شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ثالثاً- الجمال في المفهوم الإسلامي:
أ- الجمال في الصورة:
يقول "ابن الأثير" في لسان العرب: "الجمال يقع على الصور والمعاني" (1) وقد جاء القرآن الكريم بالمعنيين، فجاء الجمال فيه بما يقع على الصور كما جاء الجمال بما يخص المعاني.
فمن الآيات التي جاء الجمال فيها معبراً عن الصور قوله تعالى:
- وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (2) .
- إنَّا زَيَّنَّا السَّمآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (3) .
يقول سيد قطب في شرح الآية الأولى: "هذه اللفتة لها قيمتها في بيان نظرة القرآن ونظرة الإسلام للحياة. فالجمال عنصر أصيل في هذه النظرة. وليست النعمة هي مجرد تلبية الضرورات، من طعام وشراب وركوب، بل تلبية الأشواق الزائدة على الضرورات، تلبية حاسة الجمال ووجدان الفرح والشعور الإنساني المرتفع على ميل الحيوان وحاجة الحيوان" (4) .
ويقول في شرح الآية الثانية: "نظرة إلى السماء كافية لرؤية هذه الزينة، ولإدراك أن الجمال عنصر مقصود في بناء هذا الكون، وأن صنعة الصانع فيه بديعة التكوين، جميلة التنسيق، وأن الجمال فيه فطرة عميقة لا عرض سطحي، وأن تصميمه قائم على جمال التكوين كما هو قائم على كمال الوظيفة سواء بسواء فكل شيء فيه بقدر، وكل شيء فيه يؤدي وظيفته بدقة. وهو في مجموعه جميل" (5) .
إذاً فالجمال في الصور عنصر أصيل في صنعة الخالق ليلفت نظر الإنسان إلى أهمية ذلك الجمال. هذا بالنسبة إلى الجمال في الصور.
ب- الجمال في المعنى:
كثيراً ما توصف الأفعال والمعاني بالجمال في كلام العرب، وهناك مجموعة من الآيات القرآنية التي وصفت بعض المعاني بالجمال، ولكي أتعرف على المقصود من ذلك النوع عدت إلى "لسان العرب".
فوجدت: أجمل في طلب الشيء: أي اتأد واعتدل فلم يفرط (6) .
وعلى هذا المعنى يكون الجمال في الأفعال ملازم "للتوازن" فمصطلح "التوازن" هو -كما أتصور- المصطلح الوحيد الذي يؤدي هذا المعنى، لأن الاعتدال والإفراط هنا مرتبطان بالموقف. فما قد يوصم بالإفراط في موقف، يكون "متوازناً" في موقف آخر. والفعل الجميل هو الفعل المناسب للموقف دون زيادة أو نقصان بغض النظر عن الاعتدال أو الإفراط ما دام مناسباً للموقف.
قد جاءت آيات القرآن الكريم مستخدمة الجمال بهذا المعنى.
ومن ذلك قول الله تعالى:
- قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ المُسْتَعَانُ (7) .
- وَإِنَّ السَّاعَةَ لأَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (8) .
- فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (9) .
- واصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) .
فهذه الآيات جميعها تدعو إلى الجمال في التصرفات، وربما لا يجد الإنسان صعوبة في إدراك قيمة الجمال الحسي، أما أن يدرك قيمة الجمال المعنوي، وأن يلبسه جميع تصرفاته، فهو أمر لا يصل إليه إلا من ارتقت به أخلاقه إلى أعلى درجات السمو.
بعودة إلى الآيات السابقة نجد أن الله عز وجل أمر نبيه معلم البشرية، وقدوة العالمين بمجموعة أوامر، واشترط فيها: الجمال، فقال له بصيغة الأمر: "فاصفح الصفح الجميل" و "فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً" و "اهجرهم هجراً جميلاً".
ولو ذهبت أفسر المقصود "بالجميل" هنا لقلت: إن المقصود به الذي لا إفراط فيه.
فحتى يكون الصفح جميلاً يجب أن "يتوازن" مع الموقف، فمن المواقف ما يستوجب مجرد الصفح، ومنها ما يستوجب الصفح البالغ الحد، فإن تعادلت نوعية الصفح مع الموقف كان صفحاً جميلاً، وإن لم تتعادلا بأن كان الصفح ناقصاً عما يستأهل الموقف فيخرج بشكل بارد فاتر، أو كان زائداً عن الموقف فيخرج فيه بشكل التكلف والسرف، حينئذ يكون الصفح قبيحاً، ومثله: التسريح الجميل، والهجر الجميل.
وما مضى يدخل تحت أفعال الإنسان، إذاً فالمسلم مطالب بانتقاء الأفعال الجميلة دوماً إن في رضاه أو غضبه، أو في محبته أو كرهه أو غير ذلك من مناشط الحياة.
ولكي يكون فعله جميلاً يجب عليه "التوازن" دوماً مع الموقف. و "لأبي نصر الفارابي" رأي في الأفعال الجميلة يتفق مع ما ذهبت إليه، يقول: "ومتى زالت الأفعال عن الاعتدال واعتيدت لم يكن عنها خلق جميل، وزوالها عن الاعتدال المتوسط هو إما إلى الزيادة على ما ينبغي أو النقصان عما ينبغي" (11) .
وقد يظن البعض أن الاعتدال الذي قصده "الفارابي" هو لزوم الوسط، ومنعاً لهذا الفهم فقد بيّن "الفارابي" ما قصده بـ "الاعتدال" وضرب له مثالاً من صحة الإنسان، لذا فهو يقول: "كما أن التوسط فيما يكسب الصحة هو في كثرته وقلته، وشدّته وضعفه، طول زمانه وقصره، والزيادة والنقصان فيهما كذلك، فعلى هذا المثال الاعتدال في الأفعال هو في كثرتها وقلتها، وشدّتها وضعفها، وطول زمانها وقصره" (12) .
إذاً فالجمال في المفهوم الإسلامي صفة بارزة مطالب بها المسلم الذي يطلب الاستقامة على الصراط المستقيم، فإذا كانت الأفعال المعتدلة جميلة -كما قال الفارابي- وكان الاعتدال أو "التوازن" هو الصراط المستقيم – كما أثبت في الفصل السابق – صار الجمال إذاً أمراً هاماً معيناً على الاستقامة على الصراط المستقيم.
وفي إطار هذا المعنى للجمال، يكون الجمال في النص الأدبي مطلباً لا غنى عنه، والخروج عليه في أي مقوِّم من المقومات المتصلة بالمضمون أو الشكل خللاً وخروجاً على جمال النص.
فالاختلال في تكوين بنية الشكل وهندسته قبح. وحطْم الوزن العروضي في الشعر خلل وقبح.
وتهافت المعاني والصور وتعقيدها خلل وقبح وانحراف عن "التوازن" الذي يبعث الإحساس بالجمال.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :750  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 31 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج