مَا قيل عَنْ المكتـبَة الصّغيرة |
لقد تحدث الكثير عن المكتبة الصغيرة أحاديث مقتضبة ومطولة، وكتب رجال لهم وزنهم الثقافي والعلمي والاجتماعي والسياسي في الصحف المحلية وأشادوا بها، وسأورد مقاطع من مقولات عدة أفضى بها أدباء وشعراء وكُتَّاب وعلماء من جنسيات مختلفة، لإظهار ما بلغته هذه المكتبة من مكانة في نفوس عشاق الكلمة الصادقة الهادفة - التي تسعى جاهدة لتنوير الفكر العربي والإسلامي على حد سواء. |
قال الدكتور محمد بن سعد الشويعر عنها: لقد أصدر عبد العزيز الرفاعي سلسلة، صغيرة في حجمها كبيرة في مكانتها جيدة النفع في مادتها، إنها المكتبة الصغيرة. |
أما الشاعر أنس عبد الرحمن عثمان فقد بعث بقصيدة شعرية من مقر عمله بهيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية عبَّر فيها عن إعجابه بما تقدمه تلك المكتبة من خدمات جليلة للقراء، كما أبدى استغرابه من تسميتها "المكتبة الصغيرة" في حين أنها قد بلغت سن الرشد الثقافي. وهذه هي القصيدة: |
أثارت من تراثـك أن تثـيره |
معالم قد حكت شُهُبـاً منـيرة |
فخضت لها بحور الكتب بحثـاً |
بسعي لا يضيق من الوعـورة |
وأجليت الحقائـق زاهيـات |
وصورت المعاني خير صـورة |
تحدث عن ضـرار باعتـزاز |
أحاديثاً مخفرة مثيرة |
وتمنح نجلـه حقـاً مضاعـاً |
يبوئه المكانة في العشيرة |
وتثبت أن خولة لم تجاوز |
خيالاً عاش في الأذهان سـيره |
وتنشر كل معرفـة وفضـل |
تمنى الفضل مرتقبـاً نشـوره |
ويدعوك التواضع أن تُسَمَّـي |
جليل الجهد مكتبـة صغـيرة |
|
أما الأستاذ عبد القادر الإدريسي، فقد بعث برسالة إلى مؤسس المكتبة الصغيرة، وراعيها الشيخ عبد العزيز الرفاعي - رحمه الله - احتوت فيما احتوته العبارة التالية، التي يسطر بها ثناءه للجهد المشكور، الذي بذله عبد العزيز الرفاعي، في سبيل إخراج إصدارات المكتبة بدرجة كبيرة من الإتقان حيث قال في رسالته الموجهة لمؤسس المكتبة الصغيرة والمؤرخة في 18/ 1/ 1402هـ: وإذا كانت سلسلة "إقرأ" التي نشأت عليها الأجيال العربية قد قامت على جهود مؤسسة نشر ضخمة، فإن "المكتبة الصغيرة" استطاعت أن تسد فراغاً هاماً في المكتبة السعودية بالأخص بجهد رائد كبير، وكاتب شهم شجاع، اقتحم ميدان النشر، وانتصر ولا يعرف الشوقَ إلا من يكابده، ولقد أكبرت فيكم هذه البادرة الطيبة، فشكراً لكم ودعواتي لكم بالصحة والعافية وطول العمر. |
أما شيخنا الفاضل أستاذ الأمراء والوزراء والعلماء والشعراء والأدباء عثمان الصالح - حفظه الله - فقد ورد في مقاله الذي نشر في ملحق الأربعاء بتاريخ 13/4/1414هـ فقرة تشير حروفها وكلماتها بإضاءات مشرقة إلى ما تقوم به المكتبة الصغيرة في ميدان الأدب للناشئة والمثقفين على السواء فهو يقول: وكنا نعيش معه في مكتبته، الصغيرة حجماً، والعظيمة فائدة، وما مجموعات ما صدر منها إلا عقد نفيس، يجدر بكل أديب أن يتخذ منها مكتبة فاخرة، لأنها بكل نوع من العلوم والآداب زاخرة، وما هي إلا نهر عذب تروي القارئ وتعطي الفكر زاداً زكياً. |
وكتب الأستاذ سعد بن عائض العتيبي في جريدة الرياض العدد 9213 الصادر بتاريخ 28/3/1414هـ مقالاً صغيراً رثى فيه الأستاذ عبد العزيز الرفاعي - رحمه الله - وتحدث عن منجزاته باقتضاب. وقد عرّج في حديثه عن تلك المنجزات على "المكتبة الصغيرة" فقال: إن من يلقي نظرة فاحصة على آثار الرفاعي، سيجد أنه أمد المكتبة العربية بفيض زاخر من فكره، وعلمه. ولكن ستظل أعظم آثاره وأخلدها "المكتبة الصغيرة" والتي تعتبر بحق موسوعة شاملة في كافة فروع المعرفة، وقد أدرك بثاقب نظره وبحسه الأدبي أن القارئ قد تغيَّر ولم يعد كالسابق لديه الوقت الكافي للقراءة المطولة، فكان أن أنشأ "المكتبة الصغيرة " والتي تتميز بصغر حجم إصداراتها وبسعرها الزهيد حتى تكون في متناول أيدي الجميع. وقد شاركه في إصدارات هذه السلسلة من نخبة الأدباء والمفكرين من بلادنا ومن الوطن العربي. |
وعن المكتبة الصغيرة تحدث الأستاذ عمر أبو زيد المدير الإقليمي لمؤسسة اليمامة، بالمنطقة الغربية، فقال في حديث نشر له بجريدة الرياض تاريخ 28/3/1414هـ بعنوان "الرفاعي.. الحلم الجميل الذي رحل" عند تعرضه للمكتبة الصغيرة: لقد كان عبد العزيز الرفاعي - رحمه الله - يحلمُ بذلك المشروع الصغير لفظاً، الكبير معنى وإبحاراً، والصغير حجم إصداراته، والكبير عطاؤه ثقافياً وأدبياً وعلمياً، وكان يتمنى أن يكون مشروعاً جماعياً، وحاول في سبيل ذلك كثيراً ولكنه لم يوفق، فبدأه بنفسه على وجه التقريب عام 1390هـ أو نحو ذلك وكان كتيِّبه الموسوم بـ "توثيق الارتباط بالتراث" أول إصدارات "المكتبة الصغيرة" وكنت أنا والأستاذ أحمد ملائكة أول المنفذين لهذه الإصدارات، والذي طبع في مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر بجدة، ثم انطلق المشروع بقوة وتعددت إصداراته، وعانى الأستاذ الرفاعي الكثير والكثير، ليس في مجال الطبع والتوزيع فقط، ولكن حتى في ملاحقة المؤلفين. |
أما الشاعر الكبير السيد محمد حسن فقي فقال في رثائه لعبد العزيز الرفاعي: لقد كانت مكتبته، والكتاب الصغير، الذي تنتجه في كافة مناحي الثقافة، الصغيرَ كما كان يعبر عنه بخلقه الجم الرفيع، الكبيرَ بمضمونه ومستواه لأنه - يرحمه الله - كان دقيق الاختيار فيما يختاره، ثم يقدمه للطبع والتوزيع، فما طبع إلا ما كان موضع التقدير والإعجاب من قارئيه. |
ومن الجنوب، بل من درة الجنوب (جازان) قال رئيس النادي الأدبي بجازان الأستاذ حجاب الحازمي في رثائه لبعد العزيز الرفاعي منوهاً بـ "المكتبة الصغيرة": وأسهم بجهد وافر في تحريك الساحة الثقافية، منذ أسس ندوة الرفاعي الشهيرة، التي ظلت مهيعاً للأدباء والمثقفين من داخل الوطن وخارجه امتداداً إلى مكتبته "الكبيرة" وليست "الصغيرة" كما يسميها تواضعاً، والتي شمِلت ألواناً من فنون المعرفة، ولا زالت ومن خلال إسهامه الإبداعي، في مجال النثر الفني والشعر العربي الأصيل. |
نشر هذا الحديث في ملحق عكاظ الثقافي بالعدد رقم 9900 يوم الجمعة 24/3/1414هـ. |
وكتب معالي الدكتور عبد العزيز الخويطر في جريدة الجزيرة يوم 25/3/1414هـ مقالاً عنوانه "رحم الله الرفاعي" كانت كلماته تفيض حباً ومودة وذكرى حسنة، لرجل فاضل، يدعو الله أن يتغمده برحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وقد تحدث معاليه عن كثير من الجوانب الكريمة، التي يتحلى بها عبد العزيز الرفاعي عما قدمه لوطنه وأبناء وطنه ولأمته العربية والإسلامية ومن تلك المنجزات "المكتبة الصغيرة" حيث قال عنها: "لقد كان للسلسة التي أخذ يصدرها تباعاً منذ سنوات عن مواضيـع مهمـة، أو شخصية لها مكانتها في الفكر والمجتمع، ولم يترك عصراً من العصور دون أن يلم فيه، بما يفيد قارئ اليوم وكان له فضل - بعدَ الله - على بعض الحقول، وإخراج مكنون شعر عند أناس لا يحبون الأضواء، فأخرج فكرهم إلى دائرة الضوء بما لديه من قدرة على الإقناع ولحب هؤلاء له، وتقديرهم لرغبته، وإجلالهم لما يُبديه من حجج مقنعة. |
جمعوا له ثمار جهودهم، ونِتاج أقلامهم وأحلامهم، ليقدمها لقرائه وقرائهم، أطباقاً شهية في مائدة مكتبته الصغيرة وإنه وإن كان اسمها "المكتبة الصغيرة" لصغر حجم الكتاب فيها، إلا إنها أصبحت كبيرة، بما احتوته من مواضيع، وما وصلت إليه من أعداد، وهي شاهد حي على مساهمته الوطنية في الفكر في بلادنا. |
ولا شك فإن بيئة الرفاعي الحجازية، كانت متأثرة بنشاط القاهرة في كل أمر، ولذلك لم يكن غريباً أن يلتقط الرجل ذلك المشروع في مشروع شبيه، حين كان طالباً، هو وصديق عمره الراحل الأستاذ أحمد محمد جمال اللذان عملا على إصدار أدبي نسيت تفاصيل بدايته الآن". |
لكن مشروع المكتبة الصغيرة لم يكن وليد ساعته وإنما كان مترسباً في ذاكرته منذ سنين عندما كانت سلسلة "اقرأ" مدرسة الأجيال، والتي أشار إليها الأستاذ محمد رضا نصر الله في مقاله الذي رثى به عبد العزيز الرفاعي - رحمة الله - والمنشور بجريدة الرياض بتاريخ 2/4/1414هـ حيث قال: "وفي حديث حنون، راح الأستاذ الرفاعي يحدثني عن مشروعه "المكتبة الصغيرة" الذي كان ثمرة تأثره بلجنة التأليف والنشر، التي تبناها في القاهرة إبان فترتها الليبرالية محمد فريد أبو حديد وأحمد أمين وزكي نجيب محمود حيث طفقت عقول مصر تؤتي أكلها الفكرية والأدبية، وترجماتها للفلسفة والفنون عبر هذا المشروع. |
والأستاذ محمد رضا نصر الله يشير في الفقرة الأخيرة إلى لجنة التأليف والترجمة والنشر التي ألفها مجموعة من الشباب، كان منهم عبد العزيز الرفاعي مكونة من عشرة أشخاص، ثمانية من الشباب، ورجلان لهما مكانة في العلم والأدب، وهما الأستاذ الأديب الكبير "محمد سعيد العامودي" - رحمه الله - والشيخ "عبد الوهاب دهلوي" - رحمه الله - كان ذلك عام 1366هـ كما ذكره الأستاذ عبد العزيز الرفاعي في كتيبه "رحلتي مع التأليف" وقد أشار إلى ذلك أيضاً السيد محسن باروم في المقال الذي نشر بالأربعاء الأسبوعي بتاريخ 29/3/1414هـ تحت عنوان "50" عاماً من الإبداع والتألق جاء فيه "وهكذا فإن حب الأستاذ الرفاعي لمدينته الحبيبة مكة المكرمة، قد دفعه مع رفيق عمره، الأستاذ أحمد محمد جمال - رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته - إلى تأليف لجنة للتأليف والترجمة والنشر على غرار رصيفتها المصرية، منبثقة من مكتبة الثقافة، التي قام بإنشائها الأستاذ صالح محمد جمال ورفاقه الكرام، في مكة عام 1364هـ. |
ولم يكن عددهم ليفي الألف، فقد كانوا ثمانية، ولكنهم سدوا عجزهم بضم رجلين من خيار الرجال، كانوا يحبونهما ويكبرونهما، ويجدون فيهما الحدَب والتوجيه وأصالة الرأي، وهما الشيخ "عبد الوهاب دهلوي" وهو صاحب مكتبة كبيرة، واسع الإطلاع كريم النفس، والآخر هو الأستاذ الأديب الكبير (محمد سعيد العامودي) وهو يتميز بأدب النفس والعلم، وله ثقافة واسعة ومكتبة كبيرة، ونفس مشبعة بحب الخير، وكان أول ما اتجه إليه تفكيرنا، أن تصدر كتاباً لأحد كبار أدبائنا فصدرت قصة فكرة "للأستاذ أحمد السباعي". |
والقارئ يستطيع أن يستشف من الجملة الاعتراضية التي أثبتها عبد العزيز الرفاعي - رحمه الله- وهي "- وكان من بينهم من كان يجهده جداً دفع هذا المبلغ - إنما كان يعني بها نفسه، لأنه في تلك الفترة من حياته، كان يصارع الفقر، ويجاهد جهاد الأبطال، في سبيل التغلب على كل المصاعب، التي تقف في طريق تعليمه وثقافته، وتحقيق مآربه العلمية، مستمداً من عزيمته وطموحاته وجهده وتضحياته العونَ والسند والزاد. |
وقد سَمَّى أحد الساخرين هذه اللَّجنة "لجنة بلا هيلمة" حسداً منه إذ لم يكن أحد أعضائها، أو لأمر في نفسه على أحد من أعضائها، يبرز كراهيته له، إن علم بما يسره، لكن الذي يهم أن اللجنة بدأت بثمانية من الشباب ثم سعوا إلى ضم رجلين يستطيعان أن يمداهم بالمال والنصيحة والتوجيه فأصبح عدد أفراد اللجنة عشرة، وقد أشار عبد العزيز الرفاعي عندما أعادت دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع نشر كتاب "إعلام العلماء الأعلام ببناء المسجد الحرام" تأليف عبد الكريم بن محب الدين القطبي إلى سبب إنشاء هذه اللجنة في الصفحة الخامسة من الكتاب حيث قال: "كان من بين شباب مكة المكرمة في الستينات الهجرية مجموعة من اللدات تتقارب أعمارهم، أشربوا حب الأدب والكتب.. منهم من تجمعهم المدرسة أو البيوت أو العمل ولكن مركزاً في المسفلة على سفح جبل من مقهى باني يشرف على بساتين المسفلة ،كان كثيراً ما يضمهم جميعاً في العصاري .. يجتمعون مبدئياً في مكتبة الثقافة بباب السلام الصغير، ثم ينطلقون مشياً على الأقدام إلى مركزهم، وكانوا يقطعون الطريق الطويل بالحديث، وتبادل الرأي والأفكار. وكانت آراؤهم شابة مثلهم، فيها الحماس وفيها الخيال الواسع، وربما كان فيها شيء من التطرف، وربما كان فيها الكثير من الفطير. |
ورأى هؤلاء الشباب أن تكون لهم لَجنة للتأليف والترجمة والنشر، كما لمصر لجنة للتأليف والترجمة والنشر، كان يعمل فيها الأديب الراتب النشط أحمد أمين يرحمه الله، ورأى بعض أفراد المجموعة، أن يخرجوا فكرتهم فوراً قبل أن يقتلها التأني، فتذهب بها الأيام، فجمعوا مئة ريال من كل فرد منهم - وكان من بينهم من كان يجهده جداً دفع المبلغ - وذلك ليكونوا رأس مال قدره ألف ريال ينفذون فيه خطواتهم الأولى في نشر الكتاب المحلي، أو الكتاب الذي يخدم بلدهم "مكة المكرمة". |
وفي الصفحة التاسعة من الكتب ذاته، كانت أسماء رئيس وأعضاء لجنة التأليف والترجمة تحتل السطور الأولى من الصفحة، وكأنها تاج على رأسها، وهم درره وجواهره، إذ جاء فيها: في يوم 12/3/1366هـ كان أول اجتماع للجنة النشر العربية برئاسة الشيخ عبد الوهاب الدهلوي وعضوية كل من الأساتذة محمد سعيد العامودي وعبد الله فدا وصالح جمال وعبد الرزاق بليلة "ومنّا" أي أحمد محمد جمال وعبد العزيز الرفاعي، ومساهمة كل من الإخوة بكر قزاز وصدقة قزاز وحسن أشموني. |
وقد أعلنت اللجنة بجريدة أم القرى، وجريدة البلاد السعودية، عن فكرتها وهدفها ومنهاجها، ولا نريد أن نطيل في رسم ذلك بأكثر من أن نقول: إن الدافع لها إلى ذلك هو حبها لأن يكون للتأليف الحجازي ذكر وقدر - بين التآليف العربية في مصر وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين وسائر بلاد الإسلام والعروبة - وأن تُعينَ أصحابَ التآليفِ الأدبيةِ الخطيةِ المطمورةِ على إخراجها إلى النور. |
|