شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رحَلاَتُ الولاء والانتماء
يمكن أن نطلق على الرحلات التي قام بها ضمن مجموعة من الأدباء، لتمثيل المملكة في ندوات أدبية وثقافية، تعقد في دول عربية وإسلامية، تربطها بالمملكة روابط وثيقة، أهمها رابطة العقيدة والدم واللغة والأخوة والجوار، فضلاً عن الروابط الاقتصادية والدبلوماسية "رحلات الولاء والانتماء". على أن اختيار الأشخاص لتمثيل المملكة في مثل هذه الندوات والمؤتمرات يتم بناءً على ثقة المسؤولين في المرشحين لسِمَات خاصةٍ يتلمسونها في المرشح، وأهم تلك السمات صدق الانتماء، والانتماء لا يعني حمل حفيظة النفوس، ولا لبس الثوب والعقال، ولا التحدث باللغة العربية، بل هو أسمى من ذلك بكثير لأنه الولاء والإخلاص ولا أحد يستطيع أن يستبعد إخلاص وولاء أي مواطن لوطنه، فصدق الانتماء في أقرب معانيه هو التضحية والفداء والإخلاص للوطن. فالكل مخلصون، غير أن درجات الإخلاص تتفاوت من شخص إلى آخر، وإذا كان إيمان الشخص يزداد وينقص، فالإخلاص يزداد وينقص، فهناك من الناس من يخلص بقلبه، ومنهم من يخلص بلسانه، ومنهم من يخلص بكل جوارحه، بقلبه ولسانه ويده، بجهده وبماله، بنفسه وعياله، وهذه الطائفة هي التي تحظى بشرف ثقة المسؤولين فيها، وهم الذين يستحقون أن ينالوا رضاهم ومنحهم شرف تمثيل المملكة في الندوات والمؤتمرات التي تدخل ضمن اختصاصهم؛ ومن هذه الفئة المختارة كان عبد العزيز الرفاعي - رحمه الله - فقد شارك في فعاليات مؤتمر الأدباء العرب الثالث الذي انعقد في لبنان عام 1956م وكان يشاركه الأستاذ محمد حسن عواد - رحمه الله - وفي هذا المؤتمر دار نقاش حاد بين محمد حسن عواد وعبد العزيز الرفاعي - رحمهما الله - حول رئاسة الوفد، فقد أعلن العواد أنه رئيس الوفد، وأنكر عليه الرفاعي هذا الادعاء، وقال: إن الوفد رشح للمشاركة دون تعيين رئيس وقد وردت كل الكتابات حول الموضوع بجريدة البلاد التي تولت نشرها وتعتبر هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي دخل فيها عبد العزيز الرفاعي معركة أدبية بل معركة تصحيحية لموضوع تجاذبته أوجه الخلاف بين الطرفين، ولقد عاتب نفسه فيما بعد عتاباً عنيفاً، لأنه يَعْتَبِرُ العواد رائداً من رواد الشعر والأدب، وأستاذاً كبيراً يجب على عشاق الأدب وتلامذته أن ينزلوه المنزلة التي يستحقها لا سيما أنه قد لاقى كما لاقى غيره من أنداده كثيراً من العناء في سبيل نشر أدبهم ومقالاتهم.
وقد أشار الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين إلى ذلك في الفترة الأخيرة من مقال كتبه لجريدة اليوم نشر بتاريخ 29/4/1414هـ بعنوان: "أيتها النفس اجملي جزعاً" وتكملة البيت: "إن الذي تحذرين قد وقعا" والمقال من المقالات التي يرثي بها كاتبوها عبد العزيز الرفاعي - رحمه الله -.
ثم حضر مؤتمر الأدباء الرابع بالكويت المنعقد عام 1958م، كما حضر مؤتمر الأدباء الذي انعقد ببغداد والقاهرة والجزائر وتونس. وفي كل مؤتمر كان يلقي بحثاً أدبياً يتناول بعض ما يهم العالم العربي والإسلامي في مجال الأدب والثقافة ذلك أنه يتحاشى الحديث عن السياسة وكان يردد دائماً إن السياسة لها أربابها الذين يعرفون أسرارها وكيف يعالجون مشكلاتها حسب رؤيتهم لها، أما أنا فحسبي أن أقف على الخط الذي يمكنني من أن أدلي بدلوي دون خوف ولا خشية الوقوع في الأخطاء التي لا يجدي بعد الوقوع فيها قرع السن ندماً ولا عضّ الأصابع حسرة، وقد التزم بهذا المبدأ في دارته الأدبية الخميسية حيث يدير دفة الحديث على ما يهم أمر المسلمين، وما يذكرهم بتاريخ أجدادهم من بطولات وقيم وفضائل، ويحبذ الحديث عن الأدب وأخباره والشعر والشعراء هو يخصص في كل خميسية الساعة الأخيرة من ندوته لما تجود به قرائح الشعراء الذين يشاركونه في تلك الأمسية.
وهذه النعم التي أنعم بها المسؤولون عليه كواحد من الأبناء البررة الذين تجلى الإخلاص في أعمالهم بكل أشكاله وصوره لم يخلُ من غبطة الآخرين له وبالأحرى من حسدهم، فكثيراً ما سمع ذلك بأذنه، وكثيراً ما نقل عنهم ولكنه في كلا الحالتين أذُن عن العوراء صمّاء، ولا يقول كما يقول غيره:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
فالكل أعـداء له وخصـوم
فهو يكره الحسد، ولا يرضاه لغيره، لأن الحسد آفة لا تُبقي للحاسد خيراً، فقد روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال "إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" وهو لا يقول كما يقول غيره من المحسودين لحاسديهم:
أيا حاسداً لي علـى نعمـتي
أتدري على من أسأت الأدب؟
أسأت علـى الله في حكمـه
لأنك لم تـرض لي ما وهـب
فأخزاك ربي بأن زادني
وسدّ عليـك وجوه الطلـب
ولكنه يتلمس الأعذار لحاسديه، ولا يحمل لهم بين جنبيه إلا الحب والإحسان، داعياً الله - سبحانه وتعالى - أن يغفر لهم وله. ويكفِّر عن سيئاتهم وسيئاته، لينال رضا ربه وغفرانه، ويزيد من حسناته امتثالا لقوله تعالى : ومن عفا وأصلح فأجره على الله.
وقد أصدر من الأبحاث التي ألقاها في هذه المؤتمرات، كتيباً يحمل الرقم الأول في سلسلة المكتبة الصغيرة بعنوان "توثيق الارتباطات بالتراث العربي" وهو بحث ألقاه في مؤتمر الأدباء السابع الذي انعقد في بغداد عام 1389هـ وجدير بالذكر أن هذه السلسلة بلغت إصداراتها خمسة وخمسين مؤلفاً، منها عشرة مؤلفات من تأليف عبد العزيز الرفاعي - رحمه الله - والبقية لمؤلفين سعوديين وغيرهم.
ولقد ساهمت هذه الرحلات التي شارك فيها إخوته الأدباء من مختلف الأقطار العربية، في توثيق الصِّلات بينه وبينهم، بحيث اكتسب محبتهم واحترامهم وتقديرهم، لما لمَسُوه فيه من كمال الأخلاق، وسمو السلوك، وسَعة الإطلاع، وغزارة المعرفة، وسلاسة القول، وعفّة اللسان، وغيرها من الصفات، التي قلَّما تجتمع في شخصية واحدة.
ولعلَّ هذه المكاسبَ التي حصل عليها من هذه المشاركات الأدبية وما تمخضت عنها من علاقات وثيقة وصلات شخصية حميمة كانت إحدى الركائز أو الدعائم القوية التي اعتمد عليها أعضاء مجمع اللغة بالقاهرة لاختياره عضواً فعالاً في المجتمع.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :636  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 30
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج