خَرَجَتْ والصَّبـاحُ يَفْتَـحُ للشمـسِ |
ذِراعيه ضاحِكاً جَذْلانا |
والهَزارُ اللَّعوب في مَهْرجان |
النورِ جَاثٍ يُسبّحُ الرّحمانا |
والنسيمُ الثرثار يَفْضَحُ سرَّ |
الزَّهْر آنا، ويَكتمُ السرَّ آنا |
غادَةٌ في لِحاظِها سَكِرَ السِّحْر |
وَغَنّى، ولَمْ يَزَلْ سَكْرانا |
وكساها الشَبابُ مِنْ حُلَل |
الحُسْنِ بُروداً تَماوَجَتْ ألْوانا |
رَوْعةٌ زادَها الحياءُ كمالاً |
وجَمالٌ يجلّ عَنْ أنْ يُدانَى |
خَرَجَتْ والرَّجاء يَحْدو خُطاها |
ومُناها تُغَالِبُ الأشْجانا |
هيَ في مَطلعِ الحياةِ ولكنْ |
ناصَبَتْها الخُطوبُ حَرْباً عَوانا |
سَلَبَتْها ذاك الحبيبَ الذي لَمْ |
يَعْشَقُ القَلْبُ مِثْلَه إنسانا |
كان في ليلها شعاعاً سنيًّا |
وتلاشى على الفضاء دخانا |
كان في أيْكها هَزاراً، ولمّا |
طَلَعَ الصُبْح غادَر الأفنانا |
كان دُنْيـا مِـنَ السعـادة والأنـس |
طَوَاها الذي طَوى الأبدانا |
كلُّ ذاك النَّعيمِ لَمْ يبْقَ منه |
غََيْر ذكْرى تُجَدِّدالأحزانا |
وبقايا ابتسامَة في مَطاويها |
يَؤُجُّ الأسَى لَظىً حَرّانا |
ووليدٌ يَلُجُّ في فَمه النُطْق |
ويَرْتدّ خائباً خَجْلانا |
إن يَجُعْ يَمْلأ الفَضاءَ بُكاءِ |
وإذا اقْتات هَزّه ألْحانا |
لُغَةٌ لا يجيدُها غَيْر مَنْ يَجْهَلُ |
فَنَّ الخِداع والدَّورَانا |
هو في الكوخ صورةٌ لأبيه |
رَسَمَتْه أسمى الأكفّ بَنانا |
أفَتَرضْىَ بأن يجوع ويَذْوي |
بُرْعُماً ناعِمَ الشَذَا ريّانا؟ |
هل هـيَ الشَمـسُ يَغْسِـل البَحْـرُ |
رجْلَيْها ويَلْهو بتبرْها وَلْهانا |
وابنةُ الكوخِ ما تَزال تُلاقي |
أيْنَما دارَ طَرفُها الخِذْلانا |
لَمْ تَجِدْ في الوَرَى كريماً |
يُوايسها وحُرّاً إليْـه تَشكـو الزَمانـا |
رنّةُ الفَلْس تَفْتَح السَمعَ لكنْ |
أَنّةُ البُؤْسِ تُوقر الآذانا |
يا لَفَقْـرِ النُفـوس إنْ سَيْطَـر المـالُ |
عليها، وأسْلَمَتْه العنانا |
كلُّ بابٍ دَقّتْه أطْلعَ ذِئباً |
كلُّ كفٍّ تَحوّلَتْ أُفعُوانا |
يا لَلُؤْم العَطاء إنْ فَحّت |
الشَهْوةُ فيه وسَنّتِ الأسْنانا |
* * * |
وتَمَشّى العَيـاء في جسْمهـا الواهـي |
وألغَى القُنوط فيه مكانا |
فتَرامَت تَئِنُّ مِنْ وَطأة الجوعِ |
وأضْحَى نَشيجُها هَذَيانا |
رَبِّ _ قالَتْ – لَقَدْ فَقَـدتُ صوابـي |
إنَّ في القَلْب للأسَى بُرْكانا |
رَبِّ ماذا جَنَيْتُ حتَّى أقاسي |
أنا وابني العَذاب والحرْمانا؟ |
أمِنَ العَـدْل أنْ نمـوتَ مـنَ الجـوع |
وكَلْبُ الغَنيّ يُسقَى لبانا؟ |
أمِنَ العَدْلِ أنْ نتوقَ إلى الطَمْرِ |
وهِرُّ الغَنيّ يُكسَى جُمانا؟ |
أنتَ أوْجَدتَنَـا مـنَ العَـدَم الأعْمـى |
فهَلاّ دَفَعْتَ عنّا الهَوانا؟ |
أنْتَ أسْلَمْتَ للسفينة نَفْسَيْنا |
فهَلاّ وَقْيتنا الطوفانا؟ |
رَبِّ ماذا أزقّ إنّ جاع طفْلي |
وهو فَرْخٌ لا يحسنُ الطَيرانا؟ |
آه لَوْ سَدّت المدامِعُ جُوعاً |
آهِ لَوْ يَرْضَعُ الوليدُ حَنانا |
رَبِ عَفْواً إذا مَدَدْتُ يميني |
لِحَرامٍ، ولَمْ أخَفْ دَيّانا |
رُبَّ ذَنْبٍ نُساقُ قَسْراً إليْه |
وجَنى نَسْتَبيحه عُمْيانا |
* * * |
نَشَرَ اللّيْلُ رايةَ الصَمْت إلاّ |
حَيْثُ ألْقَـتْ يـدُ الغِـنى العِصْيانـا |
فتفاوتْ بنتُ الشقاء وشَدّتْ |
نَحْو قَصْرٍ يُشامِخُ العُقبانا |
يَنْطِقُ العزُّ في مقاصِره الزُّرْقِ |
ويزهو بحُسْنه نَشْوانا |
قامَ فيه عُرْسٌ جَليلٌ عَزيزٌ |
لَمْ ترَ العَيْنُ مِثْلَه مَهْرجانا |
دَخَلَتْهُ كأنها خَطرةُ الشَكِّ |
بِنَفْسٍ مَمْلوءةٍ إيمانا |
تَذْكُرُ الطِفْلَ يسْتغيث فَتخْطو |
بثباتٍ لا يَرْهَب الحَدَثانا |
وتراءَى لها الفضيحةُ والسِجْن |
فَينْهار قَلْبُها خَفَقانا |
لَمْ تَزلْ هكذا إلى أنْ رآها |
حارسُ القَصْرِ تَدْخل البُستانا |
فانْتحى بالعَريس يهْمِس سِرًّا |
هَوّلتْه ظُنونُه ألْوانا |
قال يا سيِّدي رأيتُ لُصوصاً |
يتهادَوْن في الحَديقةِ جانا |
يَلْتظـي فـي عُيونهـم لَهَـبُ الشِّـر |
كمـا هِجْتَ بالعَصَا ثُعْبانا |
فاسْتًوى السيِّدُ النبيلُ المَفدَّى |
يَسْتَفِزّ الشُيوخَ والشُّبانا |
فإذا القَصْرُ بالسيوف مُحاطٌ |
وإذا الشاةُ تُوقظ الذُؤبانا |
وإذا القَيْدُ في يَدَيها وقاضي |
العَدْل يُملي قراره غَضبانا |
- قد تَجَرّأتِ يـا شَقيّـة أنْ تَسْطـي |
على أرفَعِ المنازلِ شأنا |
فاقْطَعوا كفَّها الأثيمة،إنّ |
العَدْل يَقْضـي بـأن نُشيـعَ الأمانـا |
هكذا حَقّقَ العَدالة قاضٍ |
لا يخونُ الضَمير والوِجْدانا |
هكذا اسْتأصَل الرذيلة راعِ |
يَلْبَس الخَزّ منْ دِماء الحَزانى |
* * * |
نُفِّذَ الحُكْم في الفَتاة فضَجّ |
القَوْمُ زَهْواً وزغرَدوا اسْتحسانا |
وتعالَى هُتافهم كعَزيف |
الجِنّ آناً وكالزَمازم آنا |
فالتقى في الفَضاء أنّاتُ طِفْلِ |
ماتَ في الكوخ جائعاً ظَمْآنا |