شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
2- التوازن في الصرف:
إن المتمعن في بنية كلمات اللغة العربية يجد أصوات الكلمات قد رتبت ترتيباً يُسهّل النطق بالكلمة. والمتكلم العادي ربما لا يلحظ أنه قد قام بعدة خطوات قبل نطق بعض الكلمات من حذف أو إعلال أو إدغام حتى خرجت هذه الكلمات بذلك اليسر. ولكن الدارس يعلم أنه من أجل نطق بعض الكلمات فلا بد من إجراء بعض التغيرات حتى يخرج الكلام سلساً متلائماً دون ثقل أو عسر.
وفي هذا المبحث لن أتعرض لهذه الإجراءات بالتفصيل، وإنما سأتناولها بطريقة العرض السريع الذي تكتمل به مادتي، ويعينني على ما أنا بصدده.
وأولى هذه الخطوات:
1-الإعلال:
فما هو؟ "الإعلال هو تغيير حرف العلة بقلبه أو حذفه أو إسكانه" (1) وقد جنح العرب إلى "الإعلال" طلباً للتخفيف في النطق، وهذا نوع من "التوازن الصوتي"، فقد يتعسر على اللسان النطق "بحرف العلة" إذا سبق بحركة معينة، لذلك يجري بعض التغيير إما بأن يقلب الحرف إلى حرف آخر نحو: "قائل وبائع" أصلها: "قاول وبايع"، أو حذفه مثل: "يد ودم" أصلها: "يدْي ودمي". أو إسكانه مثل: "يقول ويبيع" أصلها: "يقْوُل، يبْيِع".
ومن الأمثلة السابقة توصلت إلى أن "الإعلال" يلجأ إليه المتكلم لإحداث "توازن" ما في نطق أصوات الكلمة الواحدة وبدونه يعسر ويثقل على الإنسان النطق بالكلمة إلا بشيء من التكلف والتوعر.
يقول "ابن جني" مبيناً أهمية الإعلال: "ومن ذلك قولهم: إن "ياء" نحو "ميزان" و "ميعاد"، انقلبت عن "واو ساكنة" لثقل "الواو الساكنة" بعد "الكسرة"، وهذا الأمر لا لبس في معرفته، ولا شك في قوة "الكلفة" في النطق به. وكذلك قلب "ياء" "موسر" و "موقن" "واواً" لسكونها وانضمام ما قبلها. ولا توقف في ثقل "الياء الساكنة" بعد "الضمة"، لأن حالها في ذلك حال "الواو الساكنة" بعد "الكسرة" وهذا -كما تراه- أمر يدعو الحس إليه، ويحدو طلب الاستخفاف عليه. وإذا كانت الحال المأخوذ بها، المصير بالقياس إليها حسية طبيعية. فناهيك بها ولا معدل بك عنها، ومن ذلك قولهم في "سيّد"، و "ميت"، و "طويت طياً" و "شويت شيّاً": إن "الواو" قلبت "ياء" لوقوع "الياء الساكنة" قبلها في "سيد، وميت" ووقوع "الواو الساكنة" قبل "الياء" في "شيّا وطيّا" فهذا أمر هذه سبيله أيضاً، أترى إلى ثقل اللفظ "سيْود وميْوت وطوْياً وشوْياً" وإن "سيداً وميتاً وطياً وشياً" أخف على ألسنتهم من اجتماع "الياء والواو" مع "سكون" الأول منها" (2) .
وهكذا وجدت أن اللغة العربية مبنية على "توازن صوتي" دقيق وأن كل ما أخل بهذا "التوازن الصوتي" يعد عيباً في الكلمة، ولا يحسن استخدامها، بل تهمل، ويُعد من يستخدم مثل هذه الكلمات متكلفاً وقد يُعاب بسوء الذوق والحس.
كقول الشاعر:
قد كان قومك يزعمُونك سيداً
وإخال أنك سيّد معْيون
فكلمة "معْيون" فيها من التكلف ما فيها.
ب- الإدغام:
وهو: "الإتيان بحرفين ساكن فمتحرك، من مخرج واحد بلا فصل بينهما، بحيث يرتفع اللسان وينحط بهما دفعة واحدة" (3) ومثاله لام التعريف مع أحد الحروف الشمسية، وفي اللام الساكنة غيرها مع "الراء" نحو "بلْ رفعه الله". وفي "النون" الساكنة مع ستة حروف مجموعة في كلمة: "يرملون".
فما دام أن الحرفين من مخرج واحد صعب النطق بهما، لذا يقوم الناطق بعملية "الإدغام" تيسيراً له.
وقد نقل لنا "الخفاجي" القول في الإدغام وأنه لتيسير النطق، فحكى لنا قول الخليل بن أحمد فقال: "يقال إنه إذا بعد البعد الشديد كان بمنزلة الظفر، وإذا قرب القرب الشديد كان بمنزلة مشي المقيد، لأنه بمنزلة رفع اللسان وردّه إلى مكانه وكلاهما صعب على اللسان والسهولة في الاعتدال ولذلك وقع في الكلام الإدغام والإبدال" (4) .
ويفضي بي ما سبق إلى أن العرب كانت تدعو إلى "الاعتدال" في الكلام والاعتدال مطابق "للتوازن" – كما وضحت سابقاً.
ومما يقترب من الإدغام نوع يسميه "ابن جني" الإدغام الأصغر ويعرفه بقوله:
"الإدغام الأصغر: هو تقريب الحرف من الحرف، وإدناؤه من غير إدغام يكون هناك وهو ضروب: فمن ذلك "الإمالة" وإنما وقعت في الكلام لتقريب الصوت من الصوت. ومن ذلك أن تقع "فاء" افتعل "صاداً، أو ضاداً أو طاء أو ظاء" فتقلب لها "تاؤه" "طاء" وذلك نحو "اصطبر".
ومن ذلك أن تقع "فاء" افتعل "زاياً أو دالاً" فتقلب "تاؤه" لها "دالاً" كقولهم: "ازدان".
ومن ذلك أن تقع "السين" قبل الحرف المستعلي فتقرب منه بقلبها "صاداً" وذلك كقولهم في "سقت" "صقت".
ومن ذلك تقريب الصوت من الصوت مع حروف الحلق نحو "شعير، بعير" (5) .
ويعلل لنا "د. أحمد علم الدين الجندي" هذه الظاهرة بقوله:
"ويظهر أن السر في ميل العربية إلى هذا التقريب أو الانسجام أو المماثلة Assimilation وكلها أسماء متقاربة – أن اللغة نشأت شفوية – لم تقيد بقيود الكتابة، واكتفي فيها أول الأمر بالسماع أو النطق، ومتى اقتصر أمر اللغة على السماع وعلى النطق وعلى الإنشاء – فلا بد أن تُعنى كل العناية بهذا الانسجام أو التقريب الصوتي، الذي ظهر على كثير من أبواب العربية كالإدغام والإبدال، والإمالة والقوافي" (6) .
مما سبق توصلت إلى أن المحور الذي تقوم عليه بنية الكلمة في اللغة العربية، ومن خلاله يحكم عليها بالجمال أو القبح، بالخفة أو بالثقل هو مقدار "التوازن الصوتي" فيها، هذا "التوازن" الذي يحقق الانسجام بين الحروف بعضها مع بعض، ومن أجل الوصول إلى ذلك "التوازن الصوتي" يطرأ على الكلمة تغيرات عدة تسمى عند علماء الصرف: الإعلال والإبدال، والإدغام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1463  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 54 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج