شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قصَّــــــــة
قد يحدث للإنسان أن يبصر حلماً، ثم يعلم بعد استيقاظه أنه كان يحلم، وأن الذي أبصره في الحلم حلم بوقائعه ومخلوقاته. لكن الخارق في الأمر أن يبصر في يقظته - ولو بعد حين - ما رآه في الحلم تماماً.
هل رأيت شاعراً يرسم امرأة بخياله. ويكتب من أجلها الشعر وهو يعلم أنها مجرد كائن خيالي؟ مثل هذا يحدث. لكن الغرابة أن يلتقي هذه المرأة على أرض الواقع كما رسمها بذهنه. مثلما يبصر صاحب الحلم وقائع حلمه على أرض الواقع بعد أن يستيقظ من منامه.
1977
(1)
قاسَمْتُها خَمْرةَ الأشْواقِ وَالْكَلِما .
وعِشْتُها رَغْبَةً واعْتَدْتُها نَغَما
زَرَعْتُ أَرْضَ الْهَوى في ظِلِّ قامَتِها
مِمَّا بِقامَتِها اسْتَجْدى أَوِ احْتَشَمـا
وكنتُ أَحْدو طُيورَ الْعِشْقِ مِنْ فَرَحي
عِشرينَ عاماً، ثَرِيَّ الدِّفْءِ مُبْتَسِما .
لم أكتُبِ الشِّعرَ إلاَّ مِـنْ أَصابِعِهـا
كأَنَّها هاجِسٌ حَوَّلْتُهُ قَلَما
نَحَتُّها رَوْضَـةً كُلُّ الْفُصولِ بها
فَوْجٌ نَدِيُّ الْجَنى مِنْ تُرْبَةٍ وَسَمـا
أَغْفو فَتَنْزِعُني للصَّحْوِ صاخِبَةً
وإنْ صَحَوْتُ ِ سَمَتْ في يَقْظَتي حُلُما
صَنَعْتُ مِنْ حُسْنِها ضَوْئي وقافِلَتي
وقلتُ: حَسْبِيَ في لَيْلِ الْوُجودِ هُما .
* * *
(2)
وذاتَ يَوْمٍ -وكانَ السَّيْرُ أَرْهَقَني-
صَحَوْتُ مِنْ تَعَبِ التُّرْحالِ مُنْحَطِما .
أَوْقفْتُ قافِلَةَ الذِّكْرى، لأُبْصِرَهـا
فَيْضاً مِنَ الْوَهْمِ مَحْزُوناً بِما غَنِمـا
ناديتُ لِلْعُمْرِ: دَعْ ضَوْءاً وقافِلَةً
منَ التَّوَهُّمِ، إنّي لا أُريدُهما
دَعْني أُجاوِزْ حدودَ الأَرْبَعينَ إلى
حديقَةِ الصَّحْوِ ِ جَفْناً خاوِياً وَفَما ِ
حَطَّمْتُ إزْميليَ الْمَغرورَ مِنْ غَضَبٍ .
وعدتُ مِنْ هَيْكَلٍ، صاغَ السِّنينَ دَما
وقلتُ: وا ضَيْعَةً لِلْعُمرِ في حُلُمٍ
صَعْبٍ تَحَقُّقُهُ، وَهْمٌ إذا اقْتُحِما
أكنتُ أَنْحَتُ أصنامـاً وأَعْبُدُهـا؟ .
أَسْتَغْفِرُ اللهَ.. لا.. لَنْ أَعْبُدَ الصَّنَما .
أَلْقَيْتُها مِنْ خَيالي، خاطِراً وصَـدىً
وعِفْتُ فِكْرَةَ أُنْثى الْوَهْمِ، لا نَدَمـا
* * *
(3)
وكِدْتُ أَنْسى مَعَ الأَيّامِ زَرْعَ يَدي .
في غابَةِ الْغيدِ، مِمَّا خاطِري رَسَما
وَسِرْتُ مِنْ حَدَثٍ دام إلى حَدَثٍ
لِلْحُزْنِ صِنْـواً، وَبِالأَنَّاتِ مُرْتَطِما
لا الُوَحْيُ وَحْيٌ، ولا الأَنْداءُ عاطِرَةٌ .
ولا حَديثُ الْهوى زادُ الْقَريضِ. كَما
وغابَ عَنِّيَ طَيْفٌ كـانَ يَتْبَعـُني
وسَرَّني أَنَّ ذاكَ الطَّيْفَ قَدْ هُزِمـا
* * *
(4)
ويومَ أَمْسِ، كَأَنَّ الشِّعْـرَ عاتَبَـني
بنَفْحَةٍ مِنْ جِنانِ الْحُسْـنِ مُنْتَقِمـا .
فَصاغَها بَعْدَ نِسْياني كَما رُسِمَتْ
بِدَفْتَري يَوْمَ كانَ الشَّوْقُ مُحْتَدِما
مُشاشَةً مِنْ نَسيجِ الضَّـوْءِ فائِـرَةً .
ومَحْمَلاً مِنْ ثِمارِ الْعِشْقِ أَوْ ضَرَما
تَنَهَّدَ الصُّبْحُ حُبّاً حَوْلَ قامَتِها
وبَسْمَلَ الدَّرْبُ إمَّا حَرَّكَتْ قَدَما
وزَغْرَدَ الصُّبْحُ مَبْهـوراً بقامَتِهـا .
كأَنَّهُ وَدَّ لَوْ في حِضْنِهـا انْهَدَمـا
كما تَمَنَّيْتُ في الماضي مَلامِحَهـا
بِكِبْرِياءِ السَّنا تَسْتَحْلِـبُ النَّهَمـا
شَلالُ شَهْدٍ تهاوى دونَما دَبَقٍ
لِيَرْتَمي عِنْدَ خَصْرٍ بالْوَنى حُكِما
وناهِدانِ يَضيقُ النَّسْـجُ فَوْقَهُمـا
كمن يَوَدَّانِ لو عَنْ ثَوْبِها انْفَطَمـا
كُلُّ الْمقاييس في قَدِّ حَلُمْتُ بهِ
جاءَتْ تَحَدَّى هَوىً مِنْ مِثْلِها حُرِما
سألتُ: كَيْفَ أَحُلْمي عادَ ثانِيَةً؟
أما يَزالُ؟ أَما أَوْهى؟ أمَا هَرُما؟ِ
وكيفَ شِبْتُ وما شابَ الْمَنامُ ولا
جَفَّتْ يَنابيعُهُ، أَوْ غارَ، أَوْ رُدِمـا؟
أَمْ مَشْهَدٌ مِنْ خَريفِ الْعُمْرِ باغَتَني
يُنْهي بَقِيَّةَ قَلْـبٍ قـاوَمَ الْهَرَمـا؟ .
(5)
حاذَيْتُها، فاتِحاً شُبَّـاكَ ذاكِرَتـي
على حَكايا غَـدَتْ في لَيْلِها رِمَما .
مِنْ بَعْدِ دَهْرٍ حَثيثِ الْخَطْوِ كُنْتُ بهِ
أَجْلو الدَّفاتِرَ، لكِنْ أَجْتَني الْعَدَمـا
فأَسْمَعَتْنيَ شِعْـراً.. دونَمـا لُغَـةٍ .
يَغْلي بأَجْفانِهـا بَوْحـاً وَمُكْتَتَمـا
وحَرَّكَتْ شَفَةً لَعْسـاءَ، سارِقَـةً
مِنْ باقَةِ الطَّيْفِ مِنْ خيطانِهِ حِزَما
-: بأُذُنِها تُبْصِرُ الأُنْثى إذا عَشِقتْ
فَجَوِّدِ الشَّدْوَ، تَدْخُلْ أَشْهُري الْحُرُما .
أَمْسكْتُ قَلْبِيَ لا تُخَلِّعَهُ
تلْكَ الْفُجاءَةُ ساعَ الْمُسْتَحيلُ هَمى
وقلتُ: لا لا تَفْعلي إنْ كُنْتِ راغِبَةً
لَنْ يُرْجِعَ الشِّعْرُ ما مِنْ عُمْرِيَ انْصَرَما .
حَذارِ قُرْبي. فهذا الْقَـدُّ يَحْرِقُـني
بوَهْجهِ. ثم يَبْقَـى الْحُسْنُ مُتَّهَمـا
وتابِعي، فَقِطارُ الْحُبِّ مُنْتَظِرٌ
قُدومَكِ البِكْرَ حتى يَنْشُرَ النَّعَما
خَزَيْتُ عَنْكِ عُيونَ الحاسِديـنَ إذا
أَقْبَلْتِ مَنْحاً، وإنْ أَحْجَمْتِ مُبْتَسَما
بَيْني وبينَكِ يا حَسْناءُ كَوْكَبَةٌ
مِنَ السِّنينَ فَمَنْ يَجْتازُها؟ وَبِما؟
* * *
1977
 
طباعة

تعليق

 القراءات :374  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 26 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالله بلخير

[شاعر الأصالة.. والملاحم العربية والإسلامية: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج