في ذكراه الأولى |
الرفاعي.. أفكار لا تموت |
وهذه المقالة بعث بها سعادة الدكتو أحمد مختار مكي أحد أصدقاء عبد العزيز الرفاعي من أبناء جمهورية مصر العربية بعد مرور عام من وفاته تحت عنوان : |
في الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول عام 1414هـ فقدت الساحة الثقافية والأدبية علماً من أعلام الأدب والثقافة في السعودية، الأديب "عبد العزيز الرفاعي" – رحمه الله – . |
ورحلة حياة الرفاعي التي امتدت أكثر من سبعين سنة، ما بين [ميلاده في عام 1342هـ، ووفاته 1414هـ] جديرة بالدراسة، لأنها أثمرت للفكر والثقافة الكثير من الكتب، والعديد من المقالات والدراسات، فالرفاعي من الرجال الذين تعد حياتهم جزءاً من تاريخ أمتهم، فهو ليس مجرد واحد من الذين عايشوا مرحلة معينة، بل واحد من صانعيها. |
ولد عبد العزيز الرفاعي بمكة المكرمة ونشأ وتعلم فيها، وتخرج من المعهد العلمي السعودي، وشغل عدة وظائف منها مدير الإدارة السياسية بديوان رئاسة مجلس الوزراء، ومستشاراً بالديوان الملكي. |
أما النتاج الفكري الثري والمتنوع للرفاعي، أذكر منه مجموعة كتب: إعلام العلماء الأعلام ببناء المسجد الحرام، شارك في تحقيقه عام 1369هـ جبل طارق والعرب، صدر في عام 1389هـ خمسة أيام في ماليزيا، صدر في عام 1390هـ أم عمارة الصحابية الباسلة، صدر في عام 1393هـ من عبد الحميد الكاتب إلى الكتاب والموظفين، صدر في عام 1393هـ الحج في الأدب العربي، صدر في عام 1395هـ خولة بنت الأزور، صدر في عام 1397هـ ضرار بن الأزور الشاعر الصحابي الفارس، صدر في عام 1397هـ زيد الخير، صدر في عام 1397هـ توثيق الإرتباط بالتراث العربي، صدر في عام 1397هـ أرطال بن سهيلة حياته. وشعره، صدر في عام 1399هـ الرسول كأنك تراه، صدر في عام 1403هـ رحلتي مع المكتبات: مكتبات مكة المكرمة، صدر في عام 1413هـ ظلال بلا أغصان، صدر في عام 1413 هـ. |
إضافة إلى ذلك شارك الرفاعي في العديد من المؤتمرات والندوات الأدبيـة والثقافيـة في المملكـة وخارجها، وشارك في إصدار والإشراف على مجلة عالم الكتب والمجلة العربية . |
تنوع ثقافي: |
ونلاحظ تنوع كتابات الرفاعي ما بين التاريخ، وأدب الرحلات، والشعر، والتراث وغير ذلك، وهذا التنوع يعود إلى تنوع قراءاته وتعدد تجاربه، ويدل على اتساع ثقافته ورحابة علمه، ولهذا استطاع أن يكون أديباً له دوره البارز في بلده والمجتمع الإنساني. |
وإن كان الرفاعي قد رحل عن عالمنا، إلا أن أفكاره ما زالت تعيش بيننا نهتدي بها لأنها تشكل جزءاً من فكرنا وثقافتنا . |
ونعرض في – هذا المقال – لبعض أفكاره التي قدمها من خلال الإذاعة السعودية "برنامج فكرة اليوم" في عام 1383هـ، أي من اثنتين وثلاثين سنة، ومع هذا فهي أفكار حية صالحة لليوم وللغد، وهناك ما تحقق من الأفكار التي طرحها الرفاعي ومنها ما نحن في حاجة إلى تحقيقه، فما تحقق منها يجب أن نذكره، وحين نرى ثماره أو ننتفع بها نذكر أن الرفاعي كان من الداعين إليه، وما لم يتحقق نسعى لتحقيقه. |
كان الرفاعي من الرجال المخلصين المحبين لوطنهم ولهذا كانت أفكاره في مجملها تسعى لتحقيق صالح الوطن، كانت تؤرقه ندرة بعض التخصصات بين أبناء وطنه، ومن ثم استأثر الأجانب بها كتخصص طب القلب ".. أنا لا أقصد أن أشير عليك أن تتخصص في طب القلب، وإنما أن أشير عليك أن تتخصص في فرع من هذه الفروع التي نحتاجها كل الحاجة والتي نعتمد فيها على غير مواطنينا لتسد لوطنك ثغرة مفتوحة"، كان هذا الحديث إلى طالب يدرس الطب وكانت هذه دعوته في كافة المجالات والتخصصات ففي مجال الصناعة يدعو إلى أحياء الصناعات الخفيفة "إن أشياء تدخل كل بيت كنا من قبل نصنعها محلياً. أما الآن فقد طغى عليها الاستيراد فذهبت نقودنا إلى الخارج.. فماذا لو قامت عندنا ملاحات فنية، تصنع الملح وتعبئه؟ وكذلك الخل.. والفخار.. وإن هذه الصناعات الصغيرة.. التي لدينا أسس سابقة لا تتطلب رؤوس أموال كبيرة.. وإن رؤوس الأموال الفردية العادية تستطيع أن تقوم بها ومتى قامت أعتقد أن الدولة ستشجعها وتحميها". وتضمنت أفكاره الدعوة إلى استغلال آبار المياه المعدنية مثل بئر "عروة" بالمدينة المنورة وبئر "الجعرانة" بمكة المكرمة، هكذا كانت أفكاره تحث على كل ما هو مفيد لوطنه ويريد أن يراها دائماً في أبهى صوره وينادي بالحفاظ على آثارها ومعالمها الجميلة وخضرتها، "في جدة هدمنا سورها دون أن نترك أبوابه وكانت جدة تتميز بأشجار كبيرة هرمة تصطف إلى جوار باب حديد على الشاطئ فقطعناها وكان في جدة بيت كبير من طراز فريد هو بيت البغدادي وقد أزيل من الوجود نهائياً، وإنني أدعو إلى أن تحرص كل مدينة في المملكة على أثر مميز تحتفظ به كشعار ورمز". |
الاهتمام بتاريخ الجزيرة: |
ومن أفكار الرفاعي دعوته إلى الاهتمام بتأريخ الجزيرة العربية، ويقول "لماذا لا تكون هناك شركة ذات رأس مال كبير تضطلع بهذا العبء، فتقدم تاريخ الجزيرة وأدبها وفنونها وعلومها إلى العالم العربي منشورة نشراً علمياً دقيقاً ممحصاً؟"، كما كان يأمل في وجود دائرة معارف عربية شاملة "إنَّ من أولى واجبات الدولة العربية العناية بإيجاد دائرة معارف عربية كبرى مستوفاة يفتخر بها العرب وتعتز بها الأجيال". |
وإذا كان الرفاعي يهتم بمستقبل بلاده وتاريخها ونهضتها. فهو بالأحرى يهتم بالإنسان صانع النهضة، ونرى أن اهتماماته في هذا الجانب تتعدد ما بين الاهتمام بالطفل، والشاب والمشكلات الاجتماعية، والتعليم والعلاقات الإنسانية". |
ففي مجال الطفولة يرى أن تربية الطفل وتثقيفه يجب أن يبدأ من مراحل الطفولة المبكرة وينادي باستخدام القصة في التربية وأن تكون هادفة لا لمجرد التسلية "ولكنني أريد أيضاً أن أثقفه في نفس الوقت الذي أسلّيه ولمعت في ذهني فكرة هي فعلاً فكرة اليوم.. إنني أستطيع أن أقص عليه قصصاً من تراثنا من بطولاتنا.. من إسلامنا المجيد ويستطيع كل أب أن يفعل ذلك مع أطفاله.. مراعياً طبيعة السن في طريقة السرد والإثارة". |
وهو يرى أيضاً أن الفراغ إن لم يشغل لدى الشباب فإنه سوف يصبح مفسدة لهم ولذلك يقترح فكرة لشغل أوقات فراغهم فيقول: "والفكرة التي أدعو إليها اليوم، خلاصتها إنشاء أندية في كبريات المدن يطلق عليها اسم "أندية الطلاب الصيفية" تعمل بإشراف مشترك من وزارتي المعارف والشؤون الاجتماعية وتتاح فيها للشبان ألوان من النشاط وتزود بأقسام خاصة مهمتها إمداد المؤسسات الأهلية والحكومية بفرق من الشبان الراغبين في العمل المؤقت"، ويهتم بالمشكلات الاجتماعية ويتناول مشكلة غلاء المهور ويطرح فكرة تأسيس جمعية لتيسير المهور "ولتيسير هذا اللقاء الشرعي بين كل عروسين من الطبقة المتوسطة، يجدر أن تأسس جمعيات تعاونية لتشجيع ومعونة كل عروسين، على أن يشترك الشبان العزاب في هذه الجمعيات باشتراكات ضئيلة معقولة ويكون هدفها تقديم العون لأي من أعضائها.. على أن يظل كل من يتزوج من أعضاء هذه الجمعيات يدفع اشتراكها الرمزي اليسير لكي تسير في طريقها وتقدم العون لسواه". ويناقش مشكلات أو أمراضاً اجتماعية في أكثر من فكرة مثل عدم احترام المواعيد، والاستهتار واللامبالاة وأهدى من أفكاره إلى الأمة العربية قوله "أرجوكم عدم استخدام كلمة "معليش" إذا أردتم لبلادكم أن تعرف قيمة المسؤولية والنظام"، ومن ثم تتقدم، وفي مجالات العلاقات الإنسانية فهو يطالب كل فرد بأن يحسن التصرف تجاه الآخر "قلت: اسمع يا صاحبي.. إذا أردت أن يكون تصرف الناس تجاهك معقولاً فليكن أيضاً تصرفك تجاههم معقولاً. حاول أن تعرف واجبك تجاه الآخرين، ليعرفوا واجبهم تجاهك". |
يرى أن الأمل مفتاح الحياة الناجحة فيقول: "إن الأمل يفجر دائماً الطاقات المدّخرة.. والأمل وصفة طبية تصلح لكل الأمراض ولكل المرضى، ولكل الأعمار ولكل الأجيال، ولكل الأجناس". |
كان هذا جزءاً من أفكار "عبد العزيز الرفاعي" التي طرحها على الأسماء من خلال برنامج "فكرة اليوم" منذ أكثر من ثلاثة عقود، ومع ذلك فإنها لا تزال تنبض بالحيوية، ونلاحظ فيها سلاسة العبارة، والإيجاز مع عدم الإخلال بالمعنى، بل تكثيف المعاني في كلمات بسيطة، قليلة سهلة . |
|