سُبُـل المعـالي فـي الأنـام صِعـابُ |
إن رُمْتَهـا مشيـاً فهـنّ عِقـابُ
(2)
|
فمن العـزائـم صُغْ جَنـاحيْ جـارحٍ |
كيمـا تطيـر لهـا وأنـت عُقـابُ |
فكـم اشتهـاها طـامحون فأَيْـأَسـتْ |
وسعـى إليهـا طـامعـون فخـابـوا |
ضَلُّـوا السبيـلَ وأخطؤوا منهـاجَهـا |
فـي سعيهـم، ولكل شـيء بـابُ |
كـم مـدَّ قوم للـرؤوس أكُفَّهـم |
فـأتـوا ومـلء أكفِّهـم أذنـابُ! |
ولكـل أمـرٍ عُـدّة مِـن دونهـا |
فَشَـلٌ، وخُسْـر الجـاهليـن عِقـابُ |
* * * |
مـا المـرء إلاَّ كـالشُّجَيْـرة، عـودُه |
يفنـى، وأمـا فعلـه فكتـابُ |
خـير الرُّثـاة لـه لسـانُ فَعَـالـه |
لا أدمـعٌ بـدم العيـون تُشـابُ |
* * * |
يـا فيصـلٌ، يا ابـن الحسيـن، ويا أبا |
غـازٍ، وأنـت السـامـع الأوّابُ |
لا أستهـلُّ بـك القريـضَ مؤبِّنـاً |
أبـداً، وليسـت أدمعـي تنسـابُ |
إنـي أُجلُّـك أن تكـون مؤبَّنـا |
إن المـؤبـن مَـن طـواه ذهـابُ |
آيـاتُ خُلـدك لـن تـزال جـديدة |
تنـدى بـلاغتُهـا، ولا مـرتـابُ!! |
أنَّـى لجـرح العُـرْب مثلَك ضـامـدٌ |
أو مثـلَ رأيك فـي الدُّجُـنِّ شِهـابُ! |
أو مثـلَ حِكْمتـك الرفيقة سـائـس |
أو مثلَ حُكمك فـي الأمـور صـوابُ؟ |
* * * |
أدركـتَ أن العُـرْب في خَطَرٍ غـدت |
مثـل القطيـع عَـدَتْ علـيه ذئـابُ |
يمشـي إليـها الهُـون وهـي كريمـة |
ويُـذيلهـا فـي دارهـا الأَوشـابُ
(3)
|
ففَجَـرْتَ بُـرْكان الصـدور بثـورةٍ |
وجَـرَتْ تُقِلُّـك للعـراك عِـرابُ |
وأَهَبْـتَ في وجـه الحُشـود منـاديـاً |
فانـزاح ظلـمٌ، وانتفـى بـك عـابُ |
حتـى أعدتَ كـرامـةً مهضـومـةً |
وتكسَّـرتْ مـن آكـلٍ أنيـابُ |
ورفعـتَ شـأنـاً للعروبـة مُنْشِئـاً |
مجـداً جديـداً حفَّـه الإعجـابُ |
* * * |
سُسْـتَ العـراقَ لهم سيـاسةَ حـاذقٍ |
لا يَحجُـب الأشيـاءَ عنـه حجـابُ |
طَـبٍّ يَـرُدُّ الخَـبَّ
(4)
أخيبَ كلمـا |
وَلَـجَ المكـائـدَ صـدّه بَوّابُ |
قُطْـرٌ رجعـتَ بـه رجـوعَ تقـدُّمٍ |
فسمـا، وقـد يُنسـي الغيـابَ إيـابُ |
فكـأنمـا عصـر الرشيـد محجَّـلاً |
بـَرَزَتْ بـه الآمـال وهـي شبـابُ |
فغـدتْ تَميس علـى جـوانبه العُـلا |
ويَفيـض منـه العلـمُ والآدابُ |
أدمجـتَ فيـه سيـاسـةً بكيـاسـةٍ |
وهْـي السيـاسـة كلهـا أبـوابُ!! |
مـا كلُّ مـن سـاس الأمور بسـائسٍ |
كَـلاَّ، ولا كـلُّ الميـاه عِـذابُ |
فمِـن السحـائـب رحمـة مَنثـورة |
بَـرَكـاتُها، ومـن السَّحـاب عَـذابُ |
ولقد صبـرتَ على الخُطوب ورُزْتَهـا
(5)
|
فكـأنمـا تلـك الخُطـوب خِطـابُ |
وثَبَـتْ عليـك النـائبـات، وإنهـا |
نَمِـرٌ علـى أعدائـه وثّـابُ |
قصـدَتْـك من كل الجهات كـأنهـا |
هُـوج الصـواعـقِ زَجَّهـنّ سَحـابُ |
تـرمـي عليـك شَـرَارَهـا فكأنمـا |
يلقـاه منـك متـى رَمَتْه عُبـابُ |
فجـواب مُدْمِيـة المصـائـب بَسْمـةٌ |
لا جـازعٌ منهـا ولا هيّـابُ |
فالقلـب منـك دمٌ يسيـل تحسُّـراً |
من وقعهـا، والوجه منـك شـرابُ!! |
* * * |
وعكستَ معنـى المُلْك في نظـر المَـلاَ |
حتـى غـدا والأمر فيـه عُجـابُ |
فـالمُلك معنـاه القديم لـدى الـورى |
بَذَخ وأُبَّهـة لهـا أطنـابُ |
أو راحـةٌ رَحْـراحةٌ مَعْسـولـة الأقـ |
ـداح، لا صـابٌ، ولا أَوْصـابُ
(6)
|
ما زلـتَ تسعـى جـاهداً ومُجاهـداً |
لـم تُلهـك الأحسـاب والأنسـابُ |
ذُدْتَ الكـرى مـن مقلتيـك بصـارم |
عَضْبٍ رهيـب نصلُـه الأهـدابُ |
حتـى قلبـتَ مـن الأنام ظنـونَهـم |
فـي اسـمٍ ومعنـىً لفظُـه خلاّبُ |
فاليـوم عندهـمُ المليـك مجـاهـد |
والمُلـك حشْـوُ حـروفـه أتعـابُ |
ذكـرتْكَ سُـوريَـةٌ فسـالت أدمعـاً |
وبكتـكَ أغـوارٌ بهـا وهضـابُ |
حنَّـتْ لعهـدك فاعتـرتْهـا هِـزّة |
وعـلا لـزَفْـرتهـا عليـه ضَبـاب |
عهـدٌ أدام بهـا الربيـعَ، وبَعـده |
عـمَّ البَـوار، وقبلـه الإِجـدابُ
(7)
|
عهـدٌ رَبَـتْ فيـه الحيـاة وأثمـرتْ |
فيـه الأمـاني، والْتقـى الأحبـابُ |
لـم يَهْنِهـا منـك اللقـاءُ وقد أتـى |
نعمـى، ولا ضـمَّ الحسـامَ قِـرابُ |
حتى رمـاهـا الـدهر منك بفـرقـةٍ |
وتقطَّعـتْ بـرجـائهـا الأسبـابُ |
تَعْطـو إليـك فتعتلـي حَسَـراتهـا |
لا راحـمٌ فيهـا ولا رآّبُ
(8)
|
عـاث الفرنسيس اللئـام بـأرضهـا |
واشتـدَّ فيهـا ظُفْـرُهـم والنـابُ |
فرضَـتْ عليـهـا الانتدابَ عصابـةُ |
المستعمريـن وسـادهـا الإرهـابُ |
حكمـتْ عليهـا بالخراب سـياسـة |
للظـالميـن، وحكمهـا غـلاّبُ |
فهـي اليتيمـة لا يُقَـرُّ بـرشـدهـا، |
ويُعـاب منهـا الحسْـنُ وهْي كَعَـابُ
(9)
|
* * * |
يـا صفـوةَ العَـرَب الـذي لمعتْ بـه |
غُـرُّ الصفـات كـأنهـا الزِّرْيـابُ
(10)
|
وبـدتْ بـه للنـاظريـن شمـائـلٌ |
ومـواهـبٌ، فتبـارك الوهـابُ!! |
أَودى بـك الإخلاصُ حيـن خطبتَـه |
ومـن المهـور مهـالـكٌ وتَبَـابُ
(11)
|
خيـر القـواتل للفتـى إخـلاصـه، |
هـذا الذي ازدانـت بـه الأحسـابُ |
عرفَـتْ بك العربُ الطريقَ وقـادهـا، |
مـن بعـد تِيهٍ، عزمُـك المِحْـرابُ |
خلّفـت فيهـم غـازيـاً فغَزَوْا بـه |
فَرَحَ العـدوّ، فلا هَنَـاه مُصـابُ |
فعزاؤهـم مـن وجـه نجلـك طلعـةٌ |
طَلَعـتْ، بهـا الآمـالُ والآرابُ |
ليـثٌ تلـوح عليه منـك مَخَـائـل |
ومنـاقـبٌ يسمـو بهـا الإنجـابُ
(12)
|
فلئـن أقـام اليـوم فَقـدُك مـأتمـاً |
فقد ازدهـى بالشبـل منـك الغـابُ |