| هذا شَرابٌ يَشْحَذُ الفِكْرا |
| فاشْرَبْ، فأنْت بسرّه أدْرَى |
| وأشِدْ بزَحْلةَ، فهْيَ ما بَرحَتْ |
| رَغْمَ النوازل جَنّةً خَضْرا |
| لا تَبْرَ في الدنيا يُقاسُ إلى |
| رَمْلاتها… لا تبْرَ ولا تِبْرا |
| تَهْفو النُفوسُ إلى مَلاعِبها |
| وتَحومُ فَوْقَ بيوتها سَكْرى |
| خَلَعَ الجمالُ على مناكِبها |
| ثَوْبيْن، لا أغْلى ولا أغْرىَ |
| الشِعْر عاج بأفْقِها قَمَراً |
| والفَنُّ ماجَ بِرَوْضِها زَهْرا |
| والسِحْر ساحَ على مَدارجها |
| غِيداً… تعالَى الله ما أثْرَى! |
| واذكرْ على الوادي
(1)
تعارُفَنَا |
| كَمْ جدَّد التِذكار ما مرَّا |
| في مَجْلِسٍ طافَتْ نوافِحُه |
| وتَلأْلأَتْ آفاقُه بِشْرا |
| تَحْتَ العرائِشِ… كلُّ ثانيَةٍ |
| فيه تُضيفُ لعُمْرنا عُمْرا |
| الطَيْرُ تَضْحَك فوقَنا عَلَناً |
| والنَّهْرُ يَبْكي تَحْتَنا سِرّا |
| نَتناشَدُ الأشْعار آوِنَةً |
| ونَخوضُ في تَشْريحِها أُخْرى |
| لا نَفْهم التَجْديد شَعْوَذةًً |
| أوْ ثَوْرةً رَعْناءَ أوْ هَذْرا |
| إن الجديدَ هو الجمالُ، فَمنْ |
| يَكْشِفْ مفاتِنَه فَقَد أثْرى |
| خابَ الدَّعيُّ وساءَ عاقبةً |
| الشُهْرةُ الغَرَّاء لا تُشْرىَ |
| أعْداءُ "شوقي" كالهَباء مَضَوا |
| واسمُ الأمير يُغالب الدَّهْرا |
| * * * |
| يا شاعري - والفَخْرُ أرْقَصَني- |
| أنْتَ الذي زَيَّنتَ لي الفَخْرا |
| لا جاهَ يَرفَع شَأنَ صاحِبِه |
| بَقي "المَعرّي" وانطَوى كِسْرى |
| بُشْراكَ، هزّ الأيْك بُلْبُله |
| لما رآك… فيا لهَا بُشْرى! |
| حيَاك باسْم النازحين، فلا |
| تَكتُبْ عليه - إذا كبا - وِزْرا |
| العُجْمَةُ النكْراء تأكُلُني |
| ما حيلتي بالعُجْمة النُكْرا؟ |
| هي في طريقي أيْنمَا اتجَهَتْ |
| قَدمَايَ، وهْيَ بَليّتي الكُبْرى |
| أمُّ اللُّغات بِبَيْتِها أمَةٌ |
| تَشْكو الهَوانَ بمقْلَةٍ سَكْرى |
| يا صاحبي ما كان أجْدَرَني |
| ألاّ أخوضَ بزَوْرَقي البَحْرا |
| حَمَلْتُ نَفْسي فَوْق طاقَتِها |
| يا لَيْتَ لَمْ أكْتُبْ وَلمْ تَقْرا |
| هذا الشرابُ - على مَرارته - |
| يَجْلُو الهُمومَ وَيشرَح الصَّدْرا |
| هو بِنْتُ داليَةٍ مُدَلَّلةٍ |
| في الرَّوضِ، لكنْ لم تَزَلْ بِكْرا |
| ما مسّها جِنٌ ولا بَشرٌ |
| الكأسُ صوَّرها لنا خمْراً |
| البابليّةُ رَغْم شُهْرتِها |
| لَمْ تَشْؤُها شَرَفاً ولا قَدْرا |
| حَلّتْ لساقيها وشاربها |
| ومَشَتْ تجرّ ذُيولها كِبْرا |
| قَسماً لَسَـوفَ تفـور مِـنْ غَضَـبٍ |
| إنْ لَمْ تُهجْ في صَدْرك الشِعْرا |
| فاشْرَبْ ولا تَقْطَعْ لها أملاً |
| ما خاب حُرٌ يَرْتَجي حُرّا |
| قُلْ ما تشاء وسُبَّ ساعَتَها |
| لكنْ -سألتُك- لا تَقُلْ شُكْرا |