِنْ قبلِ أنْ يَنتحِرَ السحابُ فوقَ الْبَحرْ
هممتُ أنْ أقولْ:
أيْنَ النَّبِيُّ يَمْسَحُ الذُّهولْ
عَنْ عالمٍ يجنحُ لِلأُفولْ
مِنْ بعدِ ما دَحْرَجَهُ اللُّصوصُ والسَّماسِرَهْ
في هُوَّةِ الْمُغامَرَهْ
هممتُ.. لَوْ لَمْ يَقُلِ الْعَرَّافْ:
حاذِرْ مِنَ الْحُلمِ ومِنْ دَبيبِ الذَّاكِرَهْ
فَدُوَلُ الطَّوائِفْ
تَعْتَبِرُ الأَحْلامْ
جُزْءاً مِنَ الْمُؤامَرَهْ
صَبْراً لِتَجْتازَ حُدودَ زَمَنِ الطَّوائِفْ
1985
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :304  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 45 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الغربال، تفاصيل أخرى عن حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه - الجزء الثاني

[تفاصيل أخرى عن حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه: 2009]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج