نادي نَجِيَّكِ أَوْهى جِسْمَهُ السَّفَـرُ . |
واسْتَوْقفيهِ فَفـي أَوْراقِـهِ خَبَـرُ |
عَنْ راحِلينَ وما أَبْقـى تَرَحُّلُهـمْ |
زاداً يُقيتُ ولا غُصْنـاً بـهِ ثَمَـرُ |
الرِّيحُ تَصْفـرُ في آثارهـم عَبَثـاً . |
وأَعْظُمٌ أَنْهَكاها: السَّيْـرُ وَالْغِـيَـرُ |
ناديهِ قد توقِفُ النَّجْـوى تَرَحُّلَـهُ |
ويورِقُ الْغُصْنُ أَوْ يُسْتَلْهَمُ الْوَتَـرُ |
ناديهِ.. ناديهِ. فَالأَسْفـارُ غانِيَـةٌ . |
تَمْتَصُّ عُشَّاقَها والْمَقْتَـلُ الْخَـدَرُ |
وفُسْحَةٌ مِنْ رَبيعِ الـدَّرْبِ تَبْلَعُـهُ |
إيماؤُها فِتْنَةٌ ِ إِغُراؤُها صُوَرُ ِ |
ولَوْحَةٌ أُطِّرَتْ بالسِّحْـرِ راكِضَـةٌ . |
أَمامَ عَيْنَيْهِ لكنْ أُعْجِمَ الْوَطَرُ |
ولاحَ للْقَدَمِ الظَّمْـآى مَواقِعُهـا |
في عالَمٍ ضَلَّ عن طُغْيانِـهِ الْقَـدَرُ |
يَذْوي بهِ الطِّفْلُ والإِنسانُ مَسْبَحَةٌ |
يُديرُ حَبّاتِهـا الْكُهَّـانُ والنُّـذُرُ |
مِصْباحُهُمْ مُطْفأٌ في غُرْبَـةٍ أَكَلَـتْ |
ذَواتهم فاسْتُبيحَ الْمَأْكَـلُ النُّكُـرُ |
وعادَ.. بل جَدَّدَ التِّرْحـالَ ثانِيَـةً . |
وانْشَدَّ لِلْحُلْـمِ في أَعْماقِـهِ وَتَـرُ . |
* * * |
نادي نَجِيَّكِ ِ قولي: هَدَّكَ السَّفَرُ |
فقد يَقيهِ نِداءٌ مِنْكِ أَوْ حَذَرُ |
وسائِليهِ إذا أَرْسى سَفينَتَهُ |
يَوْماً على ساحِلِ التَّاريخِ: ما الْخَطَرُ؟ |
وتابع الدَّرْبَ نَحْوَ الصُّبْحِ مُكْتَشِفاً |
عَذْراءَ أَرْضٍ قَلاها الْبَدْوُ والْحضَرُ |
عُروقُهُ، بَعْضُ ما يَنْمـو بتُرْبَتِهـا . |
وفي حَناياهُ من قرآنها سُوَرُ |
هل راعَهُ جَدْبُها؟ فالأرضُ تُخْبِرُهُ |
عن ظاعِنينَ لهـم في ذاتِـهِ أَثَـرُ |
أم راعَهُ أَنْ رأى مرآتَهُ عَكَسَـتْ . |
ذُلَّ الدَّراويشِ لما سُمِّـرَ النَّظَـرُ؟ . |
وَرَنَّ في سَمْعِهِ الْمَسْفوحِ مِنْ شَبَحَ |
أَنَّى تَوَجَّهَ: حـاذِرْ.. أَنْتَ مُهْتَصَرُ؟ |
وذابَ مجذافُهُ أَوْ ضـاعَ قاربُـهُ؟ . |
وَالْمَوْجُ باقٍ وباقٍ وجهُهُ الْعَكِـرُ . |
وخَلَّفَتْ قَفَزاتُ الْعَصـرِ صورتَـهُ |
شَوْهاءَ ينتابُهَا الإِمْلالُ والضَّجَـرُ |
كأَنَّها مِنْ بَقايا أَعْصُـرٍ سُحِقَـتْ . |
وتحت ليلِ رَمادِ الْيَـأْسِ تَسْتَتـِرُ . |
* * * |
رُدِّي إليْكِ شَريداً هَـدَّهُ السَّفَـرُ |
طالَتْ عليهِ بإِغْواءاتِها الأُزُرُ |
عرائِسُ الْعَصْرِ تَسْتَهْويـهِ فِتْنَتُهـا |
وشاهَ تَحْتَ غِواءِ الرِّيشِ مُسْتَتَـرُ . |
غاصَتْ خيالاتُهُ في لَيْـل رِحْلَتـهِ |
كما يَغوصُ بظامي التُّرْبَةِ الْمَطَـرُ |
شَدَّتْـهُ أَوْهامُـهُ شَـدَّا لِغُرْبَتِـهِ |
كما يَشُدُّ سَقيماً حُلْمُـهُ النَّضِـرُ . |
كَالظامِئينَ تَراءى بالسَّراب لَهُـمْ |
مِثْلُ الْينابيـعِ بالآفـاقِ تَنْهَمِـرُ |
حتى إذا اقْتَرَبَوا أَوْهَتْ حَشاشَتُهثمْ |
ومِئزرُ الشمسِ حولَ الآلِ مُسْتَعِرُ |
فهل أَفادَ سـوى تَشْتيتِ رُؤْيتـهِ؟ |
في لُجَّةِ الْوَهمِ حتى أُزْهِقَ الْعُمُـرُ؟ |
وضُمَّةٌ مِنْ عُقودِ الْعُمْـرِ ضائِعَـةٌ . |
بينَ الشِّعابِ التي تاهَتْ بها الْفِكَـرُ |
* * * |
نادي نَجِيَّكِ ِ قولي: هَدَّكَ السَّفَرُ |
فقد يَقيهِ نِداءٌ مِنْكِ أَوْ حَذَرُ |
إذا رآكِ كوجْهِ الطفـلِ مُشْرِقَـةً . |
ومبسمُ الصبحِ في عينيكِ ينتظِـرُ |
والْقيْ عليهِ قَميصاً فيـه رائِحَـةٌ |
منَ التُّرابِ، يَعُدْ لِلْمُغْمضِ البَصَرُ |
ويورقُ الوعـدُ في عينيـهِ ثانيـةً |
وتَمَّحي الغربةُ الْعَميـاءُ والْخَطَـرُ . |
هَيّا اصْرُخي للشَّريدِ النِّضوِ حانِيَةً: |
أَرْضُ الْوعودِ تُنادي الأهْلَ هَلْ حَضَروا؟ |