شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بسم الله الرحمن الرحيم
مقَدمَة النَاشر
سعدت خلال الآونة الأخيرة بإضاءة شمعة، أو إن شئت، بفتح كوة صغيرة تطل منها بعض الأعمال الأدبية من خلال إصدارات "كتاب الاثنينيه" كهمزة وصل بين المبدع والمتلقي في بعض مجالات الآداب والفنون.
فقد لاحظت أن بعض الأساتذة الأدباء يعزفون عن نشر أعمالهم، وهم من صفوة من عرفت من الرواد والشعراء، وكان لي معهم اتصالات أدت إلى تشريفي بنشر أعمالهم تحت مسمى "كتاب الاثنينيه" الذي انبثقت فكرته من أمسيات الاثنينيه التي دأبت على تكريم الرواد في مختلف المجالات، ونشر ما دار من أحاديث حول تكريمهم في سلسلة منفصلة هي سلسلة الاثنينيه، التي صدر منها حتى الآن ثمانية أجزاء، وستصدر بقية الأجزاء تباعاً إن شاء الله.
وبحمد الله تم نشر بعض الأعمال التي وجدت قبولاً طيباً عند المتلقي منها: كتاب "عبد الله بلخير شاعر الأصالة والملاحم العربية والإسلامية – للأستاذ محمود رداوي" و "ديوان الأربعون – للشاعر الأستاذ عبد السلام هاشم حافظ" و "ديوان عاصفة الصحراء – للشاعر الأستاذ محمود عارف" و "ديوان الأعمال الكاملة -3 أجزاء- لمعالي الأستاذ أحمد الشامي" و "ديوان حصاد الغربة – للشاعر العراقي الدكتور زاهد محمد زهدي" و "ديوانا قلبي على وطني وجرح باتساع الوطن – للشاعر العراقي الأستاذ يحيى السماوي".. و "ديوان الأعمال الكاملة للشاعر المهجري الأستاذ زكي قنصل" -تحت الطبع- والذي يمثل البقية الباقية من جيل شعراء المهجر الذين ملأوا الدنيا شعراً عذباً جميلاً منذ مطلع القرن التاسع عشر، واستمر عطاؤهم حتى كاد أن يتلاشى مع صوت الشاعر الأستاذ زكي قنصل.
وكما يلاحظ القارئ الكريم أنني قد حاولت من خلال هذه الإصدارات فتح كوة تطل منها بعض الأعمال، وليس غرضي النشر، إذ يوجد بحمد الله الجديرون بهذا الدور الكبير، ولكنها محاولة تصب في نهر الحب الذي ينتظم ساحتنا على هذا الجزء الحبيب من عالمنا العربي.
وأحسب أن من اطّلع على ما صدر من سلسلة "كتاب الاثنينيه" قد لاحظ أن كل من شارك بالكتابة هم من الرجال، ولم نتشرف بنشر إنتاج أي كاتبة أو أديبة، مما أثار تساؤلاً عند بعضهن عن سبب عدم انتشار الأدب النسائي عبر قناة جديدة تصب في نبع العطاء الأدبي، لذلك كان لا بد في هذه العجالة من توضيح وجهة النظر التي تقول أن ليس هناك أدب نسائي وآخر رجالي بعكس ما يراه البعض من وجود أدب خاص بالمرأة، ذلك أن الكلمة، والفكر، والأدب، والشعر، وكل ما يتعلق بالتعاطي المعرفي الثقافي لا يرتبط بجنس المبدع سواء كان ذكراً أو أنثى.. فكم من فكرة رائعة قد يستقيها المبدع من شخصية "أنثى" هي الملهمة بالنسبة له، وقد تكون الروح التي يبث من خلالها أفكاره، فهناك بالتأكيد التقاء ما أخذ طريقه قبل أن يظهر العمل الإبداعي للمتلقي.. هذا التلاقي قد يكون في طيات المجهول ولكنه الأتون أو البوتقة الحقيقية التي نضج عليها ذلك العمل وظهر إلى حيز الوجود، فمن الحيف أن نسميه أدباً رجالياً صرفاً بينما كانت الروح الملهمة له هي الأنثى.. وهذا موضوع لا أود الاستطراد فيه ضمن هذه العجالة.
لقد سعدت عندما علمت أن جامعة أم القرى بمكة المكرمة قد أوصت بطباعة رسالة الماجستير التي تقدمت بها الباحثة (غادة عبد العزيز الحوطي) بعنوان "التوازن معيار جمالي.. تنظير وتطبيق على الآداب الاجتماعية في البيان النبوي".. والتي أشرف عليها الأستاذ الدكتور محمود عبد ربه فياض.. ويشير هذا العنوان إلى أهمية الدراسة التي يطيب لـ "كتاب الاثنينيه" أن يضعها بين يدي القارئ الكريم.
كما أن هذه الأهمية قد زادت كون مؤلف الكتاب من الجنس اللطيف، بحيث تكون مشاركة طيبة في مسيرة "كتاب الاثنينيه" حتى لا يصر البعض على أنه يتحيز إلى تشجيع ودعم ما يسمونه بالأدب الرجالي دون إعطاء الفرصة للسيدات للمشاركة بما لديهن والمساهمة بعطائهن الفكري من خلال هذه الكوة الصغيرة.
وعندما وجدت هذا الكتاب الذي أوصت جامعة أم القرى بنشره كما أسلفت، لم أتردد في الاطلاع عليه بنظر ثاقب، ودراسة متأنية، فتأكد لي أن إدارة الجامعة قد أحسنت صنعاً بتوصيتها التي أصابت كَبِدَ الحقيقة، وسهلت لي مهمة اختيار كتاب مناسب يأخذ دوره في النشر ضمن هذه السلسلة.
لقد بذلت الباحثة جهداً كبيراً لإبراز فكرتها إلى حيز الوجود.. علماً بأن الفكرة في حد ذاتها لم تنبع من فراغ، كما أوضحت ذلك الكاتبة نفسها، ولكن من تقدم من علماء وباحثين لم ينفذوا إلى العمق الكافي لسبر غور "النظرية" ويخرجوا إلينا بالدُّرة الثمينة التي تلمستها الكاتبة، واستطاعت أن تزيل عنها ما علق بها من رؤية ضبابية، وأظهرتها بوضوح في شكل نظرية وتطبيق دقيق، وفقت إليه كل التوفيق، على الآداب الاجتماعية في الحديث النبوي الشريف، الذي هو أجمل الكلم وأصدق حديث وأدق تعبير بعد القرآن الكريم... فهو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
والفكرة في مستهلها كما سيتضح للقارئ الكريم تتلخص في أن "التوازن" هو المعيار الجمالي الأساسي الذي ينتظم الكون كله بمجراته، ونجومه، وأجرامه، وجماده، وحيوانه، وكل شيء خلقه الحق سبحانه وتعالى بقدر موزون والأرض مددناها * وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيءٍ موزونٍ، فكان خلق الكون بكل ما فيه بتوازن دقيق لا يطغى فيه جُرم على جُرم ولا تطغى فيه حركة على أخرى وهذا سر عظمة الكون، وسر جماله، إلى أن تقوم الساعة.. كما أن اختلال الموازين في الكون من علامات قيامها.. وقد خُلق الإنسان من عُنصري المادة والروح.. المادة بتوازنها بدون إرادة، والصحة دليل توازن الجسم، والسقم دليل اختلال هذا التوازن.. أما الروح فخلقها وأودع فيها قابلية التوازن، فإن توازنت سارت مع باقي الكون في تناسق بديع، وإن اختلت ونشزت كان هلاك الإنسان وقد صور ذلك القرآن الكريم أبدع تصوير يوضحه قول الحق سبحانه وتعالى: وَنَفْسٍ وما سوّاها * فألهمها فُجورَها وتقواها * قد أفلح من زكّاها* وقد خاب من دسّاها.
وقد ساقت الباحثة بصبر وتؤدة أقوال الأقدمين مبتدئة بمدارس أفلاطون وأرسطو حول مسألة (التوازن) وبينت اختلافهم عن المبادىء التي أوضحتها في الآداب الإسلامية المبنية على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، إذ إن التوازن عند الإغريق ينتهي إلى سكون هو الموت، وعند المسلمين ينتهي إلى معايشة للموقف، أي إلى حياة متجددة، وشتان بين الأمرين.
ثم توسعت في البحث لتؤكد أن (التوازن) هو دائماً وباستمرار تجاذبٌ بين قوتين دون أن تطغى إحداهما على الأخرى، بحيث يظل الوضع (التوازني) هو الأمثل في كل الحالات. ونجد هذا في مختلف مظاهر الكون الرحب فلا تطغى قوة أو حركة على أخرى، بل تتجاذبان حتى تصل المحصلة إلى مرحلة مُثْلى تكون هي مرحلة (التوازن) المنشود.. وقد ساقت المؤلفة أقوال كثير من الفلاسفة والكتاب السابقين والمعاصرين، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر في مجال الفكر الإسلامي وفي مجال الدراسات النقدية والأدبية: ابن القيم، وابن تيمية، والجاحظ، وقدامة بن جعفر، وحازم القرطاجني، وسيد قطب، وتوفيق الحكيم، ومحمد قطب، ود. زكي العشماوي، ومصطفى الرافعي، والأستاذ الدكتور محمود فياض.
وقد أبرزت الباحثة أن معظم ما جاء في آراء هؤلاء الأعلام حول (التوازن) قد جاء بصيغ قريبة مما توصلت إليه وإن كان في كثير من الأحيان يشار إليه بالاعتدال.. أو الوسطية.. الشيء الذي لا يعطي الدقة المثالية المطلوبة التي توختها الباحثة في تعبير (التوازن) بحيث يشمل أدق مراحل تشريح النص الأدبي الذي يجب أن يشمل الاهتمام بعنصري اللفظ والمعنى معاً لإثبات جمال النص بحيث لا يطغي جانب الشكل في النص على جانب المعنى، فتكون الألفاظ قيمة والصياغة سليمة ومحكمة، فإذا ما بحثت عن مضمون النص وجدته هَشّاَ عديم الفائدة.. وفي ذات الوقت لا يكون المعنى رائعاً والأسلوب ركيكاً مفككاً.. حتى إن المتلقي ينفر منه لعدم تناسقه مع المرحلة التي يعيشها.. أو الأذن التي يسمع بها.
وقد رأت الباحثة أن خير معين على استنباط المعاني التي يتمثل فيها (التوازن) باستمرار مضطرد هي الأحاديث النبوية الشريفة، واختارت بالذات الأحاديث التي تشمل على الآداب الاجتماعية لقربها من كل إنسان والتصاقها بحياته اليومية بشكل أو بآخر، سواء في المنزل أو الشارع أو العمل لأنها أمس التصاقاً بالأدب الذي هو مجال البحث، ومهما كانت طبيعة الشخص الذي يستمع إلى الحديث الشريف.. فإنه سيلاحظ أنه في قمة (التوازن) سواء من ناحية الشكل أو المحتوى، وبالتالي تكون الاستجابة الواعية والمدركة لهذا (النص) التوجيه النبوي الكريم الذي لا يخدش الذوق، ويرقى بالإنسان إلى مدارك الكمال وأعلى المستويات الأخلاقية التي تنهض بالتالي بالمجتمع بكافة فئاته حتى يكون خير أمة أخرجت للناس.. ولكن الوصول إلى قيمة (التوازن) في النص النبوي يحتاج إلى بصيرة مستحكمة، وخبرة لغوية رفيعة المستوى.
ومن نسيج هذه الأحاديث الفريدة يمكن وضع إطار عام يتم تطبيقه على جميع مصادر البيان والآداب والشعر بحيث يكون عنصر (التوازن) هو القيمة المثالية التي ينبغي على الجميع السعي إليها لتأطير العطاء الإنساني الفكري أو الأدبي على منوالها في (توازن)، أوضحت الأستاذة الباحثة مساراته المتعددة حتى تظل هذه السمة مرعية كما قالت لنتجنب معها الغلو الذي ينتهي إلى ضعف الأدب ذاته إذا فشا فيه الإغراق، وإلى هلاك الإنسان وانحلال حضارته.
ولا تخفى على فطنة القارىء الكريم المباحث المتعددة التي تطرقت إليها الكاتبة لإلقاء الضوء على بحثها القيم.. ولتوثيق الصلة بين ما توصلت إليه وما توصل إليه السابقون قبلها ولدعم المعيار الجمالي كان لا بد أن تبدأ بتأصيله من القرآن الكريم ثم الأدب الإغريقي والأوروبي وأخيراً الدراسات النقدية العربية.. جميع ذلك من خلال منهج مستحكم التكوين، شديد البنيان، حيث يؤدي كل مبحث إلى آخر في تسلسل يحفظ به (التوازن) الجمالي الذي من أجله قدمت هذه الدراسة في الأساس.. وكلها مباحث قيمة أدت في النهاية إلى دعم وتطوير الفكرة التي طرحتها الكاتبة للنهوض بالنص الأدبي شكلاً ومضموناً.
عَبْد المقصُود محمّد سَعيْد خوجَه
جدة: 3 محرم 1415هـ
12 حزيران 1994م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2350  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل