| أنُنْشِدُ في زُحامِ النَّادبينا؟ |
| ونَفْرَحُ والْهَزائِمُ تَزْدَرينا؟ |
| وتَبْتسِمُ الْقُلـوبُ على الْمآسـي؟ |
| فُعُذْراً يا عَلِيُّ إذا بَكينا |
| فَعَصْـرُ الْمُضْحِكاتِ بكَى عَلَيْنـا . |
| ليُضْحِكَ حَوْلَنا الْمُتَفَرِّجينا |
| لنا في كُلِّ نائِبَةٍ نَصيبٌ |
| ولَوْ كُنّا خِفافاً هارِبينا |
| كأَنَّا بُؤْرَةُ الْبَلْوى بعَصْرٍ |
| له كَفَّانِ مثْلَ الرَّاجِمينا |
| ونَجْتاحُ الـدُّروبَ رَحيـلَ لَيْـلٍ |
| فلا ضَوْءٌ شِمالاً أَوْ يَمينا |
| ونَسْتافُ الطُّيـوبَ ولا طُيـوبٌ |
| تُزَغْرِدُ في لَيالي الْعاشِقينا |
| رَحَلْنا والشَّتاتُ لنا دَليلٌ |
| تُؤَرْجِحُنا رياحُ الْغاصِبينا |
| فَزَرْقاءُ الْيَمامَةِ فارَقَتْنا |
| وعَرَّافُ الْيَمامَةِ ليس فينا |
| وحاديَـةُ الرُّؤى بلَعـتْ رؤاهـا |
| وعينٌ أُطْفِئَتْ ماذا تُرينا؟ |
| * * * |
| أَتذكُـرُ يا عَلِيّـاً كـم كَبُرْنـا؟ |
| بأَطْيافِ الكِبارِ الرَّاحلينا |
| وأسكَرَنـا شَميـمُ المجـدِ آنـا |
| فَحَلَّقْنا بأُفْقِ الْفاتِحيناِ |
| وأَشْرَفْنا على وَطَنٍ مُوَشّىً |
| بزهرِ الْعِشْقِ مُزْدَهِراً حَصينا |
| كما جَنَّـاتُ عُـدْنٍ في الْمَآقـي |
| مُقَرَّبَةُ الْجَنى للْمُؤْمِنينا |
| وزَغْردتِ الْقَصائِدُ راقِصاتٍ |
| إلى الأَقصى تَزُفُّ الزَّاحِفينا |
| أتذكُرُ كَمْ شَهيداً سابقونا |
| لِساحاتِ الْخُلودِ لِيَفْتَدونا؟ |
| زَهَتْ أَحْلامُنا حتى رَأَيْنا |
| رَوابي الْقُدْسِ تُفْرَشُ ياسِمينا . |
| وغازَلْنا جِيادَ الْفَتْح شَوْقاً |
| لِمَنْ عَبَـروا إلى الْيَرْمـوكِ حينـا |
| حَسبْنا خالِداً سَيَعودُ يَوْماً |
| يعانِقُهُ أبو بَكْرٍ قَرينا |
| وفي الأَحْلامِ عُقْبـةُ صـارَ مِنّـا |
| وسَعْدٌ نَلْتَقيهِ ويَلْتَقينا |
| * * * |
| وبَعْـدَ رحيلنـا خَمْسـينَ عامـاً |
| رأَيْنا الْحُلْمَ مَثْقوباً حَزينا |
| تُعابِثُهُ الرِّياحُ فلا هِشامٌ |
| ولا عُمَرٌ يَعودُ لِكَيْ يَقينا |
| وأَشْياخُ الْهَوى سَقَطوا سُكـارى |
| وما ذاقوا خُمورَ الأَنْدَرينا |
| ولكنَّ المَذَلَّةَ قَدْ سَقَتْهُمْ |
| يَهودِيَّ الْكُؤوسِ مُعرْبِدينا |
| ورَكَّعَهم يَهودِيٌّ فَهَرُّوا |
| هَريرَ الْكَلْبِ إذْعاناً وَلينا |
| وروميٌّ يُصفِّقُ مِنْ بَعيدٍ |
| ومَلْكُ الـرُّومِ يَهْـوى الرَّاكِعينـا |
| وأَظْلمتِ الدُّروبُ، وقيلَ: سِلْمٌ |
| وأُطْفِئَتِ الصُّوى بالْمُدْلِجينا |
| * * * |
| عليٌّ.. كيـف نَفْـرَحُ يا عَلِيّـاً؟ |
| وكُلُّ جِراحنا جُنَّتْ أَنينا |
| تَجوسُ خَناجِـرُ الطُّغْيـانِ فيهـا |
| لِتُبْدِلَ ماءَها حَمَأً وطينا |
| وتُبْكينا الضَّواحِكُ لا الُبَواكي |
| بعَصْرِ الْمُؤْمِنينَ الْمُشْرِكينا |
| فَسَفَّاحٌ نَموهُ إلى عَلِيٍّ |
| ويُصْلَبُ مَنْ يَـراهُ فَـتىً هَجينـا |
| وعَبْدٌ نَسَّبوهُ لعَبْدِ شَمسٍ |
| سِفاحاً أَوْ جُنوناً أَوْ ظُنونا |
| أَيَسْمو الْعَبْـدُ في أُفُـقِ الْمَعالـي |
| إذا كانَ ابْنَ زانِيَةٍ خَؤونا |
| وكُلُّ مُسَمَّرٍ في شِبْهِ عَرْشٍ |
| بِشِبْرٍ مِنْ تُرابِ الأَوَّلينا |
| لَهُ نَسَّابَةٌ وَوَلِيُّ عَهْدٍ |
| وحَبْـلٌ مِـنْ عُـروقِ الْجائِعينـا |
| وشَيْخٌ أَجْنَبِيٌّ خَلْفَ سِتْرٍ |
| بعَتْمتِهِ يَخُطُّ لَهُ الْمُتونا |
| وسَجَّانٌ وسَيَّافٌ وجابٍ |
| وسِمْسارٌ وعُصْبَةُ مُخْبرينا |
| ويحسِبُ أنه الْمَهْدِيُّ آتٍ |
| على قَدَرٍ إلى الْمُسْتَضْعَفينا |
| لِيَمْلأَ عَصْرَهُ نوراً وعَدْلاً |
| ألسنا يا عَلِيُّ بِمُضْحِكينا؟ |
| فَوا خَجَلَ الْخَلائقِ مِـنْ جُـدودٍ |
| بظَهْرِ الشَّمْسِ كانـوا سابِحينـا . |
| * * * |
| سنفرَحُ يا عَلِيُّ لأَنَّ |
| جُرْحاً يُذَكِّرُنا بأنّا واقِفونا |
| فلم نَسْجُدْ لقاتِلَةٍ بيومٍ |
| ولم نجهَلْ سَلامَ السّاجِدينا |
| ونرفَعُ كَفَّنـا الدامـي احْتِجاجـاً |
| ونُطْعِمُ مِنْ مَواجِعنا بَنينا |
| وننهضُ مِنْ حَرائِقِنا كِباراً |
| كَعَنْقاءِ الْخَرافَةِ مُصْبِحينا |
| * * * |