جَلْجَلَ النادي، وكُنَّا عُصْبَةً |
نَتَساقَى الكأسَ دَفْعاً للمَلَلْ |
كُنْتُ في الخَمْسين، أوْ ما دُونها |
ورفاقي مِنْ تلاميذي الأُوَلْ |
طَلَبُوا رَأْييَ في الشِّعْر، فلم |
يَثْنِني عَنْ قالة الحقِ وَجَلْ |
قُلْتُ إنَّ الشِّعر مَهْمَا انقَلَبَت |
دُوَلٌ يَبْقَى أحاديث الدّوَلْ |
فَنُّهَا الأعلى الذي يَرْقَى إلى |
زُحَلٍ، أو يَسْتَوي فَوْق زُحَلْ |
وَجهُها الأحْلَـى الـذي تَزْهـو بـه |
وتُغَالي باسْمِهِ مُنْذُ الأزَلْ |
يُكْتَبُ العِزّ لِمَنْ عزّزهُ |
وإذا استَوْطأهُ المَغْرورُ ذَلْ |
لا أُحِبُّ الشِّعْر إلاّ صادقاً |
وَطنياً كان أو كان غَزَلْ |
كُلُّ شِعْر لَمْ يُحَرِّكْ وَتَراً |
في حنايا الصَّدْرِ شِعْرٌ مُفْتَعَلْ |
أنا لا أخْجَلْ مِنْ شِعْر الَهَوى |
إنَّما أكرَهُ مِنْهُ المُبْتَذَلْ |
أكْرَهُ اللّهْفَةَ تَغْدو شَهْوَةً |
وحَديثَ النَّفْسِ خُبْزاً وَبَصَلْ |
جُنَّحَ الدِّيك، ولكنْ لَمْ ينمْ |
كعُقابِ الجوِّ في أعْلَى الجَبَلْ |
يولَدُ الشاعِرُ حُراً، فإذا |
لَمْ يُعَالِجْ غَيْرَ مَوْضوعٍ فَشَلْ |
لا يُملّ الرَّوْضُ وَشَّى زَهْرَه |
فإذا ما وحّدَ اللَّوْنَ أَمَلْ |
آفةُ الشاعر يَغْدو آلةً |
لذوي الشأْنِ، وبُوقاً للسَّفَلْ |
لا يَهُزُّ النَّفْس قَيثارٌ إذا |
كان في أوْتاره أدْنَى خَلَلْ |
فاعْذُروا كلَّ دَعيّ واغلٍ |
رُبَّما في غَفْلَةِ النَّقْدِ وَغَلْ |
هَتَفُوا زِدْنا فزادَت جُرأتي |
وألحُّوا فَتَولاّني الجَذَلْ |
قُلْتُ لا فَضْلَ لِذي مَوْهِبَةٍ |
أجْزَلَ الله عليه فَبَذَلْ |
إنَّ شَمْساً ضَحِكَتْ قَبْلَ الضُّحَى |
غَيْرُ شَمْسٍ عَبسَتْ بَعْدَ الطَّفَلْ |
لَمْ يَفُزْ مُسْتَغْرقٌ في أمَلٍ |
يَسْهَرُ الدَّهْـرَ علـى ضَـوْءِ الأمـلْ |
* * * |
وَتَطَرّقْنا إلى الشِّعْر الذي |
شَربَ الدَّهْر عَلَيْه وأَكَلْ |
ذلك الشِّعر الـذي استَعْصَـى علـى |
قائليه، واسْتَحى منه الخَجَلْ |
قُلْتُ هذا شعْوذاتٌ ورُقىً |
تُضْحِك الثَّكْلَى وتُبْكـي مَـنْ هَـزَلْ |
إنَّه تَقْليدُ زِيٍّ عارض |
عاشَ في الغَرْبِ قليلاً واضْمَحَلْ |
والذينَ اقتبَسوا اسْتَرْشَدوا |
بغُرابْ شاء تَقْليد الحَجَلْ |
جَدّدوا، يا لَيْتَهم ما جدّدُوا |
جدّدُوا السُّخْـفَ فجـاؤوا بالخطَـل |
ليسَ فيهم غَيْرُ لَوْنٍ فاقع، |
فإذا ما واجَه الشَّمْسَ نَصَلْ |
أنا لا أكْرَهُهُم لكنَّما |
هالني الغُصْنُ عَـنِ الَجـذْع انْفَصَـلْ |
خاطبوني بالأحاجي، وأنا |
ما تَدَرَّبْتُ على هذا العَمَلْ |
إنَّهم مهما اختَلَفْنا إخْوتي |
لَيْتَهُم لم يَرْكبوا هذا "الجَمَلْ" |
* * * |
صَفَّقَ القَوْمُ لِقَوْلي طَرَباً |
وادعوا أنِّي أساقيهم عَسَلْ |
قُلْتُ لولا الجَهْلُ لَمْ نَشْقَ ولا |
كانَ في الأرضِ نِزاع أو جَدَلْ |
خُلِقَ الناسُ بشرْعي أسْرَةً |
ثمَّ ضلّوا فاستقلّوا في كُتَلْ |
إنَّ مَنْ يَقْتُلُ ذِئْباً ضارياً |
مِثْلَ مَنْ يَقْتُلُ شاةً أو حَمَلْ |
إنّ مَنْ يَسْرقُ مني أمَلاً |
مِثْلَ مَنْ يَسْرِق حِلْياً وحُلَلْ |
إنَّ مَنْ يَجْني على سُنْبُلةٍ |
مِثْلَ مَـنْ يَجْـني علـى كُلُّ السَّبَـلْ |
إنّ مَنْ باركَ حَرْباً مثْل مَنْ |
خاضَها بالسَّيف، صَلَّى وَقَتَلْ |
إنّ مَنْ برّر ظُلْماً ظالمٌ |
إنَّ مَنْ لا يتّقي النارَ اشْتَعلْ |
أنا لا أُفَرِّقُ ما بين الَملاَ |
لا ولا أدْخُلُ ما بَيْنَ المِلَلْ |
أعْبُدُ الله منيباً طائِعاً |
ويُناديني إلى الكُفْر هُبَلْ
(1)
|
أرْخَصُ العُبْدانِ في الهِنْد أخي |
لَيْس عَبْداً مَـنْ علـى الحـقِّ اتكَـلْ |
فالزموا الحقَّ يزدْكم قُوَّةً |
ولَقَدْ يَعْصِمُكم عَنْدَ الزَّلَلْ |
إنِّما الإِيمان ذُخْرٌ للفَتى |
فاحْرِسوه وافْتدوه بالمُقَلْ |
ذرّةٌ منه تدُكّ الطودَ أوْ |
تَشْرَبُ النَّهْرَيْن أو تَشْفي العِلَلْ |
* * * |
واستطالَتْ سَهْرةُ النادي ولَمْ |
يَغْشَ جَفْنيّ نُعاسٌ أوْ كَلَلْ |
قُلْتُ هل نَمْضي؟ فقالوا أبداً |
تَتْرُك النادي متى الليلُ ارتَحَلْ |
قلتُ إن الليلَ في النَّفْس، فإن |
أظْلَمتْ نَفْسي فمـا جَـدْوى الأمَـلْ؟ |
كَمْ ضَريرٍ يَهْتَدي الناسُ به |
وبَصيرٍ في عُبابِ النُّور ضَلْ |
ما انتفاعي بالدّوالي أيْنَعَتْ |
إنْ يكنْ زَنْدي عنها في شَلَلْ |
فأحبُّوا تَضْحَكِ الدنيا لكُمْ |
وأحبُّوا لا تُبالوا مَنْ عَذَلْ |
يَغْسِلُ الحُبُّ حَنَايا خاطِئٍ |
مُنْذُ دبَّتْ قَدَماه ما اغتَسَلْ |
لَسْتُ أرْثي لِشَجيٍّ فاشِلٍ |
أنا أرْثي لِخَليٍّ ما فَشَلْ |
صِرْتُ في الخَمْسين، لكنْ لَمْ أزَلْ |
أجْتَني مِنْ ثَغْر غَلواءَ القُبُلْ |
كلّما استَفْرَدْتُها في خَلْوةٍ |
قَرّبَتْ فاها لأشْتارَ العَسَلْ |
وطني الأرْضُ، وأهْلي كلَّ مَنْ |
دَبَّ فيها مِنْ مُلوكٍ وَخوَلْ |
إنَّ مَنْ يَسْعى إلى لُقْمتِه |
دونما شَكْوَى مِنَ الدَّهر بَطَلْ |
كلُّ مَنْ يَحْمِدُ مَوْلاه على |
نِعْمَةِ الفقر غنيٌّ أوْ أجَلْ |
لَسْتُ أخْشى صَوْلَة التاج ولا |
دَوْلَة الشَّعْبِ ولا داعي الأجَلْ |
إنّ مَنْ أوْفَى على الألْفِ كَمنْ |
عاش أسبوعاً قصيراً أوْ أقَلْ |
كلُّ ما يأخُذُه منَّا الرَّدَى |
حَفْنَةٌ لا خَيْرَ فيها مِنْ عَضَلْ |
* * * |
وأطلَّ الفَجْرُ، قُلْنا مَرْحَباً |
بالذي مِنْ مُهْجَة الليل أطَلْ |
انْهلوها حِكْمةً مِنْ شاعرٍ |
لَمْ يَضِعْ مُسْتَرْشدٌ منه نَهَلْ |
في غدٍ يَفْتَرِقُ الدَّرْبُ بنا |
فاذكروني، واذكروا هذا المَثَلْ |
"لا تَقُلْ قَدْ ذَهبتْ أيامُه |
كُلُّ مَنْ سار علـى الـدَّرْبِ وَصَـلْ" |