| أرَأيْتَه في غَمْرة العَمَل |
| كالرِّيح بَيْن السَهْلِ والجَبَلِ؟ |
| لا يَسْتَريحُ ولا يَقِرْ، ولا |
| تَبْدو عليه عَلائمُ المَلَلِ |
| يَمْشي مِنَ الرَّمضاء في سَقَرٍ |
| ويخوضُ لُجَّ العارِض الهَطلِ |
| هَيْهاتَ يُوهي عَزْمَه خَطَرٌ |
| أو يَسْتكِنُّ لهاجِسِ الفَشلِ |
| يأبَى عليه أن يخورَ دَمٌ |
| حُرُّ، وَقلْبٌ غَيْرُ ذي دَخَلِ |
| وكرامةٌ في نَفْسه شَمَخَتْ |
| حتّى لتَنْطَحُ مَوْطِئيْ زُحَلِ |
| سَبَقَ الصَباحَ يَحُثُّه أملٌ |
| (ما العَيْـشُ لـولا فُسْحَـةُ الأمَـلِ) |
| يَسْعَى قريراً في مناكبها |
| ما أضيقَ الدُّنيا على الكَسلِ |
| خَشِنَتْ يَداه فإن لَمَسْتَهما |
| فلَقَدْ لَمَسْتَ فَراسِنَ الجَملِ |
| وتَحَلّبَتْ عَيْناه مِنْ سَهرِ |
| وتَفَسَّخَتْ قَدَماه مِنْ كَلَلِ |
| يَطْوي الفَيافي لا سَميرَ له |
| غَيْر القطا والبُوم والحَجَلِ |
| الفَأسُ والمِنْشار عُدَّتُه |
| وغذاؤه خبزٌ على بصل |
| ورَفيقه منْ آلِ "قُبْرُصَةٍ" |
| غَبْراءُ تَقْحُم أوْعرَ السُّبُلِ |
| جَمَعَتْ إلى أخلاق عُنْصُرِها |
| صَبْرَ الغَريب ورِقَّة الحَمَلِ |
| لا تَشْتكي تَعَباً ولو تَعبَتْ |
| إنَّ الشِكاية عُدَّة الوَكِلَ |
| إنْ حثّها لُبَّتْهُ راضِيةً |
| تَجْري به في خِفَّه الوَعِلِ |
| وإذا سَها عنها فلا حَرجٌ |
| إنْ قصّرتْ عَنْ نُقْلَة النَمِلِ |
| لَمْ تُغْره الدُّنْيا وزينتُها |
| هُوَ عَنْ هُموم الناس في شُغُل |
| في عَيْنه وخياله صُورٌ |
| تَكْسو الجَمادَ بَدائعَ الحُلَلِ |
| يَكْفيه أنّ العُشَّ في مَرَحٍ |
| يَزْهو، وأن بنيه في جَذَلِ |
| يَتسابَقون إليه، لا صِلةً |
| يَرْجون إلاّ نِعْمَةَ القُبَلِ |
| هذا يجاذِبُه عباءَته |
| فَرَحاً، وهذا عُدّةَ العَمَلِ |
| حتى إذا ما لاحَ أصْغَرُهُم |
| يَحْبُو إليه بوَجْهِه الخَضل |
| تَتَزاحم الضَحِكات في فَمهِ |
| وتماوَجُ الأنْوار في المُقَلِ |
| تَرَكُوا أباهُم في خواطِره |
| وَتراكضُوا للْبُلبُل الزَجل |
| وَتجدَّدَتْ أسبابُ ضَجَّتِهم |
| وتَلَوَّنتْ أهزوجةُ الجَدَلِ |
| دُنْيا مِنَ النَّعْماء يَغْمُرها |
| ظِلُ السَّلامِ وزهْوة الأمل |
| * * * |
| يا سَيِّدَ الأحراج لا اضْطرَبَتْ |
| يَوْماً عليك مَذاهبُ الحِيَلِ! |
| يَهْنيك أنَّك لا تَنام على |
| همٍّ، ولا تَصْحو على وَجَلِ |
| ما القَصْرُ فـي عيـني – إذا عَبَسَـتْ |
| جُدْرانه – أزْهَى مِنَ الطَلَلِ |