لا أُهَنِيكَ، بَلْ أُهَنِىءُ نَفْسي |
أنْتَ سَيْفـي علـى الزَّمـان وتُرْسـي |
لَمْ يَقُمْ بيْنَنا جوارٌ، ولكنْ |
قامَ للحَـرْف ألـفُ عُـرْسٍ وعُـرْسِ |
تَتَدانى على التَنائي نُفوسٌ |
غَسَلَتْها السَّمـاءُ مِـنْ كـلِّ رِجْـسِ |
أنا لا أمْدحُ الغَنِّي لمالٍ |
بَيْنَ أيديه، بَلْ لعزّةِ نَفْس |
مالُ قـارونَ قَـدْ تَلاشَـى، وظلَـتْ |
مِلءَ سَمْـع الدُّهـور أخْبـارُ قـسِّ
(1)
|
يا أخـا الـرُوحِ والـوداد المُصَفَّـى |
لا تَلُمْني إذا الْتَفَتُّ لأمْسي |
قَدْ غَرسْنا فما عَلَيْنا إذا ما |
أفْلَتَ الطَـرْفُ مِـنْ حَنـينٍ لِغَـرْسِ؟ |
طِبْتَ رُوحاً وطـابَ شِعْـرُك، فامْـلأْ |
بقَوافيك – زادَك الله – كأسي |
لا تَسُمْني شِعْر "الحَداثة" إنِّي |
أتّقي أنْ أبيعَ مَجْدي بفَلْسِ |
لَيْسَ للشِّعْرِ قيمةٌ إنْ تَخَفّى |
وَتَعْصَّى، وباتَ مَوْضعَ حَدْسِ |
كلُّ ما خالفَ الفَصاحةَ عَيٌّ |
شَطَّتِ الدَرْبُ بَـيْنَ لُسْـنٍ وخُـرْسِ |
السخافاتُ للزَّوال… وتَبْقَى |
للهَوَى أَيْكَةٌ، وللحُكْم كُرْسي |
لا يداوِي طَلاسمَ الفِكْر نَطْسٌ |
إنه شامسٌ على كل نَطْس |
كلُّ ما هذَّبَ النُفـوسَ علـى عَيْـني |
ورأْسي، بَـلْ ألْـفُ عَيْـني ورَأْسـي، |
قَدْ حَسَوْتُ الرَّحيقَ مِنْ كوثر "الضَّـاد" |
وأشْبَعْتُ مِنْ مَجانيك ضِرْسي |
مزّقَتْ خَيْمتي الرِّياحُ، فدَعْني |
أتَّقي وطْأةَ الشِّتاء بشَمْسِ |
وحْدَةُ العُرْبِ قِبْلتي – مُنْذُ فتّحْتُ عُيوني على الحَياة – وقُدْسِي |
أنا في غُرْبتي أُصارعُ شَوْقاً |
شَرِساً يَسْتَحِثُّ خَطْوي لِرَمْسي |
كُنْتُ فَرْعاً وصِـرْتُ جَذْعـاً فمـاذا |
إنْ بَكَيْـتُ الصِّبـا بِـدَمْعـةِ يـأسِ؟ |
ويْحَ ناءٍ يَحِنُّ للأهْل مَهْما |
قِيلَ (كـرُّ النَّهـار واللَّيْـل يُنسـي) |
إنَّه في ملاذِهِ أجْنَبيٌّ |
يَتَلَوّى على مَراجل بُؤسِ |
كلما الْتامَ جُرْحُهُ نَكأتْهُ |
نَفْحَةٌ مِنْ عَبير "تلّةِ قوس"
(2)
|
* * * |
يا أخـا الشِّعْـر مـا تأسِّيْـتُ لـولا |
أنَّ لي مِنْكَ داعياً للتَأسِّي |
صُغْتَ للضادِ مِنْ بيانك تاجاً |
مِنْ جُمانٍ، وحُلّةً مِنْ دِمَقْس |
وتَغَنّيتَ بالعُروبة لمّا |
كان ذِكْـرُ اسْمِهـا طريقـاً لِحَبْـس |
لُغَةُ المَرْءِ عِرْضُهُ، فإذا لَمْ |
يَحْمِها فهْـوَ فـي الحَضيض الأخَـسِّ |
كـَمْ تَعَرَّضْـتَ للأذَى كَـيْ تَقيهـا |
مِنْ أَذَى واغلٍ على العُـرْب، نَكْـس |
هِمْتَ في حُبِّها كقيْسٍ بلَيْلى |
فَتَرحّمْ مَعي على قَبْرِ قَيْسِ! |
* * * |
يا أخا الـروح جاءني منـك بالأمـس |
"عَصيرُ الحرمانِ" يَبْعَثُ أُنسي |
فشَجَتْني منه أغاريدُ تَزْهُو |
في بيَانٍ غَضِّ الأناقة سَلْسِ |
رَقَصَتْ في سُطورِهِ رُوحُ "شَوْقي" |
وَتعالَتْ صَيْحاتُ فارسِ عَبْسِ |
آيةُ الشِّعْر أنْ يكونَ جَناحاً |
لِضَعيفٍ واهي الجناحَيْن مَنْسي |
وسلاحاً يَحْمي كرامة عُرْبٍ |
دونَ أنْ يَستبيحَ حُرْمةَ فُرسي |
كَيْفَ أُزْجي لك الثنَا ولِساني |
نِصْفُهُ أبْكَمٌ، ونِصْفٌ فَرَنْسي |
لَكَ قَلْبي… وكلّما دَقَّ فاعْلَمْ |
أنَّني قادِمٌ إلَيْك بنَفْسي! |