قَبْلَ أنْ ألْتَقي بها وأراها |
كان قَلْبي يَحومُ فَوْقَ حِماها |
لَمْ أكُنْ أعْرِفُ اسْمَها، غَيْرَ أني |
كُنْتُ أشْتَمُّ في النَّسيم شَذاها |
أتَمَلّى في الزَهْر صُورة عَيْنَيْها - |
وفي النَّهْرِ ضِحْكَها وبُكاها |
وإذا غَنّتِ الطُيورُ تَراءتْ |
آيةً بَعْدَ آيةٍ في صَداها |
وإذا اسْتَرْعَتْ الثِّمارُ عُيوني |
هَزّني واسْتَفزّني نَهْداها |
وكأنِّي أعُلُّ مِنْ شَفَتَيْها |
خَمْرةً تَسْلُبُ النُّهى رَيّاها |
مُنْذُ ألْفٍ مِنَ السنينِ وألفٍ |
كُنْتُ أرْعَى في المـَرْج مَعْهـا الشياهـا |
كُنْتُ طِفْـلاً، وطِفْلـةً هِـيَ كانـت |
هـَلْ رأيـتَ الأطفـال ما أحْلاهـا؟ |
لا أخوها عَيْنٌ عَلَيْنا رَقيبٌ |
نَتَّقيه، ولا نخاف أباها |
نَتَبَارَى في العَدْوِ حيناً وحيناً |
تَتَباهى عَلَيَّ أو أتَباهَى |
ثُمّ شَبَتْ كما شَبَبْتُ فصرْنا |
نَتلاقَى خواطراً وشِفاها |
مَنَعوها عنِّي.. فهَلْ مَنَعوها |
في المنامات أنْ أقبّل فاها؟ |
وهَلِ استأصَلوا الهَوَى مِـنْ ضُلوعـي |
أوْ محَاها مَن ادّعى أنْ حمَاها؟ |
وهَلْ استأسَرُوا النَّائم كَيْلا |
أنْتَشي مِنْ عَبيرها ونَداها؟ |
ثمَّ حطَّتْ بها الرياحُ بَعيداً |
فَبَكَتْها روحي وطارَتْ وَراها |
فرّقَ الدَّهْرُ بيننا غَيْرَ أنّ - |
البُعْدَ قَوَّى مِـنْ عَزْمنـا مـا تَواهـى |
لَمْ أبُحْ باسْمِها لِغَيْر ضميري |
أوْ أَرَحّبْ بالمَوْتِ إلاّ فِداها |
قَد شَأتْ جيلَها جَمالاً وذَوْقاً |
وذَكاءً… ولا أرَى مَنْ شآها |
وطَغى نورُها فيا شَمْسُ غيبي |
أنْتُما تَوْأمٌ، فيَكفي سَناها |
كلُّ حَسْناءَ تَجْتَني مِنْ شَذاها |
كلُّ هَيْفاءَ تَجْتَدي مِنْ بَهاها |
مُتُّ وَجْداً بها وماتَت حَنينا |
وَيْحَ بَعْض القُلوب ما أقساها |
والْتَقَينا مِنْ بَعْدِ ألفٍ، فعادوا |
كالجَواسيس يَقْتَفون خُطاها |
أوْصَدوا دونَها المنَافِذَ حتَّى |
أعْجَزوا النورَ أنْ يزورَ خِباها |
وأقاموا مِنَ العُيون سُدوداً |
حَوْلَها يُحْسِر العُيونَ مَداها |
لا يريدونني فَتاها، وتَأبَى |
هِيَ إلاّ بأنْ أكونَ فَتاها |
كلَّما حَطّمَتْ نواجِذَ قَيْدٍ |
غَرقَتْ في القُيود تَتْرى يَداها |
لَمْ أخُنْ عَهْدَها ولا هِيَ خانَتْ |
كَيْفَ أهْـوى مِـنَ المـلاحِ سِواهـا؟ |
* * * |
يا فَتاتي يا حُلْوتي لا تَراعي |
يَبْعَثُ النـاسَ في غـدٍ مَـنْ طَواهـا |
سَوْفَ تحيـا الغُصـونُ بَعْـدَ ذُبـولٍ |
وتَعُود الزُّهورُ ما أنْداها |
التقاليدُ فَرّقَتْنا، ولكنْ |
سَوْفَ تفْنَى… ويَنْطـوي مَـن بَناهـا |
كلُّ حَيٍّ إلى التُراب، فمَنْ ذا |
قَطَعَ الحَبْـلَ بَـيْنَ عيسـى وطاهـا؟ |
لَمْ يَدُم عاصِفٌ، ولا دامَ لَيْلٌ |
فاذْكُري – كلَّمـا يَئِسْتِ – الإلَهـا! |