كانَ عبدُ الله يستَجْلي الْمَدى |
عندما دمَّرَتِ اليقظةُ ما قد شَيَّدا |
فمضى.. مُسْتَتِراً في حُلمهِ |
يرتدي عالَمهُ المنسوجَ مِنْ غَزْلِ النّدى |
كُلَّما مَزَّقتِ الريحُ شراعاً حاكَهُ |
نسجَ الريحَ شراعاً |
والأَماني زَوْرَقاً |
واستأنفَ السيرَ ليَجْتازَ الْغَدا |
* * * |
كان عبدُ اللهِ |
في الأطلسِ مَلاَّحاً |
وفي الإسراءِ صوفِيّاً |
وفي الْجَوِّ خَيالاً جُسِّدا |
مُسْرِعاً في طرقاتِ العُمرِ |
محمولاً إلى وعدٍ |
ولا مَنْ وَعَدا |
فإذا خادَعهُ الليلُ بدربٍ |
نفَضَ الليلَ وسارْ |
واستوى ثانيةً يبحثُ عن صُبْحِ الْمَسارْ |
وهو لا يعلَمُ في أَيِّ الثَّنايا صَعَدا |
* * * |
وسِنونَ الْعُمر نامَتْ خَلْفَهُ |
جُثَثاً مَنسِيَّةً |
كفَّنَها الْوَهْمُ وغَطَّاها الْعَذابْ |
لم تَنَلْ مِنْ لَذَّةِ الْعَيشِ ولا ثانِيَةً |
وهيَ لم تعرفْ لِضوءٍ مَوْرِدا |
* * * |
قال عبدُ الله: |
ما أَبْعَدَني عن هذهِ الدنيا |
وما أقربَها مني |
فهل نحنُ عَدُوَّانِ يَسيرانِ مَعاً |
هو يَطْوي ذاتَهُ في ضَوْئها |
وهي تَطْويهِ إذا ما اتَّقَدا؟ |
كيف لي أنْ أُبْصِرَ الأَحْلامَ في الْعَتمِ إذَنْ؟ |
وأرى الداني من الْحُلْمِ أَوِ الْمُبْتَعِدا؟ |
* * * |
ورأى يوماً على إحدى الْمَرايا |
لُمَّةً مُنْطَفِئَهْ |
وجبيناً نَسِيَ الدهرُ عليهِ صَدَأَهْ |
وأخاديدَ انحنَتْ في وَجْههِ |
يَتَحرَّى صَمْتُها أَسْرارَهُ |
ومَناماً خَبَّأَهْ |
كُلَّ ما شاهدَهُ كانَ غَريباً فاجَأَهْ |
قال عبدُ الله: |
ما أَصْعبَ أَنْ أَحْيا ولا أَحْيا |
بغاباتِ الرُّؤى الْمُنْكَفِئَهْ |
فهلِ امْتَصَّ أَمانِيَّ الزَّمانْ |
وأنا أَحْرُسُ في قَلبي هَديراً |
لينَابيع الْهَوى الْمُخْتَبِئَهْ؟ |
وانُثَنى للخَلْفِ عبدُ اللهِ |
يسْتَجْدي السِّنينَ الْمُطْفَأَهْ |
* * * |
وعلى مائدةِ الليلِ الذي |
واكَبَ عبدَ اللهِ في الغُرْبةِ إِلْفا |
حَلَّ عبدُ اللهِ ضَيْفا |
مُنْزلاً عن كَتِفَيْهِ |
سَلَّةَ الْحُزْنِ وَمِصْباحاً |
على كَفَّيْهِ أَغْفى |
ورأى مِنْ فَجْوةِ الليلِ امْرَأَهْ |
يَرْتَديها الضُّوْءُ شِفّا |
أَقْبَلَتْ كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ إِشْراقاً ولُطْفا |
ظَنَّها في بادئِ الْمَشْهَدِ طَيْفا |
أَوْ كياناً مِنْ نَسيجِ الْوَهْمِ قد رَقَّ وَشَفّا |
قالَ: لا |
لكن بَلى |
إنَّ ما أُبصِرُ.. قَدّاً يَتَوالى مَوْلِدُ الْحُسْنِ بهِ |
قِطْفاً فَقِطْفا |
فِتْنَةٌ تَغْفو على الثَّغْرِ لِتَصْحو فِتْنَةٌ أُخْرى |
إذا ما الْهُدْبُ رَفّا |
* * * |
قال عبد اللهِ: |
ما أَجْملَ أَنْ أَسْتَأْنِفَ الرِّحلَةَ في فَصْلِ الْخَرِيفْ |
وأَنالَ الْحُسْنَ إِقْبالاً وقَطْفا |
بعْدَ أَنْ شُلَّتْ أَمامي الطُّرُقاتْ |
ودليلُ السَّيْرِ أَغْفى |
وأنا في عَتْمةِ الْعُمرِ |
وحيدٌ أَتَخَفَّى |
وغَريبٌ أَتَكَفّا |
والذي ما ذُقْتُهُ |
منْ ثَمَرِ الأَفْراحِ جَفّا |
* * * |
هلْ تَجيئينَ مَعي؟ |
كي نَبْدَأ الرِّحْلَةَ خَطْفا؟ |
لم يَزَلْ مُنْتَظِراً مَوْعِدَها |
وهي حَتّى الآنَ |
ما قالَتْ لِعَبْدِ اللهِ حَرْفا |
* * * |