نِعْم ما نوّلتِني من أَربي |
فوداعاً، يا حياة الطلَبِ |
لكِ ذكرى لذَّةٌ تعصف بي |
عرّفتني فعلَ بنت العنبِ |
* * * |
إن لي عندك عهداً: أنْ تفي |
لي بودّي، إنني ذاكِ الوفي |
لم أفارقْك فراقَ المكتفي |
لا، ولم أقطع حبالَ النَّسبِ |
كان منكِ طائري في قفصِ |
إن يُرد منك فراراً يُرْهَصِ
(1)
|
* * * |
يحتسي ماء النّهى في غَصَص |
وهو يرنو للفضاء الأرحبِ |
* * * |
ترتع الأطيار في الظلّ الظليلْ |
ناعماتٍ في صباح أو أَصيلْ |
وهو محروم بك الروض الجميلْ |
وأغاريد الصفا والطرَبِ |
* * * |
إيهِ، أصبحتَ طليقاً طائري، |
فارْمِ ذا الجوَّ بصقرٍ صاقرِ
(2)
|
ثم حلّقْ، واكتشفْ، وغامرِ |
ورِدِ الأنهارَ حرَّ المشربِ |
* * * |
عِشْ طليقاً في رُبى المستقبل |
واغتنم كلَّ ربيعٍ مُقبلِ |
واحذرِ الأقفاصَ لا تستجملِ |
قفصاً يوماً، ولو من ذهبِ!! |
* * * |
تلك نفسي، طائراً صوّرتُها |
وإلى أوج العلا طيّرتُها |
وبنور العلم قد نوّرتُها |
فبدتْ في أفقه كالكوكبِ |
* * * |
آه، نفسي كم أَجَنَّتْ وَصَبا |
وتعنَّتْ منه في رَيْق الصِّبا
(3)
|
قُصِرتْ كالحُور في جوف الخِبا |
وعن اللهو التهتْ بالدأَبِ |
* * * |
كلما جاء ربيع مُونِقُ |
لا ترى عوداً به لا يُورقُ |
غير عودي، فهو صادٍ مرهَق |
بِرَحَى الدرس، وفرْط اللَّغَبِ |
* * * |
تمرح الذشّبّانُ في ميدانها |
والهوى يلعب في أردانها |
وتُشادي الطيرَ في ريِضانها
(4)
|
وبساتيني سطورُ الكتُبِ |
* * * |
كلما قلتُ لقلبي: آبَكا
(5)
|
ما ترى من لذّة العمر؟ بكى |
وشكا لي فشجاني إذ شكا |
عشقَه بنتَ النُّهى والأدبِ |
* * * |
ليت شعري هل درى إذ عشقا |
ما يقاسي في الهوى مَن عَلِقا؟ |
كلما أوشك يطفو غرِقا |
منه في موجِ خضمٍّ لَجِبِ
(6)
|
* * * |
من غدا يا قلب، في مركبه |
عَصفتْ هُوجُ الأعاصير بهِ |
عَظُمت أهوالُه فانتبهِ |
لا كعشق الغانيات العُرُبِ
(7)
|
* * * |
فإذا ما كنت، حقاً، كَلِفا |
بالنهى، يا قلبُ، صبّاً مُدْنَفا |
فسَتشقى أو ستلقى تَلَفا |
من تباريح الجَوَى، فارتقبِ |
* * * |
وادَّرِعْ بالصبر في طول الطريقْ |
فهْو في درب العلا خير رفيقْ |
إنَّ مُرّ الصبر يغدو كالرحيق |
حين تخطى ببلوغ الأربِ |
* * * |
قد مضى شطر حياتي، وأنا |
أجتني العلم هنا، أو ههنا |
لم أزل صبّاً به مرتَهَنا |
ومآلُ الرهن أن يَغْلق بي
(8)
|
* * * |
إن خفا
(9)
برق بأرضي شاقني |
أو هفا بي ذكرها يعتاقني |
وهواها، راغماً، يستاقني |
فعَسى ينفعها مُنْقلَبي |
* * * |