شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبْد الله يَــهـربُ مِنْ عَبْد اللَّه
صَلُّى عبدُ اللهِ
وقرأَ القرآنَ وغَسَّلَ أُمْنِيَّاتِهْ
وتَمدَّدَ فوقَ الْخَطِّ الْفاصلِ بينَ الْيقظةِ والنَّومْ
والْتَحَفَ بآهاتِهْ
شاهَدَ مَخْلوقاً
سَدَّ عليهِ الأُفُقَ بآلافِ الأَرْجُلِ والأَيْدي
أَغْلقَ عبدُ اللهْ
عَيْنيهِ.. وهَربَ إلى داخلِهِ رُعْبا
فرأى الْمَخْلوقَ بداخلِهِ
يَتربَّعُ فوقَ مناماتِهْ
لم يَمْلِكْ عبدُ اللهِ سِوى
أَنْ يَفْتحَ عينيهِ ويهربَ مِنْ ذاتِهْ
عبدُ اللهْ
في تلكَ اللَّحْظةِ غادرَ عبدَ اللهْ
وقضى يتوزَّعُ في هذا الكونْ
مَخْلوعاً مِنْ صَبَواتِهْ
يوماً يَسْبَحُ في الصَّحراءِ
ويوماً يركضُ فوقَ الْماءِ
ويوماً يًتسلَّلُ بينَ مَنافِذ هذا الْكَوْنِ
يُشاهِدُ مَخْلوقاتِهْ
ويُحاولُ أنْ يهربَ منهُ ولكنْ لا يعرفُ بَوَّاباتِهْ
* * *
قالَتْ إحدى قَدَميْ عبدِ اللهِ لعبدِ اللهْ
-: الدَّمُ يَخْنقُني عَبْدَ اللهْ
فَاخْلَعْني.. واتْرُكْني تَحْتَ النَّخْلَهْ
عَلِّيَ أَبْرَأْ، إنْ أَتَدَفَّأْ، أَوْ أَتَخبَّأْ
عبدُ اللهْ
خَلَعَ الْقدمَ النازِفَةَ وَوَسَّدَها جِذْعَ النَّخْلَهْ
ورأى الْقدمَ الثانِيَةَ تَحِنُّ إلى الأولى
فَرَماها بينَ الأَعْشابْ
ومَضى يَطْوي الدربَ بلا قَدَمينْ
وحَفيفُ الْوَرقِ الْيابسِ يسأَلُهُ
عَنْ طولِ الرِّحْلَهْ
بَعْدَ مَسيرِ الْيَومِ بأكْمَلهِ
وثَلاثَةِ أَرْباعِ اللَّيْلَهْ
هاجَمهُ التَّعَبُ وشَدَّ ذوائِبَهُ كَالْمجنونِ ونادى:
-: يا عَبْدَ اللهِ، أَمَجْنونٌ يا عبدَ اللهْ؟
كيفَ تَسيرُ بلا قَدَمينْ؟
فتذكَّر عبدُ اللهْ
قَدَميْهِ النائِمَتَيْنْ
بينَ الْعُشْبةِ والنَّخْلَهْ
فَبكى قدمَيْهِ الغائِبتينِ وألقى جُثَّتَهُ فوقَ الأَحجارْ
مِثْلَ الصَّفْصافَةِ أَهْوى ساعَةَ يَصْعَقُها الإِعْصارْ
* * *
عَبْدُ اللهْ
لا ماءَ بِدَوْرَقِهِ
لا خُبْزَ بِجعْبَتِه
لا خَمْرَ ولا طيبَ ولا نارْ
مَرَّ بهِ نَسْرٌ مُكْتَهِلٌ أَرهقَهُ الطَّيَرانُ
فَحَمْحَمَ مثْلَ الْمُهْرِ وسارْ
يَطْوي كالثوبِ الْمُهْتَرئِ جَناحَيْهِ
ويضحَكُ مِنْ عَبْدِ اللهْ
حَمْلقَ عبدُ اللهِ بوجهِ النَّسرِ ونادى:
-: تَمْشي يا مَجْنونُ على الأَرضِ
وتَتْرُكُ ذاكَ الأُفُقَ الْمَغْسولَ الْعَيْنَيْنْ؟
الأَحْجارُ هُنّا مَيِّتَةٌ
والْعَدْوى تَعْشَقُ هذا الْمَوتْ
قالَ النَّسْرُ: تعبتُ مِنَ الأُفُقِ الْمَغْسولِ وجئْتُ
ولكنِّي مِنْ غَيْرِ يَدَينْ
ما رأيُكَ يا عبدَ اللهْ
أَنْ تَسْتَبْدِلَ بِالْكَفَّينِ جَناحَيْنْ؟
* * *
فَرِحَ النَّسرُ بكَفَّيْ عبدِ اللهِ
وعَبْدُ اللهِ اجْتاحَتْهُ اللَّذَّهْ
لما ثَبَّتَ في كَتِفَيْهِ جَناحَيَّ النَّسْرِ وطارْ
* * *
وَمِنَ الأُفُقِ الأَعْلى
أرسلَ عَيْنيهِ إلى الأَرْضِ لِتَكْتَشِفَ لَهُ عُشّاً
بينَ الأَشْجارْ
* * *
لا يعرفُ أحدٌ موقِعَ عَبْدِ اللهِ الآنْ
في الأُفْقِ، أَمِ الأَرْضِ، أَمِ الْبَحْرْ
لكنَّ الْكائِنَ صاحِبَ آلافِ الأَرْجُلِ والأَيْدي
كَتَبَ بدَفْترِهِ:
عَبْدُ اللهِ الْمسْكينُ يَنامُ بلا عَيْنَينْ.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :435  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 19 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.