| أبا عُمَرٍ، نِياقُـكَ كيف تُحـدى؟ . |
| وكنتَ دليـلَ غُرْبَتِها الْمُجِـدّا؟ . |
| وحاديها لتَخْتَرِقَ الْمَنافي |
| وتَكْسِرَ عَنْ سُـراةِ اللَّيـلِ سَـدّا |
| تَجوبُ بهـا الدُّنـى مُتَرَحِّـلاتٍ |
| وراءَ الْبيـدِ تَشْهَـدُ ما اسْتُجِـدّا |
| وتَسْقيها كُؤوسَكَ مُتْرَعاتٍ |
| كأَنَّكَ بينَ عَفْراءٍ وَسُعْدى |
| وتُتْعِبُها بأَحْمالِ الأَماني |
| وطَيْرُ الْمَوتِ فَوْقَ الرَّكُبِ جَـدّا . |
| يُراقِبُ هَوْدَجَ الْحـادي لِيَهْـوي |
| على قلْبٍ لِرِحْلَتهِ أُعِدّا |
| فَأَلْقِ عَصـا الرَّحيـلِ وقُرَّ عَيْنـاً |
| فَموتُكَ ليس مِثْلَ الْمَـوْتِ فَقْـدا |
| أَمـا مَـلأَتْ دفاتِـرَكَ الْحَكايـا |
| لِتُلْهِبَها مُساءَلَـةً وَرَدّا؟ |
| وصُغْتَ مِنَ الْحُـروفِ مُذَهَّبـاتٍ . |
| على جيدِ الزَّمانِ نُظِمْـنَ عِقْـدا؟ . |
| * * * |
| زَكِيُّ.. أَغُرْبَـةُ الشُّعَـراءِ وَعْـدٌ؟ |
| لِتَبْلُوَ مِحْنَةَ الْغُرَباءِ فَرْدا؟ |
| غَريـبٌ في الْوُجـودِ وأنتَ حَـيٌّ . |
| وما في غُرْبَتَيْـكَ نَسيـتَ وَعْـدا . |
| ثَمانونَ انْقَضَـتْ ويَـداكَ صِفْـرٌ |
| مِنَ الدُّنْيـا لِتَهْـدِيَ أَوْ لِتُهْـدى |
| كَحَسْوِ الطَّيْرِ لامَسْـتَ الأَمانـي . |
| بِمَسْقَطِها تَباريحاً وَجَهْداً |
| ومَنْ سَبقوكَ مِثْلُكَ لَـمْ يَخونـوا |
| لِغُرْبَتِهمْ على الأَيّامِ عَهْدا |
| أَلَيْسَ الهائِمونَ بكُلِّ وادٍ |
| هُداتَكَ في السُّرى وَجَعاً وَسُهْـدا |
| مَتاعُهُـم الْغَرابَـةُ حيْثُ حَلُّـوا |
| ومَغْنَمُهمْ فَراغٌ لَنْ يُحَدّا |
| وزادُ الأَبْجَدِيَّةِ أَيُّ زادٍ |
| تُزاحِمُهُ السِّنـونَ أسـىً وَصَـدّا . |
| لقد عَرَّبْـتَ جُرْحَـكَ في نَـوادٍ |
| ٍأعاجِمُها علـى الأَرْقـامِ تُـرْدى |
| * * * |
| فلا عَرَفَتْ صحاراهُمْ نِزاراً |
| ولا مُـدُنُ الْحَديـدِ رأتْ مَعَـدّا |
| ولا زَجُّوا السَّوابِقَ في فُتوحٍِ |
| ولا حَضَنوا مَعَ الْخَصْـرِ الْفِرنْـدا |
| ولا نَشَروا الضُّحى في الليلِ حـتى . |
| كأنهمُ بَنَوْا لِلْعَتْمِ لَحْدا |
| ولا أَعْراضُهمْ بالسيفِ تُوقى |
| إذا هَمَسَ الْغَريبُ: عَشِقْتُ هِنْدا |
| وهَلْ عَرَفوا مِنَ السَّبْـعِ الْمَثانـي . |
| سِوى ظِلٍّ على الظَّلْمَـاءِ مُـدّا؟ . |
| وكنتَ قَرينَ مَـنْ حَفِظَ الْوصايـا |
| لِعَصْرٍ يَعْرُبِيٍّ سَوْفَ يَبْدا |
| ومُذْ شَـقَّ الْقَريضُ إليـكَ دَرْبـاً |
| سأَلْتَ تِهامَـةً وبَكَيْـتَ نَجْـدا |
| وكانَ الضادُ ضَـوْءَكَ في اللَّيالـي |
| لِمَنْ رَكَزوا مَـعَ الْخَطِّـيِّ بَنْـدا |
| ومَنْ كبَحوا جِماحَ الْقَهْـرِ قَهْـراً |
| لُيَجْتازوا بهِ الزَّمَنَ الأَشَدّا |
| أولئِكَ كُنْتَ تَسْبَـحُ في رُؤاهُـمْ |
| وتَلْهَثُ خَلْفَهُـمْ شَغَفـاً وَوَجْـدا |
| فلا صَخَبُ الْعُصورِ طواكَ عَنْهُـمْ . |
| ولا فارقْتَهُمْ مَلَلاً وَزُهْدا |
| وما الإسراءُ نَحْوَ الْحُلْـمِ سَهْـلٌ |
| بليلٍ لَسْـتَ تُبْصِـرُ فيـهِ بُعْـدا |
| وما في جُعْبَةِ الشُّعَراءِ إلاّ |
| مَواسِمُ مِـنْ زَمـانٍ لَـنْ يُـرَدّا |
| تَسيلُ جراحُهُمْ في أيِّ سَهْلٍ |
| تُزاحِمُـهُ الـرُّؤى غَيّـاً وَرُشْـدا |
| * * * |
| أبا عُمَـرٍ ألسـتَ تَـراكَ مِنْهُـمُ |
| تَرودُ الصَّعْبَ مُتَّجَهـاً وقَصْـدا؟. |
| وتَسْتَقْصـي الـرُّؤى حتى تَراهـا |
| كَما الْحَسْنـاءُ مُبْتَسَمـاً وقَـدّا؟ |
| رسَمْتَ جِـراحَ شَعْبِـكَ بالْقَوافي . |
| وأنتَ تُقَلِّبُ الرّاياتِ عَدّا |
| ورتَّلْـتَ الْفُتـوحَ وأَنْتَ تَبْكـي |
| مَعَ الْغُرَباءِ مَجْداً صـاغَ مَجْـدا |
| وتَسْأَلُ: هَـلْ تَمَخَّضَتِ اللَّيـالي |
| عَنِ الْماضـينَ تَطْريقـاً وَعَـوْدا؟ . |
| فَيَوْماً أَنْتَ نادِبَةٌ ويَوْماً |
| بشِعْرِكَ مَوْكِبُ الْعُشّـاقِ يُحْـدى |
| وثالِثَةً تَطوفُ على شَهيدٍ |
| ولِتَلْثُمَ مِنْهُ أُنْمُلَةً وَخَدّا |
| وآناً تَستريحُ مع النَّدامى |
| لِتُشْبِعَ جُرْحَكَ الْمَفْتـوحَ شَـدّا |
| وكَمْ أَوْقَـدْتَ لِلْعُظَمـاءِ نـاراً |
| وكَمْ طَـرَّزْتَ للشُّهَـداءِ بُـرْدا؟ . |
| وباغَتَكَ الْحِمامُ وأَنْـتَ تَـرْوي |
| جَميلَ الأَقْدَمَيْنِ أَباً وَجَدّا |
| وغِبْتَ وفي يَدَيْكَ مُطَرَّفاتٌ |
| تُنَمْنِمُ فَوْقَها عَبَقاً وَنِداً |
| ولم تَصْمُتْ مُلايَنَةً وعَجْزاً |
| ولكنَّ الْحِمامَ بكَ اسْتَبَدّا |
| بِمَوْتِكَ صَفْحَـةٌ تُطْـوِي وَسِفْـرٌ |
| تُجَدِّدُهُ مَواجِعُنا فَيَنْدى |
| تَرَكْتَ عليهِ بَصْمَةَ يَعْرُبِيٍّ |
| ولَهْفَة مَوْعِدٍ يَزْدادُ بُعْدا |
| * * * |
| أَبا عُمَـرٍ.. تَقَصَّتْـكَ الدَّواهـي |
| وزارَكَ مُسْتَبِدٌّ لَنْ يُصَدّا |
| وأَنْتَ نَجِـيُّ أَحْرُفِـكَ اللَّواتـي |
| مَسَحْنَ الْمَهْجَرَيْـنِ رِضـاً وَوُدّا |
| فأَلْقَيْتَ الْيَراعَ لِسامِعيهِ |
| وغادَرْتَ السِّجالَ لِمَـنْ تَصَـدّى . |
| رَحَلْتَ وأَنْتَ آخِـرُ مَـنْ تَبَقّـى |
| مِنَ الْغُرَبـاءِ في الأُفُـقِ الْمُنَـدّى |
| فهل يُفْديكَ في التّابـوتِ خِـدْنٌ؟ |
| وطارِقَةُ الْفَصاحَةِ كيـف تُفْـدى؟ . |
| أبا عُمَرٍ.. صِحابُكَ قَـدْ تَساقَـوْا |
| كُؤوسَ الْمَـوْتِ مُنْتَجَعـاً وَوِرْدا |
| فأَدْرِكْهُمْ..فَاِسْمُكَ صـارَ فيهـِمْ . |
| يُعَمِّرُ في رِيـاضِ الْخُلْـدِ خُلْـدا |