جَمَعَتْ صِغَارَ الحيِّ عائلةً |
فكأنَّها أمٌ لهم وأبُ |
كُرَةٌ مُقَطّعَةٌ مُوَصّلَةٌ |
هيَ في عيون هُواتِها ذَهَبُ |
شُدَّتْ بخيطانٍ مُهَلْهَلةٍ |
يَبْدو عليها العَيُّ والتَعَبُ |
سَوْداءُ مِنْ وحَلٍ ومِنْ عَفَنٍ |
لونانِ: أصْليٌّ ومُكْتَسَبُ |
سُبْحان مَنْ أغْرَى الصغارَ بها |
فسَبَى النَواظِرَ ثَوْبُها القَشِبُ |
كانوا قُبيْل مَجيئها غُرَبا |
لا حَبْلَ يَجْمَعُهم ولا نَسَبُ |
يتقاتلون لريبةٍ عَرَضَتْ |
ولرُبَّما اقْتَتَلوا ولا سَبَبُ |
حتَّى إذا نَزَلَتْ بساحَتِهم |
تَحبُو إلى الأبْواب أو تَثِبُ |
وَتفِرُّ مِنْ عالٍ لِمُنْحَدَرٍ |
وتَكرُّ ثُمَّ تعودُ تَنْسَحِبُ |
وتَدُبُّ في الشُرفات واجِفَةً |
كاللَّصِ يُثْقِلُ خَطْوَه الرَهَبُ |
بشّتْ وجوهٌ وانْجَلَى غَمَمٌ |
وصَفَتْ قُلوبٌ وانْتَهى شَغَبُ |
وتَفاهَموا بإشارةٍ خَتَمَتْ |
حَرْبَ البَسوس وزالتِ الرَّيَبُ |
فإذا هُمُ حِزْبان، لا أثرٌ |
لِلْكَيْد بيْنَهمُ ولا غَضَبُ |
حِزْبـان، بل هُدْبـان، حـينَ شَكـا |
هُدْبٌ حَنَا لِشَكاته هُدُبُ |
يَعْلُو صياحُهمُ فتَحْسَبُهم |
سِرْباً مِنَ الأطيار يَحْتَرِبُ |
الحَرْبُ قائمةٌ ولا حَرَبٌ |
والنارُ لاظيَةٌ ولا حَطَبُ |
ولَقدْ يخونُ الحَظُ فارِسَهم |
ويكونُ للمتواكِل الغلَبُ |
إن فاتَهُم أدَبُ الكلام وَقدْ |
ثارَتْ حماسَتُهم فلا عَجَبُ |
الصَّمْتُ مَحْمُودٌ بمَوْضِعِهِ |
والهَجْوُ في ميقاتِه أدبُ |
* * * |
شاهَدْتُهم بالأمْسِ فاخْتَلَجَتْ |
روحي، وسَمّرَ خَطْوتي أرَبُ |
ورَجَعْتُ أدْراجي إلى زَمَنٍ |
نَبَتَتْ على طُرَقاتِه الشُّهُبُ |
أيامَ لا وَجلٌ يَسير على |
دَرْبي، ولا نَصَبٌ ولا وَصَبُ |
جِدُّ الحياة بمَذْهَبي عَبَثٌ |
وهُمومُها في شِرْعَتي لَعِبُ… |
وتَزاحَمَتْ صُوَرُ الطُّفولة في |
ذِهْني، وفاحَ النورُ والحَبَبُ |
الغُصَّةُ الوَلْهَى تُزوّقُها |
ويزيدُها التَحْنانُ والطَرَبُ |
وذَهَبْتُ أخْطُرُ في مراتِعِها |
وتُشَفُّ عَنْ آفاقها السُّحُبُ |
حتى إذا استَيْقَطْتُ مِنْ حُلُمي |
وتساقَطَتْ عَنْ ناظري الحُجُبُ |
ألْفَيْتُني كالطِفْلِ بَيْنَهُمُ |
أعْدو وأسْتَعْدي وأصْطَخِبُ |