شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تَـمْهيـد
طلب مني المربي الكبير الأستاذ مصطفى عطار، قبل فترة من الزمن، بل بالأصح قبل أن يحزم معالي الشيخ عبد العزيز الرفاعي – رحمه الله – حقائبه للرحيل الأخير الذي استجاب به لنداء ربه لملاقاته، وأعظمْ بها من لقيا، طلب مني الأستاذ مصطفى في تلك الفترة، أن أحاولَ قدر استطاعتي أن أدون نبذاً مختصرات عنِ الندوة الخميسية، التي كان يقيمها الشيخ عبد العزيز - غفر الله له ذنوبه وأدخله واسع جناته - وكان يتولى إدارتها، فاعتذرت للأستاذ مصطفى لا استعلاء لأنني لا أملك مؤهلات هذا النمط من السلوك والذي يعتبر الغرور الأساس لمقوماته، ثم يأتي بعد ذلك الشعور بالنقص، وأنا بريء منهما براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. ولكنني نظرت في نفسي وفي بضاعتي، فوجدت أنني آخر من يفكر في القيام بهذا العمل العظيم، وألحَّ وأصررت على رفض المغامرة في عمل غير ضامن نجاحي فيه، لأنني لا أملك من مقومات العمل الناجح أو العمل الإبداعي غير النية الصادقة، والنية وإن كانت القاعدة الأولى في العمل، لكنها ليست بالضرورة كفيلة بتحقيق نجاح ذلك العمل، إذا لم تتوفر له قواعد أخرى تقوم عليها الأعمدة البناءة فنياً وعلمياً، لسلامة بناء العمل الإبداعي فرصيدي الثقافي والأدبي ضحل إذا قيس بالأرصدة الضخمة المتنوعة المثبتة في سجلات البنوك الأدبية والعلمية والثقافية، والمحفوظة في خزائنها، والتي يرجع إليها أصحابها متى شاؤوا يسحبون منها أقل بكثير مما يضيفون إليها، فهم في نظري أقدر على إبراز هذا العمل بالصورة المشرقة، التي تليق بصاحبه وهو بها جدير، لأن الإمكانات المتاحة والمتوفرة تمكنهم من الغوص في الأعماق، واستخراج اللآلىء التي لا يقدر على استخراجها إلا الغواصون المهرة، الذين يملكون وسائل الغوص ويجيدونه، ويعرفون مكامن محاره.
فقيل لي: إنه كان بك حفيّاً، وكنت لديه مرضِيّاً، وحللتَ من قلبه مكاناً عليّاً، يتحدثُ عنك بما ينم عن حبه لك، لدرجة أنه يضعك في حسبانه، في مقام ابنه الأكبر أو أخيه الأصغر، ومن حقه عليك أن تساهم في كتابة مذكرات موجزات عن الخميسية. فقلت لهم أما عن حبه لي فذلك ألمسه وأحس به في معاملته لي، وأما من حيث تفضيله لي على غيري فأعتقد أن في ذلك هضماً لحقه، لأنه لا يفرق بين أصحابه وأصفيائه، فهم جميعاً في دائرة حبه، كأسنان المشط، لا يمنح أحدهم مقداراً من الحب يفوق ما يمنحه لسواه، لذلك فهم شركاء في سكنى ذلك الحيز الصغير من جسده "قلبه" سبحانَ الله كيف اتسع ذلك القلب لهذه الجموع التي وفدت إليه من كل صوْب من الداخل والخارج من الدول العربية والإسلامية ومن الدول غير الإسلامية وسرعانَ ما يجد الواحد منزلته في ذلك القلب وقد أخذت زينتها لاستقباله وإحلاله مكرَّماً منعَّماً.
وبعد رحيلِه وانتقالهِ إلى جوارِ ربِه بعد أن ودّعناه بقلوبٍ مكلومة، وعيون دامعة، وأيد مشرئبة إلى السماء، وألسنة تلهج بالدعاء، تطلب له المغفرة والرضوان، وأن يسكنه فسيح الجنان، وأن يجعل الله قبره روضةً من رياض الجنة، وأن يذيقه برد عفوه، وأن يمحو خطاياه، ويكفر سيئاته، وبعد أن هدأت النفوس قليلاً، واستجمعت قواها، أثار بعضُ الإخوان الأحباب الذين يَعزُّ عليهم فراقهُ وغيابُه، والذين أحبوا أن يَبَرُّوه به بعد موته، بمثل برِّه بهم قبل موته، لأنه أحوجُ ما يكون إلى دعائهم وبِرّهم، فذلك من العمل الصالح، الذي خلفه لنفسه بعد موته، أشار أولئك الأخوة إلى أن يقومَ أحدهم بتأليف كتاب عنه يدرج فيه ما غاب عن الكثير من الناس، من مناقبه العظيمة، ومآثره الجمَّة، وأشاروا إليَّ بذلك مستسمنين ذا ورم، يحسبون القبة مزاراً وهي ملأى أحجاراً. ووجدتني أقع بين أمرين: أحلاهما مر، فالكتابة في حد ذاتها شيء جميل يساعد الذاكرة على تجديد نشاطها، ويفتح أمامها النوافذ لتطل على العالم، وتستكشف ما يَجِدُّ به، وهو أمر مرغوب محبوب، يُبقي ذكر الكاتب حياً على ألسنة القراء وفي أذهانهم.
ولقد سئل الأستاذ محمد حسين زيدان - رحمه الله - ذات مرة لم تكتب؟ فأجاب: لكيلا ينساني الناس. وإذا كانت الكتابة رسالة مكلف بها كل حامل قلم فإن الكتابة عن عبد العزيز الرفاعـي - رحمه الله - رسالة وشرف ووفاء بالنسبة لي على الأقل، لكن كيف أسمح لنفسي أن أحمل حقائبي فارغة، وألج ساحة يقف بها الفرسان مدجَّجِين بأسلحة التقنيةِ الحديثةِ في الثقافة والأدب والتأريخ والعلم يقارع بعضُهم بعضاً ويتزاحمونَ للفوز بقصَب السبقِ قد ملئت كِناناتهم ليس بالسهام، ولكن بالمحابر والأقلام، وعن أيمانهم وشمائلهم، كتب التراجم والأعلام، فوقفت طويلاً قبل أن أُعلن موافقتي على الالتزام بشرف هذه الرسالة وقلَّبت الأمور من كل جانب، ومحَّصْتُها يمنةً ويسرةً، مستمِداً ذلك من قول أبي الطيب المتنبي:
الرأيُ قبلَ شجاعةِ الشجعـانِ
هو أولٌ وهيَ المحـل الثانـي
فأرسيتُ سفينةَ تفكيري على شاطىء الموافقة، بعد أن تبين لي بوضوح، أن عدم موافقتي، قد يظن به من لا يعرف حقيقة أمري، أنني أتنصل عن الوفاء لمن علمني الوفاء، وفي ذلك نكوص عن مكارم الأخلاق، ولا يليق بشخص يزعم أنه يحرث بقلمه في رياض الأدب.
بعد أن استعنتُ بالله، وأعلنت موافقتي، وضعت نُصْبَ عيني أن تأليف كتاب عن عبد العزيز الرفاعي، ليس من السهولة إذا أخذنا في الاعتبار أن المدة التي حددت للانتهاء من طباعته، يجب ألا تتجاوز العام. رأيت أن أنحو منحى غير ما يسلكه غيري، في مثل هذه المواقف فاخترت أن أسـمي هذا المؤلـف بـ "عبد العزيز الرفاعي صور ومواقف" وذلك لأن الرجل الحق موقف، يفرِض على الآخرين أن يَقِفُوا أمامَه إكباراً واحتراماً، وهو في كل خطوة من خطوات عمره، يرسم صورة من الصور، التي تستحوذ على قلوب الذين لمَسوا فيه - منذ صغره - سماتِ الإنسان الصالح، الذي يخشى اللَّهَ في تصرفاته وسلوكياته، ويمد يده بالإحسان، لمن يعرف ومن لا يعرف، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وبدأت القيام بجمع الصور والمواقف، مستعيناً بالله - جل شأنه - أن يوفقني في إخراج هذا الكتاب، الذي أضعه اليوم بين يديك أيها القارىء، ليكون شمعةً من الوفاءِ في عصر أظلمت لياليه بالجحود والنكران، فإن وُفِّقتُ في مادته فذلك توفيقٌ من الله، وإن كان غير ذلك فإني أعترف بعجزي وضعفي، وهو جُهْد المُقلّ، الذي لا ناقةَ له ولا جمل في قوافل فحول الشعراء وعظماء الكتّاب والأدباء.
ولا أنسى أن أُعرِبَ عن بالغ شكري وتقديري، لمن وقف بجانبي يمدني بعونه ومساعدته، ويزودني بآرائه ونصائحه، التي كانت قناديل تنير طريقي في هذا النهج الذي سلكته، وهم كُثْر أكِلُ جزاءهم إلى الله سبحانه الذي تكفل بمجازاة من أحسن عملاً، خيراً كثيراً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1044  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 4 من 30
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.