شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
1- فمن "التوازن في الآية الواحدة:
أ- اَللهُ الَّذي أَنْزَلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ (1) .
- وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ اَلْمِيزَانَ* أَلاَّ تَطْغَوْا في المِيزَانِ (2) .
- وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيءٍ مَّوْزُونٍ (3) .
- فَاْستَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا (4) .
فالميزان المعنوي مقرون في الآيات بإنزال الكتب وبإرسال الرسل والله سبحانه هو الذي شرع هذا القانون، ثم كان الرمز إليه بالميزان تقريباً للعقول وخطاباً لمألوف الحس، مما يوحي بأن "التوازن" مبدأ تأسيسي في الكون، وأساس للمسلم يحميه من التحرف وعواقبه.
إن "التوازن" في الإسلام قيمة عامة مع كونه مطلباً ضرورياً، لأن الدين القيم هو الصراط المستقيم بما يعنيه من استواء واستقامة و "توازن".
ب- وأيضاً من الدعوة إلى "التوازن" في الآية الواحدة، الدعوة إلى عدم الإسراف في المباح لأنه إخلال بالتوازن، قال تعالى:
- يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوْا إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (5) .
- كُلُوا مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى (6) .
- وَكُلُواْ وَاْشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوا إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (7) .
- كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفينَ (8) ، وقوله: وَالَّذينَ إذَآ أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (9) .
يقول "سيد قطب" في تفسير الآية الأولى: "يا أيها الذين آمنوا إن مقتضى إيمانكم ألا تزاولوا – وأنتم بشر عبيد لله – خصائص الألوهية التي ينفرد بها الله. فليس لكم أن تحرموا ما أحل الله من الطيبات، وليس لكم أن تمتنعوا – على وجه التحريم – عن الأكل مما رزقكم الله حلالاً طيباً" (10) .
وفي تفسير آية "الأعراف" يقول: "أي لا تسرفوا في تحريم ما لم يحرم عليكم. والإسراف يكون بتجاوز الحد. كما يكون بتحريم الحلال، كلاهما تجاوز للحد، هذا باعتبار وذاك باعتبار" (11) .
أما آية "الأنعام" فإنها تشمل أموراً أخرى، قد يتبادر إلى ذهن المسلم قبول الإسراف فيها، أقصد باب الصدقة والبر، فالآية مكية وهي تدور حول نوع من الصدقة كان واجباً عليهم قبل فرض الزكاة لأن الزكاة فرضت بالمدينة. وقد اختتمت الآية بقوله وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ يقول في تفسير ذلك ابن كثير: "لا تسرفوا في الإعطاء فتعطوا فوق المعروف.. إنه نهى عن الإسراف في كل شيء، ولا شك أنه صحيح" (12) .
ويقول "سيد قطب" في تفسير آية الفرقان: "هم في حياتهم نموذج القصد والاعتدال، "التوازن"، وهذه سمة الإسلام التي يحققها في حياة الأفراد والجماعات، ويتجه إليها في التربية والتشريع، يقيم بناءه كله على "التوازن" والاعتدال...
فالمسلم مقيد بالتوسط في الأمرين، الإسراف والتقتير، فالإسراف مفسدة للنفس والمال والمجتمع، والتقتير مثله حبس للمال عن انتفاع صاحبه به، وانتفاع الجماعة من حوله، فالمال أداة اجتماعية لتحقيق خدمات اجتماعية، والإسراف والتقتير يحدثان اختلالاً في المحيط الاجتماعي والمجال الاقتصادي... والإسلام وهو ينظم هذا الجانب من الحياة يبدأ به من نفس الفرد فيجعل الاعتدال سمة من سمات الإيمان وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (13) ".
جـ- ومن الدعوة إلى "التوازن" في الآية الواحدة، الدعوة إلى "التوازن" في السراء والضراء، مثل قوله تعالى:
- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئوُسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (14) .
- وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (15) .
في الآية الأولى، حالة من أذاقه الله رحمته، ثم نزعها منه لحكمة فإذا هو شديد اليأس، كثير الكفران... وتلك حالة لا توازن فيها ولا توافق الطبيعة التي يجب أن يتجمل بها المسلم من الصبر، وفيها أيضاً حالة من أذيق نعمة بعد ضراء مسته فإذا هو تياه فخور. فاليأس الشديد بعد الرحمة التي نزعت، والفَخَار المسرف لنعمة حلت محل ضراء حالتان منحرفتان عن "التوازن" المنشود للشخصية المسلمة. والحالة التي يكون بها "التوازن" هي الصبر وعمل الصالحات.
وفي الآية الثانية حالة إنسان مسه الضر واشتد به فأكثر من التضرع لله، فلما كشفه الله عنه مرّ كأن لم يدع الله إلى ضر مسه. والآية الكريمة نفسها وصفت هذه الحالة بالإسراف ومن قارفها بالمسرف، والمسرف مختل فاقد "التوازن"، أما ما يرد هذه النفس إلى "توازنها" فهو شكر الله على كشف الضر عنها، وفي الحديث الشريف وصف صريح معجب لما تكون عليه نفس المؤمن في كلتا الحالتين: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" (16) .
د- ومن الدعوة إلى "التوازن" في الآية الواحدة، الدعوة إلى "التوازن" في الأمور كلها مثل قوله تعالى:
- وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفينَ * الَّذينَ يُفْسِدُونَ فيِ الأَرْضِِ وَلاَ يُصْلِحُونَ (17) .
- رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فىِ أَمْرِنَا (18) .
إن النهي في الآية الأولى موجه لقوم ثمود ألا يطيعوا أمر المسرفين، والمسرف كل من تجاوز حداً، لأن تجاوز الحد عدوان. والله لا يحب المعتدين، ثم وصف المسرفين على الإطلاق بأنهم مفسدون لا يصلحون هادمون لا يبنون. فإذا كان الإسراف بهذه الصفة من الشناعة – حق لنا أن نتصور فضيلة "التوازن".
وفي الآية الثانية: جعل الإسراف في الأمر في قرن واحد مع الذنوب المستحقة طلب الغفران من الله، ولا أكثر من هذا حضاً على كراهة الإسراف في جميع صوره، في فعل أو في قول إن لم يكن الإسراف في القول أخطر منه في الفعل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :889  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالله بلخير

[شاعر الأصالة.. والملاحم العربية والإسلامية: 1995]

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج