| أَمْضَيْتُ عَصْرَ الضَّنى هَمّاً ومُرْتَقَبا |
| وكانَ وجهُكِ أَمْسِ الْكَأْسَ والْحَبَبا . |
| لا السِّرُّ كاتِمَةُ الأَسـرارِ تَكتُمـهُ |
| ولا الْمَلامِحُ تُخفي دونَكِ النَّسَبـا |
| هل يَهْدَأُ القلبُ عن حُبِّ التي عَلِقَتْ |
| وُجودَهُ؟ مِهْرَجاناً مُشْرِقاً صَخِبا؟ |
| في النَّومِ قائِمَةً ِ في الصَّحْوِ صاخِبَةً |
| واسْتَغْرَقَتْنِيَ حتى احْتَلَّتِ الْعَصَبا |
| ما مَسَّ طيفُكِ صَحْوي دونَما سَكَرٍ . |
| ولا ذكرتُكِ إلا مُبْدِعاً أَدَبا |
| سقيتُ عطرَكِ شِعْري وهيَ شاهِدَةٌ |
| لِيَ الْمَحافِلُ حتى أَصْبَحَتْ كُتُبا |
| * * * |
| ما سِرُّ هذا الْهَوى بَغْدادُ؟ يَسْأَلُني |
| مَنْ لم يُكَحِّلُ بِمَرْآى وَجْهِكِ الْهُدُبا . |
| فقلتُ: تَعْلَمُ، لو قابَلْتَ ناشِرَةً |
| على الزَّمان صِباً ما اعْتُلَّ أَوْ نَضَبا |
| كأسُ الخُلودِ على مَخْضوبِ راحَتِها |
| لتَمْنَحَ الدهرَ في فَصْلِ الْهُبوطِ صِبا . |
| ما ازْدانَ عُرْسٌ لِمَجْدٍ بَعْدَ جَلْوَتِها |
| على الْعُصورِِ سواءً لانَ أَوْ صعُبا |
| ولا تَفَتَّقَ إبْداعٌ بِمَعْزِلِها |
| إنْ أشرقَ الفكرُ في الدنيا وإنْ غَرُبا . |
| ولا اسـتراحَ مُغـيرٌ في مَضارِبهـا |
| إلاَّ لِتَبْسُطَ في أَضْلاعِـهِ الْقُضُبـا |
| مَلْمومَةَ السِّـرَِ إلاَّ الثَّـأْرَ مُطْلِقَـةً |
| عنانَهُ من قُيـودِ السِّرِّ مُخْتَضَبـا . |
| مَغْسولَةَ الصَّوْت إنْ تُنْمى مُعَرَّبَةً ِ |
| مَرآىً، ومعتقداً صِرْفاً، وَمُحْتَلَبا ِ |
| * * * |
| مِلْءَ الْبَصائِرِ اِسْمٌ إنْ هُوَ اقْتَربا |
| مِلْءَ الْحَنايا وشُغْلَ الْحُلْمِ إنْ عَزُبا . |
| بَغْدادُ.. اسمُكِ أَمْ مِعْراجُ مَلْحَمَةٍ |
| تنْداحُ في الكَوْنِ حتى تَحْضُنَ الشُّهُبا؟ |
| أَذاكَ اسمُكِ؟ أمْ تاريخُ قافِلَةٍ |
| حُداؤها الثأرُ حتى تَبْعَثَ الْعَرَبا؟ |
| طَرَّقْتِ للصُّبْحِ في أَعْقابِ جائِحَـةٍ |
| كالْمُسْتَتحيلِ وفي راحاتِكِ انْسَكَبا |
| لِتُشْرِقَ الشمسُ مِنْ مَسْرى بَراءَتِها |
| ويورِقَ الْحُلُمُ الْحُلْوُ الذي احْتَجَبا . |
| واسْتَعْجَلَ النَّبْعُ دَفْقاً في عذوبَتِـه مِنْ حيثُ قالَ حُضورُ الشُّحِّ: قــد نَضَبــا |
| سَحابَةٌ مِنْ عَقيـم الْغَيْـم عابِـرَةٌ . |
| مَرَّتْ لِتُرْضِعَ رُؤْيا الظَّامِئِ السُّحُبا . |
| * * * |
| جاءَتْكِ جِلِّقُ تُحْيي عَهْدَ مَنْ كَتَبـا |
| وتَسْتعيدُ ريـاداتِ الْعُـلا سَبَبـا |
| وعُدْتُما لاحْتِقابِ الْمَجْـدِ أُغْنِيَـةً |
| مِلْءَ الْحَناجِرِ إنْ حُزْناً وإنْ طَرَبـا . |
| يَوْمٌ تُطَأْطِئُ هامـاتُ الزَّمـانِ لَـهُ |
| كِبْراً على كِبَرِ التاريـخِ مُنْسَحِبـا |
| وقُلْتُما للدُّنى: إنَّ السَّنى قَدَرٌ |
| يَحُطُّ بالراحتينِ الْمَنْحَ الْغَلَبا |
| وأَسْكَرَتْ خَمْرَةُ اللُّقْيا تَوازُنَهَا ِ |
| عَذْراءَ يَعْرُبَ حتى شَقَّتِ النُّقُبا ِ |
| وزغردَتْ دونَ أَنْ تَدْري هل اعْتَنَقَتْ أُمَّ الرَّبيعينِ وَالأَنْبارَ؟ أَمْ حَلَبا |
| كَالْمُؤْمنينَ إذا صَلُّـوا بكَعْبَتِهِـمْ |
| أَيُّ اتِّجـاهٍ بها قُرْآنُـهُ احْتُسِبـا |
| أيسأَلُ العاشِقُ الْمَعشوقَةَ انْتَهَبَتْ . |
| أَمامَهُ الأُفْقَ: أَيُّ الْجانبـينِ رَبـا؟. |
| دمشقُ أَوَّلُ مَنْ صلـى موحِّـدّةً |
| أَحْياءَ يَعْرُبَ مَـنْ أَبْدى ومَنْ جُلِبا |
| وأنتِ بغدادُ ثانـي الدُّوْحَتيْنِ لهـا |
| بحضنكِ اخْتَمَر الفكرُ الذي اسْتُلِبا . |
| تباركَ الحاديانِ الشاديـانِ علـى |
| أَيْكِ الْعُروبَةِ مُرْتـاداً ومُصْطَحَبـا |
| راياتُ يَعْرُبَ في نَوْلَيْهِما نُسِجَـتْ |
| وعَهْدُ يَعْرُبَ مِنْ كَأْسَيْهِما شَرِبـا . |
| تَبارَك الفتحُ قـد عادتْ جَحافِلُـهُ |
| تُجَدِّدُ الزحفَ لا غَوْلاً ولا سَلَبـا |
| لكنهُ الضـوءُ في أَزْهـى توقُّـدِهِ . |
| وأيُّ ضوءٍ شكـا في سَيْرِه النَّصَبا؟ . |
| * * * |
| ما فاجَأَتْكِ اللَّيالي إنْ طَغى شَرَهٌ |
| بِعُمْقِ طاغِيَةٍ يِسْتَمْطِرُ النُّوَبا |
| يَحوم حَوْلَكِ مَمْسوسـاً بلَوْثَتِـهِ |
| يُحَرِّقُ الْفِكْرَ أَوْ يَسْتَحْلِبُ الْعَطَبـا . |
| وبَعْدَ كُلِّ حَريقٍ تَنْهضينَ إلى |
| بِناءِ عَصْرينِ: ما يَأتي، وما ذَهَبا |
| كَمِثْلِ أُسْطورَةِ الرُّؤْيا أَتَيْتِ علـى |
| جَناحِ عَنْقـاءَ. أُمّـاً حُـرَّةً وَأَبـا |
| ما مَرَّ عصرٌ بلا هَدْيٍ مُخَضِّبَةً |
| كَفَّيْهِ كَفَّاكِ خَضْبَ النَّسْمَةِ اللَّهَبا |
| * * * |
| يا أَيُّها الْقَلْبُ.. ما أَشْقى الذي رَكِبا . |
| سَفينَةَ الْحُبِّ ساعَ الأطْلَسُ اضْطَرَبا |
| سِنينَ عنهـا بعيـدٌ مَـنْ تُعَلِّمُـهُ |
| قِيادَةَ الْحَرْفِ لُصْقَ الثَّأرِ ما شَحُبا |
| والْيَوْمُ في لُغَـةِ العُشَّـاقِ شَرْنَقَـةٌ . |
| مِنَ السِّنينَ تُثيرُ الْحُـزْنَ والْعَتَبـا |
| وجئْتُ أَسْعى على أَطْرافِ قافِيَـةٍ |
| خَضْراءَ تَلْثُمُ مِنْ يَنْبوعِها. الْعَرِبـا |
| أَتَيْتُ أسألُ غاباتِ النَّخيلِ بها |
| في غيرِ موسِمِها هلْ تَمْنَحُ الرُّطبَا؟ |
| وهل يغَيِّرُ وَجْهُ الأَرْضِ سيرَتَهُ في موسِمِ الْعِشْقِ؟ِ بل هل يوقِظُ الْحِقَبا؟ |
| أنا رأيتُ أنا شاهدتُ في فَرْحي . |
| أَنَّ السماءَ تَصُبُّ الرُّؤْيَةَ الْعَجَبـا |
| كَلَيْلَةِ الْقَدرِ كانَ المشهدُ اتَّسَقَتْ |
| بهِ التصاويرُ، ما اسْتَخْفى وما انْسَرَبـا |
| رأيتُ دجلةَ مغروراً بضَحْوَتِهِ |
| يُخاصِرُ الشَّامَ مَزْهُوّاً بما اصْطَحَبا |
| فَقُلْتُ: دَجْلَةُ هَلْ أرضٌ بكَ انزَلَقَتْ؟ |
| حتى اتَّخَذْتَ طَريقاً ثانياً سَرَبا؟ |
| فَرَشَّ وَجْـهَ دِمَشْـقٍ في مُداعَبَـةٍ |
| وقالَ: يعرفُ عُشَّاقُ الْعُلا السَّبَبـا . |
| * * * |