| صَلُّى عبدُ اللهِ |
| وقرأَ القرآنَ وغَسَّلَ أُمْنِيَّاتِهْ |
| وتَمدَّدَ فوقَ الْخَطِّ الْفاصلِ بينَ الْيقظةِ والنَّومْ |
| والْتَحَفَ بآهاتِهْ |
| شاهَدَ مَخْلوقاً |
| سَدَّ عليهِ الأُفُقَ بآلافِ الأَرْجُلِ والأَيْدي |
| أَغْلقَ عبدُ اللهْ |
| عَيْنيهِ.. وهَربَ إلى داخلِهِ رُعْبا |
| فرأى الْمَخْلوقَ بداخلِهِ |
| يَتربَّعُ فوقَ مناماتِهْ |
| لم يَمْلِكْ عبدُ اللهِ سِوى |
| أَنْ يَفْتحَ عينيهِ ويهربَ مِنْ ذاتِهْ |
| عبدُ اللهْ |
| في تلكَ اللَّحْظةِ غادرَ عبدَ اللهْ |
| وقضى يتوزَّعُ في هذا الكونْ |
| مَخْلوعاً مِنْ صَبَواتِهْ |
| يوماً يَسْبَحُ في الصَّحراءِ |
| ويوماً يركضُ فوقَ الْماءِ |
| ويوماً يًتسلَّلُ بينَ مَنافِذ هذا الْكَوْنِ |
| يُشاهِدُ مَخْلوقاتِهْ |
| ويُحاولُ أنْ يهربَ منهُ ولكنْ لا يعرفُ بَوَّاباتِهْ |
| * * * |
| قالَتْ إحدى قَدَميْ عبدِ اللهِ لعبدِ اللهْ |
| -: الدَّمُ يَخْنقُني عَبْدَ اللهْ |
| فَاخْلَعْني.. واتْرُكْني تَحْتَ النَّخْلَهْ |
| عَلِّيَ أَبْرَأْ، إنْ أَتَدَفَّأْ، أَوْ أَتَخبَّأْ |
| عبدُ اللهْ |
| خَلَعَ الْقدمَ النازِفَةَ وَوَسَّدَها جِذْعَ النَّخْلَهْ |
| ورأى الْقدمَ الثانِيَةَ تَحِنُّ إلى الأولى |
| فَرَماها بينَ الأَعْشابْ |
| ومَضى يَطْوي الدربَ بلا قَدَمينْ |
| وحَفيفُ الْوَرقِ الْيابسِ يسأَلُهُ |
| عَنْ طولِ الرِّحْلَهْ |
| بَعْدَ مَسيرِ الْيَومِ بأكْمَلهِ |
| وثَلاثَةِ أَرْباعِ اللَّيْلَهْ |
| هاجَمهُ التَّعَبُ وشَدَّ ذوائِبَهُ كَالْمجنونِ ونادى: |
| -: يا عَبْدَ اللهِ، أَمَجْنونٌ يا عبدَ اللهْ؟ |
| كيفَ تَسيرُ بلا قَدَمينْ؟ |
| فتذكَّر عبدُ اللهْ |
| قَدَميْهِ النائِمَتَيْنْ |
| بينَ الْعُشْبةِ والنَّخْلَهْ |
| فَبكى قدمَيْهِ الغائِبتينِ وألقى جُثَّتَهُ فوقَ الأَحجارْ |
| مِثْلَ الصَّفْصافَةِ أَهْوى ساعَةَ يَصْعَقُها الإِعْصارْ |
| * * * |
| عَبْدُ اللهْ |
| لا ماءَ بِدَوْرَقِهِ |
| لا خُبْزَ بِجعْبَتِه |
| لا خَمْرَ ولا طيبَ ولا نارْ |
| مَرَّ بهِ نَسْرٌ مُكْتَهِلٌ أَرهقَهُ الطَّيَرانُ |
| فَحَمْحَمَ مثْلَ الْمُهْرِ وسارْ |
| يَطْوي كالثوبِ الْمُهْتَرئِ جَناحَيْهِ |
| ويضحَكُ مِنْ عَبْدِ اللهْ |
| حَمْلقَ عبدُ اللهِ بوجهِ النَّسرِ ونادى: |
| -: تَمْشي يا مَجْنونُ على الأَرضِ |
| وتَتْرُكُ ذاكَ الأُفُقَ الْمَغْسولَ الْعَيْنَيْنْ؟ |
| الأَحْجارُ هُنّا مَيِّتَةٌ |
| والْعَدْوى تَعْشَقُ هذا الْمَوتْ |
| قالَ النَّسْرُ: تعبتُ مِنَ الأُفُقِ الْمَغْسولِ وجئْتُ |
| ولكنِّي مِنْ غَيْرِ يَدَينْ |
| ما رأيُكَ يا عبدَ اللهْ |
| أَنْ تَسْتَبْدِلَ بِالْكَفَّينِ جَناحَيْنْ؟ |
| * * * |
| فَرِحَ النَّسرُ بكَفَّيْ عبدِ اللهِ |
| وعَبْدُ اللهِ اجْتاحَتْهُ اللَّذَّهْ |
| لما ثَبَّتَ في كَتِفَيْهِ جَناحَيَّ النَّسْرِ وطارْ |
| * * * |
| وَمِنَ الأُفُقِ الأَعْلى |
| أرسلَ عَيْنيهِ إلى الأَرْضِ لِتَكْتَشِفَ لَهُ عُشّاً |
| بينَ الأَشْجارْ |
| * * * |
| لا يعرفُ أحدٌ موقِعَ عَبْدِ اللهِ الآنْ |
| في الأُفْقِ، أَمِ الأَرْضِ، أَمِ الْبَحْرْ |
| لكنَّ الْكائِنَ صاحِبَ آلافِ الأَرْجُلِ والأَيْدي |
| كَتَبَ بدَفْترِهِ: |
| عَبْدُ اللهِ الْمسْكينُ يَنامُ بلا عَيْنَينْ. |
| * * * |