يرثيك – قبل الناطقـين – كتـاب |
والمثكلان: الدار والأطياب |
تعيـا حـروفي وهـي بعـد فتيـة |
فيسير بي نحـو السكـوت ركـابُ |
كبت الجفون على نوافـذ مقلـتي |
وتعثـرت بدموعهــا الأهـداب |
ومشى على المرسـى لهيب فجيعـتي |
فـإذا رمـادي خيمــة وثيـاب |
حدقت لا صحبي بحصـن سفينـتي |
قربـي ومالـي نحوهـم أسبـاب |
عاتبت أحداقـي وحـين نهرتهـا |
وامتـد بيـني والديـار عتــاب |
قالت: أردت الطـين ينفض مـاءه |
"لا غـرو يشتـاق الترابَ تـرابُ" |
تـاق المحـبُّ إلى "الحبيب" وراعـه |
إنَّ الهـوى بعـد الأحبـة صـاب |
يا سيدي المكيَّ كم رغـب الفـتى |
وصلاً – وتبخـل باللقـاء ربـابُ |
ياسيـدي المكـيَّ يكفـي أننــا |
حطب وأنَّ النائبات ثقابُ |
يا سيـدي المكـيَّ يكفـي أننــا |
بشـر لنـا بعـد اللقـاء غيـاب |
يا سيـدي المكـيَّ بـين قلوبنــا |
وصلٌ – وما بين الوجـوه حجـاب |
أنا مـا رثيتـك سيـدي لكنمـا |
يبكي على قيثارة زريابُ |
الجمر في كاسي وفي صحـني المـنى |
رمـل، وما بـين الضلوع حِـراب |
غادرت بستان النعيم ترفعا |
وألذ من عَسـل الضلال الصـاب |
فإذا تعثرت الحـروف علـى فمـي |
واخشوشنت قبل الدموع رضـاب |
فاعذر سمير الحرف حين تصدعـت |
كلماته – فإذا السكوت جـواب |
شطت بنا الدنيا عسـى من بعدهـا |
يخضر – من بعد المصاب – ثـواب |
ينبوعنا الصافي وراء حياتنـا |
ولنا عقاب من بعدهـا ومثــاب |
يـا سيـدي المكـيَّ كل نفيسـة |
ولها – إن طال الزمـان – خـراب |
غلب القضـاء صروحنا فتناثـرت |
وتعددت لخرابها الأسبـاب |
يـا سيـدي المكـيَّ آيـة ضعفنـا |
إن المهيمن وحده الغلاب |
أنـا مـا رثيتـك سيـدي لكنمـا |
وجهي حقـول والدموع سحـاب |
نبكـي على الدنيا – ونعلـم أنهـا |
نهر ولكن المياه ســراب |
الموت حطاب الحياة وإنما |
ستقوم بعـد حصـاده الأحطـاب |
تخضر ما عبـق الهـدى بجذورهـا |
وتصير نخلاً طيباً أعشابُ |
يا سيدي المكـيَّ ما عمـر الفتـى |
إن لم يزن بصلاته المحراب |
عمر الفتى إيمانه وفعاله |
أما السنون فرغوة وسراب |
يا سيدي المكـيَّ لسـت بنـادب |
أعطاك – ثم أرادك – الوهـاب |
لكنما طبع الضعيف بكاؤه |
وجداً، وطبـع الديمـة التسكـاب |
أطنبت في حزني على باب الـهوى |
إن الهوى من طبعه الإطناب |
أبكيك أم أبكي علي؟ كأنني |
شيعت قبل المـوت يـا أصحـاب |
يا سيدي المكي َّ تبقى بيننا |
ما شع في القلـب الوفـي شهـابُ |
كم حاضـر فينـا ومـا لوقوفـه |
ظل وما لغصونه أطياب |
ولربما قد أقفرت بوجوده |
دار وتقفر بالديار هضاب |
أو راحل عنَّا له ما بيننا |
دفء وفوق دروبنا أعناب |
يا غائب الأشجـار عـن أحداقنـا |
وله ببستان القلوب إياب |
يا راحلاً من بيته لقلوبنا |
فكأنه لقلوبنا أعصاب |
غادرتنـا جسمـاً ومـا غادرتنـا |
عن الحياة لجيئة وذهاب |
قد تاقت الـروح الطهـور لربهـا |
"لا غرو يشتـاق الترابَ تـرابُ"
(1)
|
فاهنأ بمجدك يا ابن مكـة حسبنـا |
أن الثواب وقـد رحلـت شعـاب |
يا سيدي المكـيَّ عطَّـرت الشـذا |
بشذاك وانتهجت رؤاك لباب |