شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
امرأة من لينينغراد
"كتبت هذه القصيدة عام 1983 قبل أن يعود اسم المدينة القديم: بطرسبورغ. وكنت في زيارة للاتحاد السوفيتي سابقاً بدعوة من اتحاد الكتاب السوفيت حينذاك".
(1)
توقَّفَتْ هُنَيهةً
وحدَّقَتْ في الماءْ
فاخضرَّتِ الْفُصولُ حَوْلي
وابتسمَتْ مِنْ حُسْنِها السَّماءْ
ونَبَتَ الْوردُ على ضُلوعي
وأَزهرَ العمرُ على شواطئِ الصَّحراءْ
وضحِكَتْ أَمْواجُ نهرِ النِّيفا
مُتَيَّماً حسِبتُهُ، وأَطربتْهُ نَشْوَةُ اللِّقاءْ
ما عدتُ أدري ما رأَيْتْ
جَدائِلاً تنثرُها نَسائمُ الصَّباحْ
أَمْ عَسلاً يُضْفَرُ في جَدائِلٍ عَذْراءْ
أم قطعةً من حُلُمٍ يَمْشي مع الْغَريبِ في الْعَراءْ
* * *
(2)
تَبعتُها.. وفي جُيوبي أحملُ الْمَساءْ
وصُرَّةً مِنَ النُّجومْ
ونَبْتةً مِنَ الْعَرارِ هربَتْ مِنْ هَجْعَةِ الصَّحراءْ
سَمعتُ مَنْ يهتفُ في ضُلوعي
-: لا بُدَّ مِنْ هديَّةٍ تُفْرِحُها
وانغرسَتْ أَصابعي الْعَشْرةُ في جُيوبي
فلم أَجِدْ غَيرَ الْقَمرْ
وضُمَّةٍ مِنَ النُّجومْ
نَسِيَها السَّحَرْ
وبضْعِ أُغْنياتْ
ضَلَّتْ بعصرِ التِّيهِ والشَّتاتْ
والْتَصَقَتْ قَصيدةٌ بِكَفيِّ
تَلِحُّ أَنْ أَكْتُبَهَا
لكنَّ هذا الحُسْنَ مِنْ أَمامي
أَحْرَقَ أَيَّ حَرْفِ
* * *
(3)
تَلَفَّتَتْ
فاعْتَنَقَتْ أَجْفانُنا هُنَيهةً
وابْتَسمَتْ
فانْزَرعَتْ عَيْنايَ في بَسْمَتِها
قلتُ - وليسَ مَنْ يَسْمَعُني -
-: ماذا رأَتْ بِوَجْهي؟
هل قرأَتْ دفاتِراً للأُمَّةِ الْمُحاصَرَه؟
ولَمَحَتْ غرابَةَ التاريخِ أَوْ حُطامَهْ
فعرفَتْ أَنَّ جُفوني مَقْبَرَهْ
لِرِمَمِ الأَماني
وللِرُّؤى الْمُبَعْثَرهْ؟
أَمْ شاهدَتْ في عَتْمَةِ الْخُطوطِ في جَبيني
أَحْزانَ نورِ الدِّينِ
وأَثَرَ الْجَحافلِ الْمُهاجِرَهْ؟
أَمْ سافَرَتْ في الثَّلْجِ فوقَ رَأْسي
ولامَسَتْ بُرودَةَ الْفُتوحِ
أَوْ صَقيعَ جَحْفَلِ الْمَهارى
وأَدْمُعَ الْفُرْسانِ حَوْلِ الْقُدْسِ
مَصْلوبَةً على الْحِرابِ السَّاخِرَهْ؟
وهل رأَتْ أَصابعي
تبحثُ عن هديةٍ تحملُ طَعْمَ الباديَهْ
وضَحْوَةَ الْعَرارِ أَوْ أُمْسِيَةَ الْخُزامى؟
* * *
(4)
طالَ الْتِقاءُ جَفْنِها بِجَفْني
حاولتُ أنْ أُفْلِتَ مِنْ دَوَّامَةِ الضَّجَرْ
قلتُ: أبي تُحَدِّقينْ؟
تَوَهَّجَتْ ضِحْكَتُها طَويلا
وأقبلَتْ قَليلا
وهتفَتْ كَالطِّفْلِ
-: اِسمي أولغا
وأنت؟
قلتُ: لستُ أَدْري
لكنني قرأتُ منذُ أَلْفِ سَنَةٍ
في مُعْجَمِ الْغِيابِ والْحُضورِ
أَنَّني مِنْ أُمَّةِ الإِشراقِ والْبَيانِ والنُّشورِ
وأَنَّني وُلدْتُ في ثَنِيَّةِ الشِّعْرِ
وفي مَساقِطِ النُّبُوَّهْ
فركضَتْ ضحكتُها ارْتِعاشَةً تلبسُني
وموجَةً تَغْسِلُني
-: فأَنْتَ.. مِنْ بلادِ أَلفِ ليلةٍ ولَيْلَهْ
قلتُ: بلى
في سالِفِ الْعُصورِ
والآنَ مِنْ بلادِ أَلْفِ دَوْلَةٍ ودَوْلَه
تَنامُ في الأَطْلالِ والْقُبورِ
وتَصْنَعُ الذُّلَّ بأَلْفِ أَلْفِ بابْ
تُفْتَحُ نَحْوَ الْوَطَنِ الْمَقْهورِ
تُمَزِّقُ التاريخَ أَلْفَ رُقْعَةٍ
تخْفقُ فَوْقَ أَلْفَ سُورِ
تَزْرَعُ أَرْضَ الشِّعرِ بذرَةً مُواتْ
تَقْضي على الْحَياةْ
وتنشرُ الشَّتاتْ
وتمسخُ الإنسانَ دودَةً
تزحفُ في عَباءَةِ الأَمْواتْ
* * *
(5)
زغردَتْ ضِحْكَةُ أولغا مُجَدَّداً
وسَحَبَتْني مِنْ يدي
وشَعْرُها يركضُ فوقَ وَجْهي
يَعزِفُ لي أُنْشودَةً خَفِيَّهْ
شَمَمْتُ فيها عَبَقَ الرَّغبَةِ والشَّهِيَّهْ
صرخْتُ: أُولْغا
فَتِّحي عَيْنيكِ
وحَدِّقي بوَجْهي
وضَوِّئي أَحْلامِيَ الْقَصِيَّهْ
أُريدُ أَنْ أقرأَ في أَجْفانكِ التّاريخْ
والْمَشْهدَ الأَخيرَ مِنْ أُسْطورَةِ النّازِيَّهْ
أم أنْتِ في الْوُجودِ مِثْلي
مُتْعَبَةً مَنْسيَّهْ
وتَسْتُرينَ الْحُزْنَ في ضِحْكتِكِ الْفِضِّيَّهْ؟
فاسْتَعْجَلَتْ خُطاها
وقبل أَنْ تَغيبَ عن مَساحَةِ الْعَينينْ
تَلَفَّتَتْ صامِتَةً.. ولم تُجِبْ
وكانَ ما رأيتُهُ في وَجْهها
ابتسامَةً تُشْرِقُ بَيْنَ دَمْعَتيْن
* * *
1983
 
طباعة

تعليق

 القراءات :505  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 10 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.