لا تَلُمْه إذَا بَكَى وتألم |
فَهْوَ شَيْـخٌ دامـي الحُشاشَـة مُعْـدَمْ |
يَتَهادَى عَيَّان كالطَلَل البالي - |
إذا هزّهُ النَّسيم تَهَدّمْ |
ليس في رأسِه سِوَى شَعَراتٍ |
ناصِعاتٍ ضَحِكْنَ حينَ تَجهَّمْ |
فَهْوَ للضَعْفِ والهُزال مِثالٌ |
ولِضَنْك الحياةِ رَمْزٌ مُجسّمْ |
ناصَبَتْه العَداء دُنياه ظُلْماً |
آهِ ما أصْعَبَ العِداء وأظْلَمْ |
لَمْ تجرّعْه غَيْرَ كأس البَلايا |
فكأن الهَنَا عَلَيْه مُحَرّمْ |
طَافَ في الناس سائلاً ما يَرُدّ |
الموتَ عَنْـه، فخـابَ في مـا تَوهَّـمْ |
طَرَدوه وأشْبعوه مَلاماً |
لَيْت كان الملامُ خُبْزاً وبَلْسَمْ |
وتناسَوا أن الفَقيرَ أخوهُم |
غَوْثُه واجبٌ عليهم مُحْتَمْ |
فارْتَمَى خائرَ العَزيمة يَبْكي |
بدُموعٍ تكادُ أنْ تَتَضَرَّمْ |
وتمنَّى الحِمامَ هَجْراً لِعَيْشٍ |
صُبْحُه ظُلْمةٌ وحُلْواه عَلْقَمْ |
* * * |
فَدَنا كَلْبُه إليه برِفْقٍ |
وعلى وَجْهِهِ سؤالٌ تَبهّم |
أتُراه استدلّ مِنْ نَظْرَتَيْه |
أنَّ في قَلْبِه المْحَطَّم مَأْتمْ |
وترامَى في حُضْنِه بدَلالٍ |
وهْوَ لَوْ يَستطيع كانَ تَكَلَّمْ |
فتلاشَى عَـنْ مُهْجَـةِ الشيـخ ليَـلٌ |
وانْجَلَتْ غُصّةٌ وأشْرَق مِبْسَمْ |
وانْثَنَى يَضْرِبُ الرَبابَ ويَشْدو |
برَجاءٍ كبُلْبُلٍ يَتَرَنَّمْ |
واسْتَوى الكَلْبُ قُرْبَه يَتَمَلَّى |
نَغَماتٍ تقولُ ما ليسَ يُفْهمْ |
لَيسَ يَدْري – ورُبَّما كـان يَـدْري - |
أنَّها جُرْحُ قَلْبِه يَتَنَغَّمْ |
* * * |
أيُّها المُعْرض النَواظِر كِبْراً |
عَنْ فَقير مُشَرَّدِ يَتَأَلَّمْ |
كُنْ كهذا القَلْـبِ الصَّغـير شُعـوراً |
وتَعَلَّمْ مِنْه الوَفاءَ، تَعَلَّمْ! |