واحداً بَعْدَ واحدٍ يَرْحَلونا |
يا صِحابي تَمَهَّلوا وارْحَمونا |
كلما غابَ عَنْ عُيوني صَديقٌ |
فجَّرَ الحُزْنُ في عُيوني عُيونا |
وَيْح قَلْبي، لكَم دَهَتْه شُجونٌ |
فَتَخَطَّى – ولا يَزال – الشُّجونا |
لَمْ يَهنْ للخُطـوبِ مَهْمـا ادْلَهمـّت |
ولَعَلّي أرَدْتُ ألاّ يَهُونا |
كَيْفَ يَعْنُـو لِمِحْنَـةٍ، وَهْـوَ يَـدْري |
أنَّنا في طَريقِهم سائرونا؟ |
إنَّ في الدَّمْع للحزينِ عَزَاءً |
لا رَجاءً… فلَنْ يَرُدَّ المَنونا |
تَلِدُ الأرضُ كلَّ يَوْمٍ ألوفاً |
ويموتونَ مِثْلما يُولدونا |
رِحْلةُ العُمْر ساعةٌ، فلماذا |
يا رَفيـقَ الطَّريـق تَبْـني الحُصونـا؟ |
ولماذا على قريبك تَشْتدُّ – |
وتُذْكي عليه حَرْباً زبونا؟ |
سَوْفَ نَمْضي… فكنْ عليـه سَلامـاً |
يَكُ غَيْثاً على ثَراكَ هَتُونا |
إنَّ في المَوْت لابنِ آدمَ دَرْساً |
لَوْ وَعَى بَعْضَه لَعَاشَ قُرونا |
كلُّ شَيءٍ إلى الزَّوال، ويَبْقَى |
صالحُ الذِّكْر فاجْتَهدْ أَنْ تَكونا |
هكذا الأوّلونَ قالوا فأحْسِنْ |
ثُمّ أحْسِنْ بما رَأَى الأوّلونا |
* * * |
يا صَديقي ذَهَبْتَ كالنَّغَـم العَـذْب – |
تَهادَى حَلاوَةً وفُتونا |
لَمْ تَكُـنْ في الطُّيـور نَسْـراً ولكـنْ |
كَنْتَ ما بَينها الهَزارَ الحَنونا |
لَمْ تَكُـنْ في الجبـالِ طَـوْداً ولكـنْ |
أيُّ طَوْدٍ أعزُّ مِنْ مَيْسلونا |
لَمْ تَكْنْ في الرجـالِ ضخمـاً ولكـنْ |
لَمْ تَكُنْ في مراتبِ المُجَدِّدونا |
شَمَمٌ في وَدَاعةٍ في وَفاءٍ |
أَكَثيرٌ إذا اعْتَصَرْنا الجُفونا؟ |
قَدْ وَقفْنا لدَى نَعيِّك مَحْزوناً |
يُواسي رَفيقَهُ المَحْزونا |
وتَلاقَى على ضَريحـك مَـنْ جـاروا |
على شِعْرنا ومَنْ أنْصَفونا |
وَحَّدُوا فيكَ رأْيَهمْ وتَجَلَّى |
أنَّهم في دُموعهم صادقونا |
* * * |
يا صَديقي هَلْ مِـنْ حَديـثٍ فنُصْغـي |
نَحْنُ في مَهْمَه الأسَى حائِرونا |
ما الرَّدَى؟ ما الضَّريحُ؟ هَلْ هو جِسْـرٌ |
لِحياةٍ أبْقَى كما وَعَدونا |
هَلْ تمـوتُ الأرواحُ أيضـاً وتُـذرَى |
أم نُلاقي هناكَ مَنْ سَبَقونا؟ |
يا صديقي هلاّ شَفَيْتَ غَليلي |
لا تَدَعْني ألوكُ وَحْدي الظُّنونا |
* * * |
يا صَديقي ثَوَيْتَ فـي الـدارِ فاهْنـأْ |
لم تكن خاسراً ولا مغبونا |
أنا أرْثي لِمَنْ يموتُ غريباً |
رَبِّ فاجْعَلْ وِسادَتي "قاسِيونا"
(1)
|