| قالَ: فُكُّوا الْقُيودَ عَـنْ مِعْصَمَيَّـا . |
| لأكُنْ صُبْحَ هـذا الزَّمانِ النَّدِيَّـا |
| عِفْتُ إِطْراقَةَ الْجُفونِ، وَوَجْهـي |
| كادَ يَنْسى مَسارَهُ الفِضِّيَّا |
| لم أَعُدْ أُبْصِرُ الْمَواقِعَ إِلاَّ، |
| مَلْمَساً جافِياً ونُطْقاً عَيِيّاً |
| لَكَأَنَّ الزَّمانَ شُلَّتْ خُطاهُ |
| فامْتطى الليلَ مَرْكَباً أَبَدِيّاً |
| صامِتٌ مَقْلَعُ الشُّروقِ وَإِني |
| سَوف أَنْسى بِصَمْتِهِ شَفَتَيَّا |
| والظَّلامُ الَّذي تَغَلْغَلَ فيكُمْ |
| كِدْتُ أَنْسى بلُجِّهِ مُقْلَتَيَّا |
| يَسألُ الْمُدلِجُ الْمُدْلِجـينَ وطـاغٍ |
| كَمَّ ثَغْرَ السُّـؤالِ أَمْـراً ونَهْيـاً |
| وَالْملايينُ في ذُهـولِ السُّكـارى. |
| عانَقوا الْخَـوْفَ مَوْئِـلاً وَدَعِيّـاً |
| بينَ جوعٍ وغُرْبَةٍ واسْتِلابٍ |
| وانْكِسـارٍ يُنْسـي الْوَفِيَّ الوَفِيَّـا . |
| فَالْمَساراتُ ليس فيهـا انْعِطـافٌ |
| يُتَّقَى مَوْقِعاً ويُرْجَى نَجِيَّا |
| والنِّهاياتُ ليسَ فيها وَراءٌ |
| يَحْضِنُ الْحُلْـمَ مُرْضِعـاً وَوَلِيَّـا |
| والتِّضاريسُ سُطِّحَـتْ فَتَمـادَى |
| في الْفَراغِ الْفَـراغُ، بُعْـداً عَمِيَّا |
| وتُرى الْحُـرَّةُ الْكَريمَـةُ شالَـتْ |
| حِمْلَها خِشْيَةً وَظَلَّ الشَّقِيّا |
| * * * |
| آنـذاكَ اصْطَفَى الْفِـداءُ رَعيـلاً |
| مِثْلَما يَصْطَفي الإِلهُ النَّبِيَّا |
| وكما يَبْـدَأُ الْهُطـولُ دِراكـاً، |
| صَعَدوا الْمُرْتَقى سَخِيّـاً سَخِيَّـا |
| كَسَّروا جامِدَ الْحَـوادثِ مَنْحـاً |
| وسَقونا رَحيقَهُ الْمَنْسِيَّا |
| لم يَكونوا ضَحِيَّةَ الظُّلْـمِ لكِـنْ،. |
| أَسْلَسوا مِقْـوَدَ الزَّمـانِ الْعَصِيّـَا |
| عانَقـوا رَهْبَـةَ الْحِمامِ غَسـولاً |
| لِلْخَطايا ومَطْهَراً كَوْثَرِيَّا |
| عَصْرَ لم تَعْـرِف الْخَطيئَـةُ مِنَّـا |
| سَيِّداً خانَ أَوْ حَصاناً بَغِيّاً |
| خَنَقوا الْيـأْسَ بالدِّمـاءِ صدامـاً |
| ومَحُوا الصَّمْتَ صِدْقَـهُ وَالْفَرِيَّـا |
| مِنْ خَلاصِ الْعُصورِ جاؤوا إلَيْنا |
| نُخْبَةَ الطُّهْرِ، مُبْدِعاً وَكَمِيّاً |
| وجُسوراً تَقُلُّ أَوْجاعَ جيلٍ |
| صارَ رِكْزاً لِلْمَكْرُماتِ وَلُقْيا |
| غَيْرُ ماءِ الشَّهيدِ مَنْ حَوَّلَ |
| الليلَ صُبحاً والْوُجودَ خَلْقاً سَوِيّاً؟ |
| * * * |
| يا جُسوماً أَرادَها الأُفْـقُ ضَـوْءاً |
| والثَّرَى مِهْرَجانَهُ الْعُذْرِيّا |
| ونُقاطـاً في مُعْجَـمِ الثَّـأْرِ فَكَّتْ |
| عَـنْ دُجـاهُ الْمُعَتِّمَ الأَعْجَمِيَّـا |
| أَصحيحٌ كنتم ثَلاثينَ فَرْداً؟ |
| أَمْ ثَلاثينَ كَوْكَباً دُرِّيَّا؟ |
| أَمْ ثَلاثـينَ مُبْدِعـاً مِنْ قُرَيْـشٍ |
| رَسَموا الكونَ مَوْسِمـاً شِعْرِيّـا؟ |
| أَمْ زَغاريدَ أُمَّةٍ مَزَّقَتْها |
| لَحْظَةُ الْهَوْلِ دانِياً وَقَصِيَّا |
| فَارتدَتْ مِئْزَرَ الْعَـروسِ وماسَـتْ |
| تَتَخطَّى حِدادَها التُّرْكِيَّـا |
| فكأنَّ الشَّآمَ تُزْهِرُ مَجْداً |
| مثلما كانَ فَوْحُهُ يَعْرُبِيّا |
| أَوْ قَصيداً بـِ"الْمَرْجَتَيْنِ" تَهـادى |
| نَغَماً مُلْهِماً وَحَرْفاً شَجِيَّا |
| مُخْصِبَ الْوَقْـعِ والْقَوافي وُفـودٌ |
| غادَرَتْ عَبْقَـرَ الْجَزيـرَةِ وَحْيـا . |
| * * * |
| أَيُّها الْواهِبونَ، أَيُّ انْتِماءٍ |
| قد كَتَبْتُمْ تاريخَهُ السِّرِّيَّا |
| وأَعَرْتُـمْ قَوافِـلَ الضّـادِ فَتْحـاً |
| أَلْبَسَ الكَوْنَ ثَوْبَهُ الوَرْدِيَّا |
| ما عليكُـمْ إذا الْحُروفُ اسْتَكانَتْ |
| لِسُيـوفِ الطُّغـاةِ قَسْـراً وَغَيَّـا |
| ما عليكـم فالواهِبـونَ عُصـورٌ |
| أَبَدَ الدهرِ مَوْلِداً وَمُضِيَّا |
| قَدَرٌ أَنْ تَمُدَّ بالْمَنْحِ كَفّاً |
| ثم تَلْقـى الجُحـودَ أَجْـراً وَفِيَّـا |
| أُمَّةُ الْمَنْـحِ أَنْجَبَتكـمْ فَطُوبـى |
| لِشَهيدٍ يَرْقى الْمَكانَ الْعَلِيَّا |
| أُمَّةٌ تَحْمِـلُ الْحضـاراتِ مَنْحـاً |
| دونَ أَجْرٍ ومُجْتَنىً أَرْيَحِيَّا |
| حاصَرَتْها الْفُلولُ مِـن كُلِّ لَـوْنٍ . |
| واتِّجاهٍ يُسْقي الدَّنِيُّ الأَبِيَّا |
| وتَبارَوْا إلى الْخَنا في سِباقٍ |
| أيُّهُمْ يَحْرِقُ السِّجِلَّ النَّقِيَّا |
| حاصَروا ثَوْرَةَ الشَّآمِ اتِّقاءً |
| وانْتَقوا القـدسَ لِلْغُـزاةِ سَمِيَّـا |
| وسَقَوْا خَمْرةَ الضَّـلالِ صِغـاراً |
| مِـنْ بـني يَعْـرُبٍ فَخَرُّوا جِثِيَّـا |
| لُعْبـةُ الْغّدْرِ هـل تَصيرُ قَضـاءً |
| فوقَ تاريخِ أُمَّةٍ مَقْضِيَّا؟ |
| * * * |
| سائلوهم، هـل كانَ طَقْساً حَفِيَّا |
| أَمْ خَيالاً راوَدْتُموهُ وَرُؤْيا؟ |
| أمْ سِتاراً مزقتموهُ عَـنِ الْكَـوْنِ . |
| لِتَحْلو على ذِراعَيْهِ دُنْيا |
| أَمْ رَحيقـاً مـنَ الْفَراغِ تنَـزَّى |
| عابِرَ الْوَقْـعِ في دِنـانِ الْحُمَيَّـا |
| أمْ دماءُ الشَّهيدِ تُمْسـي سُـؤالاً . |
| حائِراً تارَةً، وأُخْرى غَبِيَّا |
| فإذ مَرَّ طَيْفُ أَيُّ شَهيدٍ |
| مِنْ ثَلاثينَ واهِباً عرَبِيَّا |
| باعِدوا بينَ وَجْهِ الشَّهيدِ والْحُلُـمِ |
| وارْحَموا طَيْفَهُ الْعُلْوِيَّا |
| قـد يـرى الْغَزْوَ حَوْلَنـا موْسِمِيَّا |
| ويَرى الْقتْلَ بَيْنَنا باطِنِيَّا |
| بأْسُهُمْ بينَهُمْ شَديدٌ شَديدٌ |
| وظُهورُ الْفُرْسـانِ تَقْطُـرُ عُرْيـا |
| باعِدوا بَيْنَهُ وبَيْنَ كبارٍ |
| صَنَعـوا الرُّعْبَ شاهِـداً وَرئِيَّـا |
| لا صِيالاً، ولا فَيالِقَ فَتْح |
| تزْحَمُ الأُفْقَ بُكْرَةً وعَشِيَّاً |
| لا هَوىً حانَ لا مَواسِمُ طيبٍ |
| تَفْرُشُ الأَرْضَ مِئْزَراً قُرَشِيَّا |
| وكأنَّ الترابَ بَدَّلَهُ الدهرُ |
| فانْحَلَّ.. ليس يُنْبِتُ شَيَّا |
| وكأَنَّ الْحِسانَ مِنْ عَبْدِ شَمسٍ |
| أَلِفَتْ عُقْمَها فَأَمْسى النَّجِيَّا |
| * * * |