شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبرة من أسى لا آسي له
صيّـرتِ فيهـا دمَهـا سمَّهـا
كأمّةٍ قـد خـانهـا النـائـب!!
توفيت زوجتي الأولى وطفاء بنت السيد أحمد فوزي الأميري في حلب في 13 من جمادى الأولى / 1362 للهجرة = 1942م إثر بثرة جرثومية (تسمى: الحمراء) خرجت في طرف أنفها وسَمَّمَتْ دمَها، وتورَّم وجهها في سبعة أيام، ولم ينفع طب ولا علاج، ولم يكن المضاد الحيوي (البينسلين) قد اكتشف، بل ظهر بعد سنتين من وفاتها رحمها الله.
وقد تركت لي ثلاثة أولاد أكبرهم ابن سبع، وصُغراهم بنت ثلاث. وكانت حاملاً في الشهر الثامن فذهب حملها معها.
كان ذلك صدمة نفسية عاطفية مفاجئة لي كادت نفسي تذوب كمداً تحت وطأتها وتأثيرها، فجاشت نفسي بهذه القصيدة الرثائية لها رحمهما الله، خلال أيام التعزية، ونُشرت إذ ذاك في مجلة التمدن الإسلامي التي تصدر في دمشق في العدد السادس من السنة التاسعة/ 1362هـ (1) .
بأي معنى نَعَب الناعبُ
وأيَّ وَتْرٍ أَدرك الطالبُ
وأيُّ محبـوبٍ هَـوى عنـدمـا
أَصْمـاه سهـمٌ للـردى صـائـبُ
يا مُـزْعـةً من كبِـدي شقَّهـا
مِخلـبُ ذيّـاك الـردى الخـالـبُ
وقطعـةً مـن مهجتـي عَـزَّنـي
وبَزَّنيهـا سـالـبٌ غـالـبُ
لا يـرحـم الضـارعَ مـن عُنْفـه
وهْـو على أهـدافـه لائـبُ
فـلا إذا استـأنيتَـه مُمْهِـل
ولا إذا استفـديتـَه راغـبُ
ويا صَـباً أَنْشَـقُ منـها الصِّبـا
يَحجـب عنـي نفحَهـا حـاجـبُ
يـومـي وليلـي وَمَـدٌ (2) بعـدهـا
كـأنـه مُصطَهَـرٌ لاهـبُ
ويـا شبـابـاً مُـورقـاً مُـونِقـا
ينهبـه مـن جـانبـي نـاهـبُ
ويـا ضيـاءً ينطفـي، فاستـوى
في ظُلمتـي الشـاهدُ والغـائـبُ!!
* * *
يا أختَ روحي، أيـن منـك انْطـوى
بالأمـس اُنْـسٌ مَـرِحٌ لاعـبُ؟
سبـعُ سنيـنٍ مـن حيـاةٍ لنـا
تُضْحـي كَـأَنّهـا حُلُـمٌ ذاهـبُ
تبلعهـا سبعُ ليـالٍ عَـدَتْ
سيطـرَ فيهـا داؤهـا النـاشـبُ
سبـعٌ سِمـان أكَلَتْهـا لنـا
سبـعٌ عِجـاف نـابُهـا قاضـبُ!!
كأننـي مـن بعـدهـا ضـائـع
فـي مَهْمَهٍ ليـس بـه صـاحـبُ
ولا إلـى المـاء بـه مـن هُـدًى
ولا مـن الإنْـس بـه سـاربُ
كـأنّ نـومـي بعـدهـا طـائـر
يُفْزعـه مـن مَضْجَعـي ضـاغـبُ (3)
فكلمـا حـام علـى مقلتـي
كأنما يَحْصُبه حاصبُ (4) !!
أنَّـى تـوجهـتُ وفـي خلْـوتـي
خيـالُهـا بـي طـائـف رازبُ
في صُـوَرٍ مـن ذكـريـاتٍ حلَتْ
أعقبنـي منهـا الأَسـى الناصـبُ
بانَتْ كأَنْ لم تك مخطوبةً
ولا كأني ذلك الخاطبُ
بلـى، ولكـنّ الـردى جـائـل
بفـأسـه لنـاره حـاطـبُ
قد استـوى لديـه مـن غَـرْسنـا
ناضِـرُه والـذابـل النـاضـبُ
سـاقَـتْ إليهـا حَتْفَهـا بَثْـرَةٌ
دون أذاهـا الطـاعـنُ الضـاربُ
فيهـا الـردى مختبئ كـامن
لا لادغٌ فيهـا ولا لاسـبُ (5)
* * *
إن أَنْـسَ لا أَنْسَ لهـا سـاعةً
يَذُوب تحنـانـاً لهـا الـراقـبُ
تلفـظ أنفـاساً علـى وجنتـي
وصَوْبُ دمعـي فـوقهـا سـاكـبُ
وقـد عـلاهـا منظـرٌ شـاحـب
يا بِـدَمـي منظـرُهـا الشـاحـبُ!
تُمْلي وداعـاً بيـن أيـدي الـردى
بنظـرةٍ قلبـي لهـا الكـاتـبُ
أَقْـرأُ فيهـا عهـدَ ودٍّ مضـى
كنُغْبـةٍ غَـصّ بهـا النـاغـبُ
حِيـالَهـا الآسـي غَـدَا واجمـاً
كـأنمـا الطـبُّ هـو النـاكـبُ
قد جَمَـدتْ أطـرافُهـا فـي يـدي
وقـد وهـى قلـبٌ لهـا واجـبُ
جَنِينُهـا فـي جـوفهـا خـابـط
فهل دَرَى أَنْ قـد أتـى السـائـبُ (6) ؟
بـات لـه قـابلـةٌ فـي الثـرى
مـا حـولَهـا أهلٌ ولا حـادِبُ
* * *
وطفاءُ، مـا هـذا الـوداعُ الـذي
عُجِّل لم يَحسـب لـه الحـاسب؟!
تركـتِ أطفالاً كـزُغْـب القَطـا
لـم تدر مـا الـذاهـب والآيِـبُ؟
يَسـأل عن (مـامـا) كبيـرٌ لهـم
وغيـرُه مـن فَقْـده نـاحـبُ
مـا كـان أَوْفـاكِ وأَصْفـى لنـا
بـوركَ منـك المحتِدُ الثـاقـبُ (7)
لله منـك الخلُـق المُـرتضـى
لا منـه لَـوَّامٌ ولا عـاتـبُ
* * *
يا بَثْـرةً، أحقـرَ شيءٍ يُـرى،
أيُّ عظيـمٍ بـأسُـك الـراعـبُ؟!
من ذا الـذي يـدري، وقـد جئتِهـا،
أنـك يـومـاً للـردَى قـالَـبُ!!
صيّـرتِ فيهـا دمَهـا سُمَّهـا
كـأُمَّـةٍ قـد خـانـها النـائـبُ!!
جرثـومـةٌ فـي فيـكِ مَنْهُـومـةٌ
ليسـتْ تُـرى، أم أَسَـدٌ واثـبُ؟!
مـا حيلتـي إن عَجَـزتْ عنـدنـا
عنـكِ الأطبـاء، ومـا قـاربـوا
أهكـذا جُنْـدُ المنـايـا، وإن
حَقُـرن، لـم ينـجُ لهـا هـاربُ؟
لـو ركـب البحـرَ إلـى مَلْجـأٍ
لكـان مـن أَجنـادهـا القـاربُ!!
أو نـزل الأرضَ إلـى مَخْبـأٍ
فكفُّهـا مخبـؤه الخـائـبُ
أو ألجـأ الظهـرَ إلـى حـارسٍ
فـذاك جـلاّد لهـا راتـبُ
كـلٌّ لهـا جُنْـدٌ إذا طـالبـتْ
فكـم قَضـى مـن مـائه الشـاربُ!
* * *
لا هُمَّ، مالي غير محـض الـرضـا
مـا أنـا صخّـاب ولا غـاضـبُ
لكـنْ أطـاش الحِلْـمَ رُزْءٌ دَهَـى
قـد هُـدَّ مـن رُكْنـي لـه جـانـبُ
إن نَفَثَتْ نفسـي بـآلامهـا
فـذاك مـا ضـاق بـه الـواعـبُ
أَودعـتُ وطفـاءَ وآمـالَهـا
لديـكَ يـا مَـرْجُـوُّ يـا تـائـبُ
بيـن يـديهـا شـافـع نـافـع
جنينُهـا، فهْـو لهـا عـاصـبُ
إن تُنْئِهـا عنـي بشَـرْخ الصبـا
فـإنمـا آخـذهـا الـواهـبُ
يـا ليتنـي اسطَعْـتُ فـداءً لهـا
أو ليـتَ أنـي عَـزَبٌ عـازبُ
حلب، في 16 من جمادى الأولى 1362هـ = 20/ 5/1943م.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :804  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 17 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثامن - في مرآة الشعر العربي - قصائد ألقيت في حفل التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج