بسْــــــــــــــم ِاللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ |
مُقَدّمَة صَاحِبْ الدِّيوَانْ |
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبد الله ورسوله، نبي الهدى، وقدوة من اهتدى واقتدى، الذي أوتي جوامع الكلم، وخير من جمع بين السيف والقلم، وعلى آله وصحبه البررة الذين حملوا رسالته إلى الأجيال بكل أمانة، من الراشدين الأولين الذي قامت بسيرتهم الحجة على كل منحرف من الآخرين، وعلى من تبع سَننهم، والتزم منهجهم. |
وبعد، فقد صاغني الله تعالى محباً للشعر، ولوعاً بحفظه وروايته وأنا في نعومة أظفاري، منذ أن شدوت القراءة والكتابة. وقد تولعت بقراءة القصص البطولية، مثل سيرة عنترة، وسيرة الأميرة ذات الهمة وابنها الأمير عبد الوهاب. |
وقد كنت، وأنا دون الثانية عشرة من عمري، أحفظ معظم شعر عنترة من سيرته التي قرأتها أكثر من مرة (قبل أن يجمع شعره في ديوانه الذي طبع فيما بعد)، وأستعذب ويطيب لي حفظ الغزل الأصيل الرقيق، وكذا شعر الحماسة البطولي، من مثل قول عنترة في عبلة: |
ولقد ذكرتكِ والرماحُ نواهل |
مني، وبِيضُ الهند تقطر من دمي |
فهويتُ تقبيلَ السيوف لأنها |
لمعت كبارق ثغرك المتبسم |
|
وقوله في قصيدته التي يتهدد بها الملك النعمان بن المنذر: |
ليَ النفوسُ، وللطير اللحومُ، وللوحْش العظامُ، وللخيّالة السلَب |
إن كنت تعلم يا نعمان أن يدي |
قصيرة عنك فالأيام تنقلب |
|
وقد كان والدي رحمه الله في سهراته مع أخوانه وأصدقائه يستنشدني ما أحفظ من شعر عنترة وغيره، فأقف وآخذ وضعية الشاعر نفسه حين ينشد، وأسمعهم من قول عنترة وغيره ما أحفظ من حماسياتهم مع التمثيل والإشارات المعبرة!! |
ثم استمر هذا الولع بعد أن كبرت قليلاً، وبدأت طلب العلم، فكنت أقضي الأوقات الطويلة مع والدي الذي كان ذواقة ولوعاً أيضاً بقراءة الشعر الجزل الأصيل المتين، ويطرب له وإن لم يكن يمارس النظم. وكم قضينا الليالي في مطالعة كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والحيوان للجاحظ والبيان والتبيين له أيضاً، ودواوين المتنبي والبحتري، والنابغة الذبياني، والخنساء مراثيها في أخيها صخر، وديواني سَقْط الزند واللزوميات لأبي العلاء المعري اللذين كان والدي يولعا بهما أشد الولع، إلى جانب ما حفظته قبل ذلك من الشعر الذي جاء في قصة ألف ليلة وليلة حين كنت أستأجر القصص من الوراقين وأطالعها. |
هذه الخلفية دفعتني، أول ما بدأت في طلب العلوم الشرعية، للتطلع إلى نظم الشعر، وإلى التعمق في اللغة واستيعابها قدر الإمكان، ومطالعة كتب الأدب الأصيلة، وأنا في السابعة عشرة من عمري تلميذ في الثانوية الشرعية بحلب (المدرسة الخسروية، نسبة إلى بانيها خسرو باشا من رجالات العهد العثماني) وذلك في أول العشرينيات من هذا القرن العشرين. |
ثم استمر هذا الولع عندي لما تقدمت بي السن أكثر، ودرست دروس الثانوية العامة، ودخلت الجامعة السورية ( كليتي الحقوق والآداب ). وقد كنت بدأت وأنا في المدرسة الشرعية أنظم بعض مقطوعات وطنية، إذ كان الاستعمار والاحتلال الفرنسي قد أناخ بكلكله على سورية ولبنان بعد الحرب العالمية الأولى بعد زوال العهد الفيصلي الذي لم يدم أكثر من سنتين ريثما تفاهم الحلفاء على اقتسام التركة العثمانية من البلاد العربية. |
ثم لما دخلت الجامعة السورية بدمشق في آخر العشرينيات وأول الثلاثينيات صرت أمارس قرض الشعر في مختلف المناسبات الوطنية والأخوانية وغيرهما. |
لم أكن أرتب وأنسق في ملف خاص ما كنت أنظمه من الشعر، فظل مبعثراً في مسوداته زمناً طويلاً، ثم اتخذت له دفتراً جمعت فيه بعض شتاته، وبقي غير مرتب ولا منسق. |
وأخيراً، بعد طول المدى وأنا في الرياض بالمملكة العربية السعودية، بعد أن تقاعدت من التدريس في جامعة دمشق ثم من الجامعة الأردنية في عمّان بسبب سني التي أصبح يشق فيها التدريس علي، تكرم الأخ الكريم الأستاذ عبد المقصود خوجه، فأقام لي حفلة تكريم في الأمسية الاثنينية التي يقيمها في قصره المعمور في جدّة، فاستنشدني الحضور بعض شعري، وبخاصة قصيدتي التي رثيت بها زوجتي الثانية التي رافقت حياتي بعد وفاة زوجتي الأولى. وعندئذ طلب إلي الأستاذ عبد المقصود أن أهتم بجمع أشعاري من قصائد ومقطوعات، وأرسلها إليه لينشرها في جملة ما ينشر من أعمال من يكرمهم في أمسيات اثنينيته. |
وهذا ما حفزني إلى الاهتمام بذلك، فكانت هذه المجموعة التي أقدمها الآن للقراء الكرام، لعل فيها ما يروق لهم قراءته. وبعضها قد استمليته من ذاكرتي لأن مسودته غائبة لا تصل إليها يدي. |
هذا، وإني أعتبر أن ما تيسر لي من الشعر، وأنا غريق في بحر الفقه (الذي انصرفت إليه وكان قدري) هو أمانة عندي يجب أن أؤديها إلى الشباب الناشئ من هذه الأمة، فتحبب إليهم التمكن في الأدب واللغة مهما كان اختصاصهم. |
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. |
|
|
غرة رمضان/ 1415هـ = 31/1/ 1995م |
|
|