بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ |
المقَـدّمَة |
بقَلمْ مَعاليْ الدكتورْ محَمَّدْ عَبْده يَمانيْ |
الحمد لله الكريم الذي علَّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، وأصلِّي وأسلِّم على المعلِّم الأول: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، خير من تعلَّم وأصدق من أعلم عن الله عز وجل. |
قال أهل الحكمة قديماً، إذا أردت أن تحيا بعد موتك فاعمل شيئاً يستحق أن يكتب عنه، أو فاكتب شيئاً يستحق أن يقرأ، وعبد العزيز الرفاعي رحمه الله من هؤلاء العاملين والكتاب الأفذاذ الذين تركوا تراثاً غنياً يبقيهم أحياء في نفوس كل من ينهل من علمهم وأدبهم، وكتب الكثير مما يستحق أن يقرأ، وإذا أراد الإنسان أن يصف الرفاعي رحمه الله فأقرب ما يوصف به أنه "أديب" كل ما فيه أديب، أديب إذا تحدث، أديب إذا كتب، أديب إذا ناقش، وأديب حتى إذا سكت. |
وقد طافت بذهني أحداث كثيرة، وتلاطمت المشاعر وأنا أحاول أن أكتب عن أخي وصديقي الرفاعي، عن أدبه الجم وسماحته في علاقاته بالآخرين كأنه يقول: |
أنا راضٍ بكل صنف من النـاس |
لئيماً أَلْفيتُه أو نبيلاً |
في فـؤادي لكل ضيف مكـانٌ |
إنْ يَكُ الضيف مؤنساً أو ثقيـلاً |
|
لقد اتسع قلبه لمحبة كل الناس، ولم أعهده يوماً شاكياً أو مشكواً منه، وكان الجميع يلجأ إليه للتوفيق والصلح بين المتباعدين من الأصدقاء، لأن الجميع يثق في صفاء نيته ونبل مقاصده، وطافت بذهني المقولة المعروفة: "دورة الأفلاك في أبراجها لا تبقي على ذي نعمة نعمة، ولا تديم عليه نقمة، فمن ولي منكم أمراً من أمور الناس، فلتكن همته تقليد المنن بأعناق الرجال". |
والرفاعي رحمه الله كان من أصحاب المروءات، احتضن الناس وعلى الأخص الشباب، وعلَّق في أعناقهم المنن العديدة، بتشجيعه الصادق، وإرشاده المخلص، ونقده البناء والبعيد عن الهوى، وهو قبل هذا رجل كريم متواضع معطاء، فهناك من الرجال من عاشوا والمال في قلوبهم، وآخرون كان المال في عقولهم، أما الرفاعي رحمه الله فكان المال في يده، ينفقه إنفاق من لا يخشى الفقر، يحرص على الخير، وكان من أولئك العباد الذين اختصهم الله بقضاء حوائج الناس، والذين نسأل الله جل شأنه أن يجعله ويجعلنا منهم فنكون جميعاً من الآمنين يوم القيامة. |
ومن ينظر في سيرة الراحل العزيز يجد أن من أهم الجوانب الإنسانية في شخصيته أنه كان ممن يألف الناس ويألفونه، يقبل بقلب صادق وروح عالية ونفس صافية على الآخرين، ويسعى إلى التعاون معهم، ووهبه الله جل وعلا قدرة كبيرة على الصفح والعفو والتجاوز عن هفوات الآخرين والتسامح معهم. |
كان عبد العزيز الرفاعي رجل نُبْل ووفاء وعطاء، عفَّ اللسان، طاهرَ اليد، زكيَّ النفس، يحب الإحسان ويسعى إليه، ويكره الإساءة وينفر منها، ولا يحب الظلم والمظالم، بل كان يسعى لعون كل ذي حاجة، ويمد له اليد في سخاء ونبل وإنسانية عالية، وكان رحمه الله رجل يجمع القلوب حوله بالتقدير والحب، وكان يتميز بالعفة والفضيلة والعفاف، وتواضع جم وأدب رفيع، يحب الحوار ويكره الجدل، وينفر من الضجيج ويحرص على ألاَّ يقول إلاَّ خيراً، ولا يعمل إلاَّ فضلاً، ولا يكتب إلاَّ أدباً، ولا يتعاطى الأذيَّة، جُبل على الكرم والإحسان وتميز بالعطاء. وكان رجلاً ينفر من النفاق، دائماً بشوش الوجه، كريم النفس، نبيل الخلق، أبرز خصائصه الخلق الحسن. |
لقد طالعت هذا الكتاب، ووجدت نفسي أعيش أجمل الذكريات مع الرفاعي رحمه الله، وأسترجع تلك الأيام والساعات التي عشناها من خلال أدبه وعلمه، وأشكر أخي الأستاذ الشاعر أحمد سالم باعطب على هذا الجهد الكبير الذي أضاف لنا معلومة جديدة عنه، وهي أنه باحث متمرس إضافة لكونه شاعراً موهوباً، فقد تتبع سيرة الرفاعي رحمه الله منذ ولادته، بل تعدَّى ذلك إلى تبريره العلمي والمنطقي لاسم البلدة التي ولد فيها، وجسَّد هذا الجهد وفاء أحمد سالم باعطب لشيوخه، وأشكره مرة أخرى لجمعه كل تلك المقالات والرشفات والقصائد الجميلة التي قيلت في الأستاذ عبد العزيز الرفاعي يرحمه الله، وجزى الله هذا الشاعر المتمكن الذي يأسر القلوب ويجتذب الأنظار بإلقائه الفريد والمتميز، عندما يلقي قصيدة من قصائده الرائعة التي تتميز بالأصالة والرصانة وسهولة التعبير وعمق المعاني. |
إني أتمنى أن يأخذ هذا الكتاب مكانته الجديرة به، ليس في المكتبة السعودية فحسب، بل في المكتبة العربية، وأن تُعنى به بصفة خاصة الجامعات وتقوم بتدريسه لأبنائنا وتتيحه للباحثين، فبين دفتيه قصة كفاح أحد أعمدة الأدب في بلادنا، وسيرة رجلاً من الأفذاذ الذين يزخر بهم وطننا ويفتخر بما حققوه من إنجازات. |
ورحم الله عبد العزيز الرفاعي وطيب ثراه، وجزاه الله خيراً، إذا رأيت الناس يذكرون رجلاً بخير فاعلم أنه رجل خير، ويكفي الرفاعي أنه لم يذكر إلاّ بالخير. |
رحمك الله أيها العزيز عبد العزيز، وبارك بما تركت ومن تركت، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. |
|
الدكتورْ محَـمَّدْ عَبْده يَمانيْ |
|
|