| قالَ لِيَ الْعَرَّافْ: |
| يا ولَدي |
| يأتي على الزَّمانْ |
| حينٌ يُصابُ فيه بالْخَواءْ |
| يكونُ مثْلَ الْجَرَّةِ الْمَكْسورَهْ |
| تَعْوي بها الريحُ ضُحىً |
| ويَسْتريحُ في عَتْمَتِها الْمَساءْ |
| ويدخُلُ الغابِرُ في الْحاضِرِ يَمْحوهُ |
| ويَسْتوي مَنْ يدخُلُ الْقبرَ |
| ومَنْ يخرجُ مِنْ رحلتِهِ الْعَمْياءْ |
| هُناكَ يا بنَّ قد تَلوحُ عاصِفَهْ |
| غربيَّةُ الثِّيابِ مشرقيَّةُ الْمَلامِحْ |
| تَنفَخُ سُحْقَ الرملِ في الْجِراحْ |
| ويغرقُ الصِّغارُ في الْمَذابِحْ |
| هناكَ يا بنيَّ.. خَبِّئْ وجعَكْ |
| وابْلَعْ فَمَكْ |
| حتى تَمُرَّ الْعاصِفَهْ |
| * * * |
| قال لِيَ الْعَرّافْ: |
| يا ولدي |
| تَمُرُّ في هُنَيْهَةٍ مَنْسِيَّهْ |
| خارِجَةٍ على دَوائرِ الْعُصورْ |
| تُحَوِّلُ الْعَصْرَ إلى مَغارَهْ |
| وتَجعلُ الْحياةَ مسرحيَّهْ |
| آنئذٍ.. ينقلبُ الناسُ إلى مُمَثِّلينْ |
| يُخَبِّئونَ في بيوتهم رؤوسَهُمْ |
| ويَلبسونَ أَوْجُهاً مُعارَهْ |
| يُحاربونَ أَيَّ شيءْ |
| يُسالِمونَ أَيَّ شَيءْ |
| ما دام كُلُّ شَيءْ |
| زائِفاً.. وبينهم وبينَهُ سِتارَهْ |
| هناكَ يا بُنَيَّ تَغْمُضُ النُّجومْ |
| أَجْفانَها |
| وتحرقُ الْغُيومْ |
| حَنانَها |
| وتصبحُ السماءْ |
| لَوْحاً مِنَ النُّحاسْ |
| والأَرضُ مِثْلَ الْفَحْمَةِ الْقَديمَهْ |
| هناكَ يا بني اِحذرِ الْغَضَبْ |
| واصْبِرْ على زِيارَةِ التَّعَبْ |
| حتى يَمُرَّ مَوْكِبُ الْهُنَيْهَةِ الْمَنْسِيَّهْ |
| ألم أَقُلْ يا ولدي.. تَنْقَلِبُ الْحَياةُ مَسْرَحِيَّهْ؟ |
| * * * |
| قال ليَ الْعَرّافْ: |
| يا ولدي في دُوَلِ الطَّوائِفْ |
| يَلتصِقُ الرِّجالُ بالأَحْجارْ |
| ويركُضُ الْمَيِّتُ في الْحَيِّ |
| وتَمَّحي الأَعْمارْ |
| فَينشَفَ البحرُ وتَكْبُرَ الصَّحْراءْ |
| ويظهَرَ الوجودُ كُتَلاً صَمَّاءْ |
| هناكَ يا بني لا يعودُ السِّرُّ في مَكانهِ |
| وتخلَعُ الأَوجاعُ كُلَّ مِئْزَرٍ |
| وتَسْتَقيلُ قِيَمُ الْحَيَاةِ مِنْ مَنْصِبها |
| ويهربُ الْكَلامُ مِنْ مواقِعِهْ |
| آنئذٍ يا وَلَدي |
| تركضُ في دائرةٍ مِنْ نارْ |
| كيفَ اتَّجهْتَ تَرْتَطِمْ بوَقْدَةِ الْجِدارْ |
| فارفَعْ جَناحَيْكَ إلى السَّماءْ |
| وامْسِكْ شُعاعَ نَجمةٍ غَريبَهْ |
| حتى تَروغَ عَنْ مُزَوَّرِ الْمَواقِفْ |
| إياكَ أنْ تلفظَ أَيَّ كَلِمَهْ |
| مُعْرَبَةً أَوْ مُعْجَمَهْ |
| فإنَّ كُلَّ كِلْمَةٍ في دولِ الطَّوائِفْ |
| مُخيفةٌ مُتَّهَمَهْ |
| وأنتَ ما تزالُ يا بُنَيَّ في حُدودِ دَوَلِ الطَّوائِفْ |
| * * * |
| هممتُ أَنْ أقولَ للشَّمسِ: |
| أَتَرْحَلينَ في عَباءَةِ الْمَوْتى |
| وأَسْرابٌ مِنَ الأَطْفالِ يُقْتَلونَ |
| في مذابح الصَّقيع كُلَّ يومْ؟ |
| هممتُ أَنْ أقولَ للريحِ التي تُغَيِّرُ اتِّجاهَها: |
| أيَّتُها الريحُ اهْدَئي |
| هممتُ أنْ أطلبَ مِنْ أخي الشَّهيدْ |
| بطاقةً تُدْخِلُني مَمْلَكَةَ الشَّهادهْ |
| وبعدَ أَنْ أَفِرَّ من ظَلامِ عالَمٍ مَجْنونْ |
| أَسْتأْنِفُ الْوِلادَهْ |
| هممت أَنْ أحْلُمَ أني الْخِضرْ |
| مَرْكَبَتي الضوءُ وصَوْلَجاني رَعَشاتُ الْفَجرْ |
| لأحملَ السَّحابَة الْحُبْلى إلى الظِّماءْ |
| مِنْ قبلِ أنْ يَنتحِرَ السحابُ فوقَ الْبَحرْ |
| هممتُ أنْ أقولْ: |
| أيْنَ النَّبِيُّ يَمْسَحُ الذُّهولْ |
| عَنْ عالمٍ يجنحُ لِلأُفولْ |
| مِنْ بعدِ ما دَحْرَجَهُ اللُّصوصُ والسَّماسِرَهْ |
| في هُوَّةِ الْمُغامَرَهْ |
| هممتُ.. لَوْ لَمْ يَقُلِ الْعَرَّافْ: |
| حاذِرْ مِنَ الْحُلمِ ومِنْ دَبيبِ الذَّاكِرَهْ |
| فَدُوَلُ الطَّوائِفْ |
| تَعْتَبِرُ الأَحْلامْ |
| جُزْءاً مِنَ الْمُؤامَرَهْ |
| صَبْراً لِتَجْتازَ حُدودَ زَمَنِ الطَّوائِفْ |