شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رابعاً: دستور الأخلاق في القرآن/ د. محمد دراز
تدور الفكرة الأساسية للكتاب على الطابع العام للأخلاق الإسلامية منبثقة عن القرآن الكريم، ومقارنة تلك الأخلاق بالنظريات الأخلاقية من "أرسطو" و "أفلاطون" إلى "كانت" و "برجسون".
إذاً فليس الهدف من تأليف الكتاب هو البحث عن حقيقة "التوازن" وبيان أصالته في الفكر الإسلامي، بل جل الحديث يدور حول الأخلاق القرآنية نظرية وتطبيقاً.
لكن البحث الجاد، والتفكير العميق، والنظر الدقيق في التشريع الإسلامي، كل ذلك جعل الكاتب يكتب عن "التوازن" ويشرحه، وإن لم يسمه باسمه.
لقد أجاد الكاتب في شرح ما أعنيه "التوازن مع الموقف" بل إنني لا أغالي إذا قلت: إن الفكرة الأساسية للبحث هي إثبات أن الأخلاق الإسلامية التي تستمد أصولها من القرآن الكريم والسنة النبوية، هي أخلاق "تتوازن" مع الموقف دائماً، وهذا "التوازن" هو سمتها الأولى.
ومما جاء في البحث عن "التوازن مع الموقف" قوله عن الواجب الأخلاقي في القرآن "بيد أن شمول الواجب لا يعني امتداده إلى جميع الأفراد فحسب، ولكنه يستتبع كذلك تطبيقه على مختلف الظروف التي يمكن أن يوجد فيها فرد معين وهذا النوع من الشمول هو ما يطلق عليه اصطلاحا: "الضرورة المطلقة" ولسوف نرى فيما بعد أن هذا الوصف غير صالح لتطبيقه بدقة على فكرة الواجب القرآني، فالواجب -على ما قرره القرآن- لا يفرض على الإنسان إلا عندما يكون ممكناً، ولكنه ضروري بمعنى أنه لا ينبغي أن ينحني أمام حالاتنا الذاتية، ولا أمام مصالحنا الشخصية" (1) .
إن هذا القول ينطبق على ما أسميه "توازناً مع الموقف" أي أن أداء الواجب لا بد أن يتم بمقدار "يتوازن" فيه مع الواقع، أو مع إمكانية القيام به.
تحدث الكاتب أيضاً عن الإسراف في العمل وعواقبه الوخيمة على المسرف، فقال: "وملاحظة أخيرة... تلك هي أن الذي يخطىء بالإسراف في عمل معين ينتهي غالباً إلى أن يخطئ بالتقتير في نفس العمل، بل قد يعرض عنه إعراضاً نهائياً، ومثل هذا الإنسان في منطق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كمثل فارس منهمك في مضماره، فهو لا يلبث أن يرهق فرسه حتى يقتلها، دون أن يبلغ هدفه، "إن المنْبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى" (2) .
إن الحرص على "التوازن" أمر صعب وشاق، ويلزمه دوماً يقظة النفس، ومقياساً نلجأ إليه لنقيس به صحة "توازننا". وهذا ما نبه إليه الكاتب فقال: "وهناك مقياس تستطيع الضمائر الطاهرة أن تلمح به الحد الأعلى الذي يتحول عنده معنى فضيلة إلى نقيضها، حين تلحق الضرر بفضيلة أخرى" (3) .
أما تعريف الكاتب "للوسط" فينطبق أكثر ما ينطبق على تعريف "التوازن"، يقول عن تعريف الحد الوسط بين الخمود والجموح: "يجب أن تؤدي بهما إلى وضع وسط، بين الخمود والجموح، بيد أن هذا الوضع الوسط لا يمكن تخيله في صورة نقطة هندسية، تبتعد عن الطرفين بمسافة متساوية، ذلك أن الاختلاف البالغ في الظروف الفردية، والذي ينتج عن آلاف الأوضاع التي لا نملك السيطرة عليها – يوجب على العكس أن نتمثل المقياس العام في منطقة مركزية، تتردد هي الأخرى بين قطبين، يميلان تارة إلى جانب، وأخرى إلى جانب آخر، فيحتويان بهذه الصورة على درجات لا تنتهي" (4) إن شرح الكاتب "الوسط" على الوجه السابق، ينطبق تماماً على معنى "التوازن" -عند الباحثة- ولكنه عدل عن تسميته!.
وعند مقارنة الكاتب "الوسط العادل" عند "أرسطو" بـ "التوازن" في القرآن، أجده يقترب أكثر من فكرة "التوازن" بمفهومها الإسلامي لأنه يقول: "فلسنا نجد في كتاب الإسلام المقدس صيغة عامة توحد بين الفضيلة والعمل "المتوازن"، كالذي نجده لدى "أرسطو": (فالفضيلة إذن: هي نوع من التوسط، بما أن الهدف الذي نتوخاه هو نوع من "التوازن" بين طرفين، فالزيادة، والنقص يشيان بالرذيلة، على حين أن الوسط العادل يطبع الفضيلة). فماذا بقي بعدئذٍ للإحسان، والإخلاص والتضحية، تلك الفضائل التي لا تعد ولا تحسب، وهكذا يبدو لنا التعريف الأرسطي "مخطئاً" (5) .
ثم توصل الباحث إلى أن "التوازن" في الإسلام يختلف تماماً عن "الوسط العادل" عند "أرسطو" فقد عرّف الاعتدال بقوله: "إن الاعتدال الذي يمدحه الإسلام، يتعلق بدرجة الجهد، لا يتمثل في "الوسط الحسابي"، ولا في نقطة الذروة، وهما القولان اللذان يتردد بينهما الفكر الأرسطي. وإنما يتمثل الاعتدال: في نبل يقترب بقدر الإمكان من الكمال مقروناً بالسرور، وبالأمل وهو ما يعبر عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في توجيهاته إلى الرفق، ونحو ما هو عدل في ذاته: "إن الدينَ يُسر ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبَه، فسددوا وقاربوا وأبشروا" (6) .
هكذا وجدت الكاتب قد أدرك – عند مقارنته "دستور الأخلاق في القرآن" بالقوانين الوضعية – أن اختلاف القرآن عن تلك القوانين يكمن في قيام القرآن في تشريعاته الأخلاقية أو غيرها على قانون "التوازن"، وقد شرح ذلك "التوازن" شرحاً دقيقاً، ولكنه لم يطلق عليه مصطلح "التوازن" بل سماه مرة بـ "الضرورة المطلقة" وأخرى بـ "تناقضات الإلزام" وثالثة بـ "الوسط".
إن هذا البحث جهد قيم من الباحث، فيما يدور حول الأخلاق القرآنية، وعمل علمي جليل الأثر.
أما "التوازن" فقد أشار إليه ضمناً لكنه لم يصرح به مصطلحاً، كما فعل باحثون آخرون.
ومع ذلك فلا أخفي أن الباحث نفعني كثيراً بإلهامات وتوفيقات أعانتني فيما بعد على توضيح مفهوم "التوازن" في الإسلام، وتحديد ملامحه.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1451  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 7 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج