شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ز- الرفاعي والشعر والنقاد
لم يحظ شعر عبد العزيز الرفاعي بدراسة نقدية وافية من قبل الاختصاصيين أو النقاد الأكاديميين السعوديين أو غير السعوديين باستثناء ما قام به الدكتور مريسي الحارثي في كتابه "عبد العزيز الرفاعي أديباً" والكتاب دراسة عامة لأدب الرفاعي شعره ونثره، وقد تناول الدكتور في دراسته لشعر الرفاعي عدة جوانب مهمة يأتي في مقدمتها "عنوان الديوان". وما يوحي به فقال في نهاية الصفحة 156: "إن أول إشكالية تواجهنا قبل الدخول إلى عالم الرفاعي الشعري هي عنوان الديوان "ظلال ولا أغصان" حيث تتحول الظلال من حسيتها إلى آفاق معنوية تتعدد حولها الاحتمالات لمعرفة مصدر الظلال، بل قد يمتـزج الحسيِّ بالمعنوي في مسارب البحث عن مصدر الظلال".
ثم استطرد الدكتور الطواف حول غموض معنى عنوان الديوان إلى القول كما ورد في صفحة 160 من نفس المصدر: "وتبدو رحلة الرفاعي في "ظلال ولا أغصان" رحلة إلى المجهول بل قل إلى "اللاشيء"، فالظلال التي هي مقصد الرحلة في حكم العدم، وعدمها مبني على انعدام السبب "الأغصان إذ نفي السبب نفي للمسبب". وقد ناقشت هذا الكلام في مقدمة هذا الفصل من الكتاب.
ثم عرج الدكتور بعد ذلك على مقدمة الديوان، ونقل منها صفحتين كاملتين هما الخامسة والسادسة إلا ثلاثة أسطر، من قول الرفاعي: "أما الشطر الآخر فقد زويته وطويته" إلى قوله: "ويوشك أن يكون في الأمر شيء كالمستحيل، ولكن هكذا كان". وقد تحدث الرفاعي في الصفحتين عن دوافعه إلى إخراج الديوان، وأنه اختار من شعره ما يصور الجوانب الجادة، ودفع بشعر الصِّبا والشباب إلى غيابة النسيان، مع إيمانه بأن هذه النوع من الشعر هو ما أحبه الناس.
ثم تطرق الدكتور الحارثي إلى بدايات عبد العزيز الرفاعي الشعرية، وبين أن الشاعر مقل غير أن القلة ليست دليلاً على التأخير أو عدم الجودة في الصنعة.
ثم قال بالصفحة 164 من كتابه "عبد العزيز الرفاعي أديباً". عن إعجاب الرفاعي بالشاعرين: علي محمود طه، وعمر أبي ريشة: "وإعجابه الخاص بهذين الشاعرين ربما ألقى بعض الأضواء على مذهبه الشعري الذي أسدل عليه الستار، والذي نشره بين دفتي هذا الديوان من شعر لا يخلو من ومضات وجدانية واضحة. فمن المعروف أن شعر علي محمود طه قد كان وجدانياً في مراحله الأولى، واقعياً في مراحله الأخيرة، وإن كان من الصعوبة بمكان الفصل بين امتزاج الوجداني بالواقعي في أكثر شعره". أما عمر أبو ريشه فيمثل شعره الاتجاه الوجداني حتى وإن عالج شعره بعض القضايا الوطنية والقومية، وليس بمستبعد أن تكون المرحلة الرومانسية في حياة الرفاعي قد مرت بمرحلتين:
الأولى: مرحلة الإعجاب بشعر هذا الاتجاه الوجداني.
والثانية: مرحلة نضج الاستعداد الغريزي والاكتسابي حتى وصل إلى مرحلة الاستقلالية".
وفي هذا النص يؤكد الدكتور الحارثي رومانسية الرفاعي، ولكنها رومانسية ضاربة جذورها في الواقعية، فالحزن والشكوى والحرمان عوامل تقود الشاعر والأصح المبدع إلى أن يعيش واقعه، وأن يتلمس فيه الأسباب التي تولد منها الحرمان والحزن والشكوى، بخلاف اللذة والمتعة وكل مباهج الحياة، فإنها تصرف الإنسان عن النظر فيما يقاسيه الآخرون، ويشتغل بإشباع رغباته ولذاته فيعيش في رومانسية عمياء، لأن العاطفة إذ سَلَّمناها قياد أمورنا، فإنها ستقودنا حتماً إلى جرف هار ينهار بنا إلى أعماق الهاوية، فالله سبحانه وتعالى يقول: إن النفس لأمارة بالسوء ويقول عز من قائل وأما من خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى.
وما النفس إلا مجمع العواطف والأحاسيس والرغائب، وإذا أطلق الإنسان لنفسه العنان، جمحت به وألقته في مزابل الهوان، وما تفضيل العاطفة على العقل إلا لون من ألوان تقديس النفس الأمارة بالسوء ليظل المرء موثوقاً بها، لا يستطيع أن ينفك عنها قيد أنملة. ولقد تمرد الرفاعي على عاطفته، واتخذ من العقل نبراساً يهتدي به حتى في بداياته الشعرية والتي ذكرت في الأبواب السابقة عدداً من القصائد التي كتبها في باكورة حياته الأدبية وحجبها عن النشر، لا يجد القارئ فيها أي نوع مما يمكن أن نطلق عليه شعر مرحلة الصبا والشباب والتي يتسم مثل هذا اللون من الشعر بما يسمى شعر الوجد والهيام. وقد أشار إلى ذلك الدكتور الحارثي في كتابه السابق ذكره في الصفحة السادسة والستين بعد المائة منه ما يلي:
"ومن اللافت للنظر أن بعض القصائد الأولى التي نظمها في الستينات الهجرية، كانت تحمل صورة الرفاعي وصوته الحقيقي في نظرته إلى الحياة، تلك النظرة التي لازمته من سنين حياته الأولى، حتى ليخيل إليك أن تلك القصائد لم تكن من نتاج زهو الصبا ونضارة الشباب، وكأن الوقار الذي أخذ به نفسه في أطوار حياته، لم يكن مكتسباً متأخراً في حياته، بمعنى أن الفضيلة كانت طبيعية في نفسه منذ صباه".
ونجده في موضع آخر يتحدث عن رومانسية الرفاعي فيقول: "لعله من المناسب أن أسارع فأشير إلى أن الأستاذ الرفاعي يعد من شعراء الفضيلة في الشعر السعودي الحديث أمثال حسين عرب، وإبراهيم فودة وغيرهما، وهذه الإشارة ترتكز في إطلاقها إلى سببين رئيسين:
1- يتمثل الأول في طبيعة الملكة الاكتسابية التي شكلت مرجعية الرفاعي الفكرية، وهي مرجعية عربية تراثية.
2- أما السبب الآخر فإن افتتان شعراء العصر الحديث من العرب بالرومانسية ومنهم الرفاعي، جعل شعر هذه الفئة من الشعراء ينزع في عمومه إلى تبني الثورة والشك والتحرر على كل مألوف. وهذه النزعة لم نجد لها صدى عن الرفاعي الذي اتسم شعره بالتعقل والتأمل ذلك التأمل الفكري الذي جال من خلاله في آفاق مظاهر الكون ليكشف بعض أوجه العلاقات والمفارقات بين تلك المظاهر، فأكسبه ذلك التأمل معرفة ودراية بحقيقة وجوده".
وقد تناول الدكتور بعض قصائد الرفاعي بالتحليل والنقد، وكان مجيداً ومصيباً في آرائه، والقصائد التي ناقشها هي "دعاء" وقصيدة "بقية" وقصيدة "تائه" وقصيدة "تساؤل" وكذلك قصيدة "صبَّارة" وقصيدة "أغنية تتمنع" وقصيدة "يا عيد" وكأني به في تحليله لبعض أبيات من هذه القصائد المذكورة قد غاص في أعماق نفس الرفاعي، واكتشف كثيراً مما يتوارى خلف عباراته التشاؤمية، وسبر غورها وبالتالي أدرك كنهها، ونرى ذلك في معالجته للحوار الذي أجراه الرفاعي "مع صبارته" حيث نقرأ قوله في الصفحة "173": "والصبارة من الشجر الذي يعمر طويلاً، قيل أنها تعيش بين مائة إلى مائتي سنة، وهذا العمر المديد لشجرة الصبار ينبئ عن طبيعة تكوينها المقاوم لمشكلات الجفاف، وللظروف الطبيعية المتقلبة، ورعاية الرفاعي لهذه الشجرة كان يهدف إلى كشف بعض حادثات الزمان، فاستعار بعض لوازم الإنسان ليشكل من هذه الشجرة أنموذجاً حياً قادراً على الاستيعاب، وتمثل تلك الشحنات الشجنية التي أفرزها ذلك الحوار الذي جاء من طرف واحد". ثم قال الدكتور الحارثي بعد أن أورد قصيدة "الصبارة بكاملها" من بداية صفحة "176". "لقد أشرنا إلى أن الحوار مع شجرة الصبارة كان من طرف واحد، ولهذا فلا غرابة إذا تكرر فعل الأمر في هذه القصيدة عشر مرات، لأن الشاعر في غمرة الهيمنة على الموقف الحواري أراد أن يستبق ما من شأنه أن يقطع عليه حواره فأفرغ من شجنه في هذا الحوار السردي بلغة الأمر، وقص الخبر شحنات تحريضية لطرق الحوار الآخر حتى لا يستكين ولا يأبَه بمنغصات الزمان مهما كانت قوة وقعها على النفس. إذ كلما تكاثرت الحادثات وتفننت في طرق النيل من مقصدها كان ذلك حافزاً على استثارة مكامن القوة في النفس لإعداد العدة، وتحديد الموقف المناسب للمواجهة".
وتناول الدكتور الحارثي الصورة الشعرية في شعر الأستاذ الرفاعي وأن البناء السردي في شعر الرفاعي قد أثر على أدبيِة الصورة الشعرية عنده، فكان أكثر ميلاً إلى الارتكاز على العبارة المباشرة وجعل منها مصدر إيحاءات شعره، وأن اعتماد الرفاعي في أكثر شعره على العبارة المباشرة أتاح للغته الشعرية أن تبعد عن دائرة الغموض. فقد جاء في نهاية صفحة 189 من كتباه السابق ذكره: "لقد حمل شعر الرفاعي في لغته، وفي صوره ومضامينه، صوت الرفاعي الخاص، وعالمه الخاص، فلم تكن رومانسيته حالمة منبئة عن واقعه، وإنما هي عبور واجتياز للآتي واستشراف للقادم المثالي، ولهذا ارتبطت الصورة عنده بالواقع، حتى كأن مهمتها إفراغ الشحنة العاطفية إلى معادل غنائي".
ثم قال: "ويبدو أن ظاهرة البناء السردي في شعر الرفاعي قد أثر على أدبية الصورة الشعرية عنده، فكانت العبارة المباشرة هي مناط الإيحاء في شعره وهذا الذي أتاح للغته الشعرية أن تبدو واضحة بعيدة عن الغموض، وتعدد الاحتمالات في فهم النص الشعري، وأنا لا أقصد بالوضوح هنا ما يتبادر إلى أذهان الكثيرين أنه ذلك الأداء اللغوي المبتذل الذي هو أقرب إلى التقريرية منه إلى الإيحاء، وإنما أقصد ذلك الوضوح البياني الصافي الذي تعرفه الخاصة ولا تدركه العامة".
ولقد وجَّه الدكتور الحارثي هجوماً مبطناً إلى الدكتور بكري شيخ أمين على منحه صفة الفحولة في الشعر للأستاذ الرفاعي، وطالبه بالحجج والبراهين المقنعة، بمثل هجومه على الرفاعي حينما منح صفة الفحولة في الشعر لأرطأة بن سهية وطالبه بالقرائن التي استشف منها حكمه، والدكتور الحارثي يعلم علم اليقين أن هذه الصفات التي أصبحت في عالمنا الحاضر كما كانت في عالم الأقدمين، ليس لها قواعد مقننة يمكن الرجوع إليها، وليس لها هيئة دولية تحكمها بحيث لا يمكن أن يحملها إنسان إلا إذا توفرت فيه صفات معينة. والذي نلمسه في عصرنا الملئ بالغرائب والأعاجيب أن بعض الأشخاص الذين ينتسبون إلى الإعلام يحملون في حقائبهم ألقاباً جمة يجودون بها على الذين ينحتون عمرهم في سبيل الحصول على لقب ما يفخرون به فيما بقي من حياتهم، وهم يعلمون بل أجزم أنهم يعلمون أن هذه الألقاب قد التقطها هؤلاء المانحون من شوارع الحياة المليئة بالمتناقضات، فمن قالوا عنه فحلاً، لا تجده إلا فُحيلاً، ومن قالوا عنه بطلاً، تعريه الأيام وتظهره وَجلا. وهكذا دواليك.
والدكتور الحارثي عندما طالب بالبراهين إنما كان ذلك حيطة من الوقوع في الخطأ وسعياً في التماس العثور على الحقيقة المجردة من الزيف وهذا أمر في غاية الصعوبة أن يقدر عليه كاتب أو ناقد في هذا الزمن الذي أصبحت الشللية فيه عنصراً مهماً في إدارة دفة سبل الحياة في المجتمعات التي تنتمي إلى العالم الثالث، وقد لا يخلو منها حتى العالم الصناعي المتقدم إن لم يكن للشللية فيها مكان فإن الالتزام بالمبادئ والمناهضة لغيرها تشبه إلى حد كبير الشللية، بل ربما كانت خطورتها في مناحي أشد وأكثر.
يقول الدكتور الحارثي في الصفحة 198 بدءاً من الفقرة الثالثة "فعلى أي شيء بنى "الدكتور بكري أحكامه بأن الرفاعي من فحول الشعراء في المملكة العربية السعودية، وهو لم يشر إلى قصيدة واحدة من شعره، خاصة أنه ربط تأخر صيت الرفاعي بزهد هذا في نشر شعره" ومثل هذا القول سبق الدكتور الحارثي أن وجهه إلى الأستاذ الرفاعي حول "أرطأة بن سهية" حيث قال في الصفحة 126 من كتابه "عبد العزيز الرفاعي أديباً" وقد وصفه الرفاعي – الضمير في وصفه يَعود إلى أرطأة – بأنه من الشعراء الفحول، وأورد هذه الصفة ثلاث مرات، ولا ندري على أي أساس وصفه الرفاعي بالفحولة مع أن المصدر الرئيسي الذي اعتمد عليه الرفاعي وهو كتاب الأغاني قد حدد منزلة أرطأة في الشعر دون أن يصفه بالفحولة، ولم نجد أحداً من النقاد صنف أرطأة في عداد الفحول من الشعراء، فهل مفهوم الفحولة عند الرفاعي أن يقول الشاعر في أغراض عديدة كالمديح والهجاء والرثاء، هذه الأغراض التي كان لأرطأة نصيب من القول فيها؟". وقد بينت وجهة نظري فيما ذهب إليه الدكتور الحارثي عند الحديث عن كتيب الرفاعي الموسوم بـ "أرطأة بن سهية" ولا أجد سبباً يدعوني إلى التكرار.
 

طباعة

تعليق

 القراءات :549  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 85 من 94
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج