مَوْلايَ أبا يَعْقوبْ |
أَعْلَمُ أَنَّكَ مُتْعَبْ |
وَبِطولِ سِنينَ الْغُرْبَةِ والتَّهْجينْ |
تَتَعَذَّبْ |
عُذْري إنْ أَيْقَظْتُكَ أني كنتُ وَراءَكَ |
يَوْمَ لَجَمْتَ الْبَحْرَ وكَفْكَفْتَ جُنونَ الْمَوجِ لتَرْكَبْ |
ورأيتُكَ كيفَ حَزَمْتَ أَريجَ الصَّحراءْ |
وتَنَفَّسْتَ بإشْراقِ خَلائِفِها |
وجَمَعْتَ الشَّطَّ إلى الشَّطِّ لِتَهْمُسَ في أُذُن الْبحرِ |
كَما الْوَحْيُ وأَعْذَبْ: |
-: الأَنْدَلُسُ تَنام على شَوْكِ الغُرْبَةِ حينا |
وبأَحْضانِ مُلوكِ طَوائِفها حينا |
وزَحَفْتَ.. زَحَفْتَ لِتُنْقِذَها |
والنَّصْرُ أَتاكَ بما تَرْغَبْ |
* * * |
شاهدتُكَ يَوْمَ حَبَسْتَ السَّيْلَ |
وكَفْكَفْتَ غطاءَ اللَّيْلِ عَنِ اللَّيْلِ |
ليَنْكشِفَ الأُفُقُ الأَرْحَبْ |
وانْبَعَثَتْ مِنْ بينِ يديْكَ الأُمَّةُ خَلْقاً يَتَوَثَّبْ |
وَربيعاً يَسْحَبُ صَيْفاً أَخْصَبْ |
وحَمَلْتَ الْمِصباحَ أمامَ التاريخِ |
لِيَمْشي مائتَيْ عامٍ |
تُنْجِبُ مائتَيْ كَوْكَبْ |
* * * |
مَوْلايَ أَبا يَعْقوبْ |
لا تَرْجِعْ للدُّنْيا أرجوكَ فَتُغْلَبْ |
أَوْ تَتَعَذَّبْ |
بَلْ قُصَّ علينا كيفَ اخْضَرَّ الكونُ على كَفَّيْكْ |
وانتثر الصبحُ على كتِفَيْكْ |
وحَشَرْتَ مُلوكَ الأَنْدَلُسِ |
السَّارقَ والزَّاني والكاذِبَ والْحَشَّاشْ |
والدَّافِعَ أَجْرَ الْعَرْشِ لأَلْفونسو |
والُهارِبَ مِنْ وَجْهِ رَعِيَّتهِ كَالأَجْرَبْ |
قُصَّ علينا يا يوسُفُ |
كَيْفَ أقمتَ لهم حَشْراً |
وفَتَحْتَ دفاترَهُمْ |
في ذاك الْيومِ الأَصعَبْ |
* * * |
أَذْكُرُ.. هل تَذْكُرُ يَوْمَ سَحَبْتَ الْبَحْرَ كَسُجَّادَهْ |
لانَتْ تَحْتَ مراكِبكَ فلم تَتَذَمَّرْ أَوْ تَغْضَبْ |
ناداكَ مناديهم: |
يوسُفُ..اِرْجِعْ |
إنَّكَ تَخْتارُ عَصِيَّ الْمَرْكَبْ |
فَتَبَسَّمْتَ، وصَلَّيْتَ على وَجْهِ الْماءْ |
وصَرَخْتَ فَهَدَأَ الموجُ أَمامَكَ |
واخْضَرَّ يبيسُ الصَّحْراءْ |
وَوراءَكَ صِدِّيقونَ يُنادونَ: |
الجنَّةُ أَقْرَبْ |
والْكَوْثَرُ أَعْذَبْ |
كانَ لكُلٍّ منهم قُرْآنْ |
وجَرابٌ مِنْ تَمْرٍ وسِنانْ |
رَوَّعَهُمْ مَشْهَدُ أَرْضٍ ظمِئَتْ |
فضربْتَ بسيفِكَ فانْبَجَسَ الْبَحْرُ مِنَ الْبَرِّ |
وغارَ البحرُ بأكْثَرَ مِنْ عِشرينَ كَذوباً |
فيهم أَبْرَهَةُ الْحَبَشِيُّ |
وفيهم فِرْعَوْنُ |
وفيهم زَوْجَةُ لوطَ |
وفيهم مَنْ عَقَرَ الناقَةَ |
ومُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ وداعِيَةٌ أَكْذَبْ |
وأمامَكَ أَلفونسو |
تَحْمِلُهُ قَدَمٌ واحِدَةٌ |
يبحثُ عَنْ جُحْرٍ كَالأَرْنَبْ |
وتَنَفَّسَ شَعْبٌ |
كان على نارِ الْغُرْبَةِ يَتَقَلَّبْ |
* * * |
مَوْلايَ أبا يَعقوبْ |
هل أخبرَكَ غُرابُ الْبَيْنْ |
أَنَّ مُلوكَ الأَنْدَلُسِ انْسَلُّوا مِنْ تحتِ أَصابعِ قَدَميْكْ؟ |
عادوا.. رَحَلوا شَرْقاً |
والشَّرْقُ لهم أَرْحَبْ |
والْتَفُّوا حَوْلَ طَوائِفِهِمْ |
والْقُدْسُ وراءَ كَراسيهم مَشْجَبْ |
إنْ قَطَعوا أَلْسِنَةَ الشُّعَراءْ |
قالوا : الْقُدْسَ |
وإنْ نَهَبوا خُبْزَ الْفُقَراءْ |
قالوا :الْقُدْسَ |
وإنْ زَجُّوا في السِّجْنِ الْبُسَطاءْ |
قالوا : الْقُدْسَ |
وإنْ ذَبَحوا لُغَةَ الضَّاد وحَبَسوا الْماءْ |
قالوا : الْقُدْسَ |
فهل في الْقُدْسِ لَهُمْ مَطْلَبْ؟ |
* * * |
مولايَ أبا يَعْقوبْ |
قُرْآنُكَ مثْلُ مَصاحِفهمْ |
وسِنانُكَ مثْلَ أَسِنَّتِهِمْ |
فلماذا هُزموا في كُلِّ مَعاركهِمْ؟ |
وبِكُلِّ حُروبِكَ لم تُغْلَبْ ؟ |
يا يوسُفُ .. إنَّ هَزائِمَهُمْ |
أَكَلَتْ أَكْبادَ رعاياهُمْ |
ولكُلِّ منهُمْ "أَلْفونسو "يَحْميهِ مُقابِلَ أَجْرٍ يدفَعَهْ |
إنْ يَرْضَ وإِنْ يَغْضَبْ |
فإذا مَرَّ عليكَ غريبٌ |
يُدْعى : أَلْفونسو الْقَرْنِ الْعِشْرينَ |
فخسَفَ الأرضَ وحَرَقَ الْغَيْمَ |
وحَفَرَ الْقَبْرَ عليكَ بنارِ قنابلِهِ |
لا تَتَعَجَّبْ |