| بَعْدَ يَوْمَين تَبْلُغُ الستينا |
| يا لَعُمْرٍ مَضَى جِهاداً أمينا |
| لَمْ تُضِعْ منـهُ فـي السَفاسِـف يَوْمـاً |
| كَمْ أديبٍ أضاعَ عُمْراً ثَمينا |
| خَصَّكَ اللهُ بالنَباهة والذَّوْق |
| وأعْطَى الحُطامَ للجاهِلينا |
| لَسْتُ أعْـزو لكَ الكَمـالَ، ولكـنْ |
| أيُّ شأنٍ لَعَثْرةِ الرِجْل حينا |
| أسْكَرَتْ راحُك الزَّكِيَةُ روحي |
| فتَرَكْتُ الرَّحيقَ للخامِلينا |
| يا صَديقـي بَنَيْـتَ للضـادِ حِصْنـاً |
| سَوْفَ يَبْقـى علـى الزَّمـانِ حَصَينـا |
| وجَدَتْ فيكَ لَوْذَعياً أريباً |
| في الدَّواهي، وألْمَعياً رَزينا |
| لَمْ تُهادِنْ خُصومَها أو تُمالئْ |
| في هَواها الخَنافسَ العابِثينا |
| يا صَديقي أثرْتَ نارَ حَنيني |
| فَجَرى الدَمْـعُ مِـنْ عُيونـي سَخينـا |
| لَيْسَ مِنْ طَبْعيَ البُكاءُ ولكِنْ |
| كَيْفَ أبقَى سجـينَ جَفْنِـي سَجينـا؟ |
| صِلةُ الفِكْر بَيْنَنا والقَوافي |
| أيُّ قُرْبى أبْقَى وأنْقَى جَبينا؟ |
| لو تَجَنَّى على أديبٍ شَقيقي |
| لم يَجِدْ منَّيَ الشَقيقَ المُعينا |
| السياساتُ لِلزّوالِ، وَيبْقى |
| الحُبُّ والشِّعْرُ والعُروبةُ فينا |
| كَمْ جَنيْنا مِنَ المتاعب شَهْداً |
| رُبَّ شَوْكٍ يُجاورُ الياسَمينا |
| جَمَعتْنا عَقيدةٌ وافْتَرقْنا |
| طُرُقاً في الحياة لا يَلْتقينا |
| أنتَ بالأهلِ في الديار مُحاطٌ |
| وأنا في النَّوَى أقاسي الحَنينا |
| كلَّما زِدْتُ غُرْبةً زادَ شَوْقي |
| كَيْفَ أُرضي في الصَدْر شَوْقـاً دَفينـا؟ |
| لا جُذوري ولا فُروعي اسْتَقَرَّتْ |
| في مكانٍ.. فعِشْـتُ دهـري حَزينـا |
| ولدي في بلادهِ.. وأبوهُ |
| في بلادٍ يُعَدُّ فيها هَجينا |
| لم تُخالطْ بالمَنَّ زادي، ولكِنْ |
| نَظْرَةٌ تَجْرحُ الكرامةَ حينا |
| لا رَعَى اللهُ مَنْ يَعُقُّ تراباً |
| عاشَ في خَيْرهِ سِنينَ سنينا |
| غَيْرَ أني أبوسُهُ، وأُصلّي |
| لإلهي، ولو بَلَغْتُ المئينا |
| لُغَتي في مَسامعِ القَوْم لَغْوٌ |
| كَيْفَ يَغْـدو الجُمـانُ رَمْـلاً مُهينـا؟ |
| لغةُ الفِكْر والحَضارةِ كانتْ |
| يَوْمَ كان التاريخُ بَعْدُ جَنينا |
| وستَبْقَى حديقةً تَملأُ العَيْنَ |
| وَحقْلاً يَبُشُّ للطارقينا |
| أخَذَتْ حَفْنَةً وأَعْطَتْ كَثيراً |
| بُوركَ الغيثُ يشمَلُّ العالمينا |
| قد تموتُ اللُّغـاتُ إنْ هـي أَعْطَـتْ |
| بِيَسارٍ ولَمْ تَمُدَّ اليَمينا |
| جَهلَتْ نِعْمَةَ التَواصلِ "عادٌ" |
| فطَواها الزَّمانُ دُنيا ودِينا |
| كُنْتُ بَيْنَ الطيور نَسْراً ولكنْ |
| قَدَري أنْ أصيرَ في الزاحفينا |
| لَمْ تَهُنْ كبرياءُ نَفْسي ولكنْ |
| قَطَعَ الجِسْمُ رِحْلةَ السَبْعينا |
| أكلَتْ بَعْضيَ الليالي وَبعْضٌ |
| بَعْثَرَتْهُ غَلْواءُ في العِشْرينا |
| * * * |
| يا صديقـي رسالـةُ الشِعْـر تَقْضـي |
| أن نُنيرَ الطَريقَ للضَّائِعينا |
| قُلْ لصُهْيونَ قَدْ صَبَرْنا ولكِنْ |
| سَنُصَفَّي الحسابَ في تِشْرينا |
| لا نريدُ السلامَ لا عَدلَ فيه |
| وسَلاماً نُريدُهُ لا كَمينا |
| أسَدُ الشام ساهرٌ في شَراهُ |
| فاحْذَروهُ، ولا تَمسُّوا العَرينا |
| حَلَبَ المَجْد لَسْـتُ أنْسـى صِحابـاً |
| فَتحوا لي قُلوبَهمْ مُحْتَفينا |
| ضَفَروا مِنْ بَيانهم ليَ تاجاً |
| خالداً هاجَ غَيْرةَ الخالدينا |
| لَسْتُ مَنْ يُنْكرُ الجميلَ فقَلْبي |
| يَلْتَقي عنده الخَدينُ الخَدينا |
| لَمْ يَخُنْ ذِمةً ولَمْ يَكُ إلاَّ |
| بالصَدَاقاتِ والصَّديقِ ضَنينا |
| سَوْفَ أبْقـى علـى الـوَلاءِ وتَبْقَـى |
| حَلَبٌ عِنْدي المَلاذَ الأمينا |