خَـــاتمَــــة |
توصلت بعد هذا العرض إلى النتائج التالية: |
1- أن التوازن هو المصطلح الدقيق الذي يعطينا معنى المقابلة والحركة والعدل، وهو مبدأ عام تأسيسي يشمل الكون كله مادياته ومعنوياته، وبه يتحقق انسجام النفس مع الكون والطبيعة، مع الماديات والمعنويات، وهو في الوقت ذاته قانون يشمل المسائل الفنية ولا سيما الأدب بأجناسه المختلفة. |
2- التوازن عند المسلمين يختلف عنه عند الإغريق، فالتوازن عند المسلمين منبثق عن العقيدة الإسلامية التي تدعو إلى التوازن في كل أمر، وتنهى عن الطغيان والإسراف، والتي تدعو الفرد إلى أن يعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً، ويعمل لآخرته كأنه يموت غداً وكأنما خاصية "التوازن" هي جزء من الشخصية العربية، التي قد تصاب ببعض التحرف على مر الزمن، وجاء الإسلام ليرد هذه الشخصية إلى توازنها الأصيل، كلما تحرفت ردتها تعاليمه إلى التوازن. |
وبناءً عليه فتطبيق معيار "التوازن" الجمالي على الأدب يمهد السبيل لإيجاد دراسات أدبية تسير في ظل منهج الإسلام وتصوره للكون وللحياة وهو تصور متكامل شامل جميع مناشط الحياة، وبهذا نضمن للأدب تجدده وواقعيته. |
3- علوم العربية؛ النقد، البلاغة، النحو، الصرف، اللغة، العروض – تشتمل أساساً على هذا المعيار، يجده من يلتمسه، يفتش عنه، فمرد الجمال أو القبح في العمل الفني عند العرب يقوم على أساس من توازن مقومات النص الفني بعضها ببعض وتحدثوا عن ذلك المعيار الجمالي في كتبهم تحت أسماء متعددة أشهرها الاعتدال. |
4- إن التوازن المطرد الذي ينبثق عنه البيان النبوي مرده ذلك "التوازن" الموجود في شخصيته (صلى الله عليه وسلم) خَلْقاً وخُلُقاً، ولا عجب في ذلك فقد كان خلقه القرآن، وقد أدبه ربه فأحسن تأديبه. |
ومن هنا فقرب الأديب من منهج الإسلام أو بعده عنه سينعكس بلا شك على أدبه استواءً وتوازناً وجمالاً أو خللاً وقبحاً. |
وإذا كان النقاد أو البلاغيون القدامى قد وضعوا لمصطلح التوازن أسماء كثيرة تدل على المقصود منه، فإنهم أيضاً قد وضعوا للخلل أسماء متعددة تدل على القبح غير كلمة الخلل. |
5- لقد كان منهج البيان النبوي في تكوين الشخصية الإسلامية في إطار الآداب الاجتماعية يعتمد الأسس الآتية: |
أ - الغاية من وراء كل الآداب الاجتماعية التي أشرت إليها هي: تقوية الشخصية الإسلامية بهذه الآداب، وتقويتها في طاعة الله فكل القيم التي وردت فيما سبق تخدم هذه القيمة وتعززها سواء ما كان بالحض عليها أو التنفير من ضدها. |
ب - يقوم هذا المنهج على "التوازن" الذي يعتمد القوة، ويحدث شعوراً بصحة المضمون وصحة الشكل وجمالهما. |
جـ- مما توسل به البيان النبوي إلى هذا المنهج الكلمة، فكانت الملاءمة تامة من حيث التطابق بين القيمة المتوازنة والبيان، أي أنه يعكس ملامح التوازن من حيث القوة والجمال. |
د - إن البيان النبوي جمع المتعة والفائدة في مزاج واحد، فمع أنه يدور على أحكام الشريعة في العقيدة والعبادات والآداب والمعاملة إلا أن الأداء الجميل المؤثر من السمات الملازمة له. |
6- أن النظر إلى الحديث النبوي بهذا المعيار يقدم زاداً وفيراً للأدب الإسلامي، باعتبار التوازن أحد مشخصاته، وبهذا يصير التوازن منهاجاً وملكة للأديب والناقد المسلم فلا ينحصر الأديب في شكل أدبي دون آخر، ولا ينحصر في الموضوع أو التجربة، ولا في الجملة الأدبية التي تناسب الشعور وتتوازن معه، بل يشمل ذلك جميعاً. |
فإن ظلت هذه السمة مرعية تجنبنا معها الغلو الذي ينتهي إلى ضعف الأدب ذاته إذا فشا فيه الإغراق، وإلى هلاك الإنسان وانحلال حضارته. |
والحمد لله رب العالمين |
و صلى الله على محمد |
وعلى آله وسلم أجمعين |
|