أ- المقالة السياسية |
الحديث عن الشؤون السياسية حديث شيق وشاق، فهو ممتع لأنه يضع بين يدي القارىء تحليلاً عن الواقع المعاصر، ويحدد مواطن الخطأ، ويعالج بعض المشاكل التي تقع فيها بعض الدول، وعبد العزيز الرفاعي منذ أن بلغ الثلاثين من عمره واشتد عوده أطلق ليراعه العنان لكي يحتل مكانه بين الأقلام الراعفة صدقا، ويقف من خلفه يسنده في رحلته اطلاع واسع، وفهم شديد للقراءة والاستفادة، فما أن يعود من عمله اليومي حتى ينكب على قراءة الكتب الجديدة التي وقعت بين يديه إعارة أو شراء، ولا يتركها حتى يستوعب ما وسعه الاستيعاب منها. |
وهذه الذخيرة من المعلومات المكتسبة كانت مصدر تدفقه، ومن المقالات السياسية التي كتبها عبد العزيز الرفاعي ونشرها بجريدة البلاد السعودية العدد 712 تاريخ 16 جمادى الثانية 1367 الموافق 25 إبريل عام 1948م تحت عنوان "حادثة دير ياسين يجب ألا تتكرر". |
"تناقلت الصحف العربية والصحف الخارجية ووكالات الأنباء ومحطات الإذاعة النبأ المثير الذي دلل على مدى تغلغل الطبائع الوحشية في نفوس الصهيونيين، وقدم برهانا على أنهم أبعد الناس عن الإنسانية خبر إعتداء أجلاف الصهيونيين على قرية "دير ياسين" من قرى فلسطين وإبادة سكانها الآمنين المطمئنين في هدأة الليل. فلم يتركوا امرأة ولا طفلاً ولم يشفقوا على حامل ولا هرم، ثم أمعنوا ما شاءت لهم وحشيتهم وفظاعتهم فارتكبوا إزاء الفتيات العربيات جرماً لا تقوى الألفاظ على تسجيله ونبع من خستهم وسفالتهم، ولعلهم حسبوا فتيات العرب الكريمات كفتيات الصهيونيين، وشتان شتان. |
ولست الآن بصدد أن استعرض تعليقات الصحف العربية والأوساط الأجنبية، فقد ترك هذا الخبر الفاجع أثراً سيئاً في كل وسط، وخلَّف صدى مدوياً في كل صحيفة، وعلى لسان كل مذيع ما عدا الصهيونية الدنيئة، فهي وحدها التي قرت به عينا بل لقد أدركت بعض الجهات اليهودية فداحة الجرح وفظاعته، فقد ورد في بيان للحاخام الأكبر يصف فيه مذبحه "دير ياسين" بأنها "جريمة جنونية" وقد ورد في هذا البيان قوله: "إن على أفراد جمعيتي "أرجون"، و "شترن" أن يدركوا مدى العار الذي لحق باليهود من جراء هذا الحادث، فهو عمل يدعو إلى الاشمئزاز والاستنكار"، هذا ما يقوله اليهود أنفسهم عن شناعة الحادث. |
أقول لست بصدد تعليق شتى الأوساط على الخبر، ولكن يهمني بشكل خاص موقف العرب من هذا الاعتداء، ومن سلسلة الاعتداءات الأخرى التي تجترمها الصهيونية في فلسطين، ومن الموقف الخطير الذي تجتازه الشقيقة الشهيدة. |
لقد عرف العرب بشهامة منقطعة النظير، وإن هذا الخلق من أخلاقهم في مقدمة مفاخرهم. وهذا ما سجله لهم التاريخ، فهل نقول إن العرب قد بعدوا حتى عن طباعهم الأصيلة، وإلا فبماذا نفسر هذا الهدوء العجيب الذي يقابلون به اعتداء الصهيونيين في فلسطين حتى على الأعراض؟! وعهدنا بالعربي يغار على المرأة فوق الغيرة، ولا يطيق إن توجه لامرأة حرة كلمة تنبو عن الذوق فكيف بفعلة تنزل إلى أسفل الدركات؟ |
لا أريد أن أتحدث عن موقف الجامعة العربية، أو موقف الدول العربية فإن هذه تقدر المسؤوليات الدولية، وتحسب لكل خطوة خطورتها، وتنظر بعيداً. فالكلمة إذن للشعوب العربية التي لا يربطها ما يربط الدول من قيود سياسة كما تبدو لي مشكلة الأسلحة لا مشكلة الرجال، فإن في فلسطين أبطالاً وفدائيين لا يعد الصهيونيون إزاءهم شيئاً ولكن أثرهم الحربي لا يكون وافياً إلا إذا آزره العتاد الحديث الكافي، وهذه مسألة قمينة بكل اهتمام، وهي حرية بنجدة العروبة وشهامتها إنني أربأ بها أن ترضى عاراً كعار حادثة دير ياسين". |
لوددت واللّه - أن لو ملكت وسيلة يصل بها صوتي إلى العالم العربي والإسلامي أجمع لأقول لهما : |
1- إن هذه الحادثة يجب ألا تتكرر، لأن عاراً آخر إن أضيف إلى هذا العار لطخ العروبة بأسوأ الأقذار، وسجل عليها تخاذلاً شنيعاً لا تمحوه الأيام. |
2- أجدر بهذه الحادثة أن يستفيد منها في دعاية واسعة ضد الصهيونية المتوحشة أن يطبع بها كتاب يسجل القصة كما رواها النساء المفزعات، والأطفال المشردون، والشيوخ المروعون، وأن ينشر هذا الكتاب بكل لغة حية ويوزع في كل مكان، وأن يشار إلى هذه الحادثة في كل مجال وأن يذيعها كل مذيع، ويتكلم عنها مندوبو الدول العربية في كل مؤتمراتهم وفي كل مجلس وكل اجتماع، وأن لا تترك صحيفة عربية، فرصة تفلت منها بدون الإشارة إليها. |
3- أن تؤخذ هذه الحادثة وأشباهها كدليل نافع على عدم صلاحية اليهود لإقامة دولة في فلسطين. إنَّ أمة على مثل هذه الأخلاق لا تصلح للحياة فضلاً على إقامة دولة. |
وأخيراً فإني أتساءل هل ستعمل الشعوب العربية على وضع حد لفظائع الصهيونية ومتى. |
|
|