مِنْ عَبْقَرٍ أنتَ لا مِـنْ عالَـم البَشَـرِ |
آمَنْتُ بالسِّحر في صَوْتٍ وفـي وَتَـرِ |
أُعْجُوبةُ الفَنِ في لُبْنـانَ قَـدْ ظَهَـرَتْ |
مَنْ لا يَرَ الشَمْسَ فَلْيَعْتَبْ على البَصَـرِ |
حَمَلْتَ مُنْذُ صِباكَ الغَضِّ رايتَهُ |
في الشرقِ والغربِ لم تسأمْ من السفَـرِ |
سفارةٌ لم تَشُبْها قِطُّ شائبةٌ |
ولَمْ يَنَلْ واغِـلٌ مِـنْ صِيتهـا العَطِـرِ |
أثْنَى عليكَ أميرُ الفَنِ مُنْتَشِياً |
وهَلّلَتْ دُرّةُ الشَّرْقَيْن للخَبَر
(1)
|
وقال رَوْضٌ لِرَوضٍ، ما وَعَـتْ أذُنـي |
صَوْتاً كَهَذا يَهُـزّ الـروحَ في الشَّجَـرِ |
أكُلُّ شاديَةٍ في الأرْزِ تُشْبِهُهُ |
وكلُّ شادٍ يُغَنّي لابْنَةِ القَمَر |
فيهِ مِنَ العَسَـل الصافـي خُـلاصَتُـهُ |
ومن نَدَى الفَجْر ما يَبْدو علـى الزَّهَـرِ |
ما قالَ "يـا لَيْـلُ" إلاّ صَفّقتْ شُهُـبٌ |
مِنْ أَولِ الشَّهْرِ حـتَّى آخِـر الشَّهْـرِ |
قُلوبُنا لُعَبٌ في كَفّهِ ودُمىً |
إنْ شاء طيَّرَها أوْ شاءَ لَمْ تَطِرِ |
لولا "وَديعٌ" وسِـربٌ مِـنْ عَشيرتِـهِ |
لَمْ يَخْرجِ الفنُّ مِنْ تاريخِـهِ الحَجَـري |
ولا تَفَتَّقَ عمَّا فيه مِنْ دُرَرٍ |
ولا تألَّق بالألوان والصُّورِ |
للحبِّ غنّى، ولكنْ جـلَّ عَـنْ سَفـهٍ |
ونَزّه الحُبَ عمـا شـاع مِـنْ قـَذَرِ |
تُصْغي إليه فتاةُ الخِدْرِ عالِمَةً |
أنْ لَيْسَ تَسْمَعُ ما يَدعـو إلـى الخَفَـرِ |
يُثِيرُ أرْفَعَ ما فـي النَّفْـس مِـنْ قِيـَمٍ |
إمّا اسْتَغَلّ سِـواه ضَعْفهـا البَشَـري |
هذا هو الفَنُّ: إبْداعٌ وتوعيةٌ |
ودعوةٌ للهوى الخالـي مـن الوَضَـرِ |
هذا هُـوَ الفَـنُّ، لا ما تدّعـي فِئَـةٌ |
لَمْ تُبْقِ باقيَةً للفَنّ، أو تَذَرِ |
غَلّتْ يَدَيْه، وغَضَّـت مِـنْ كرَامتِـهِ |
فكَيْفَ يَسْبَـحُ بَـيْنَ الأنْجُـمِ الزُّهُـرِ |
إنْ لَمْ نُطَهّرْ مِـنْ الشَهَـواتِ نَظْرتَنـا |
فَنَحْنُ في درَكٍ والفَنُّ في خَطرِ |
* * * |
وديعُ حيّاك باسْـم الشعْـر مُغْتَـربٌ |
صاحَبْتَهُ في ليالـي الشَـوْقِ لِلسَحَـرِ |
يأوي إلى ظِلِكَ الضافـي إذا قَطَعَـتْ |
دُروبَهُ عادِياتُ الوَجْد والسَهَرِ |
ضَيَّعْتُ خَطْوَكَ في اليوم الرهيبِ فهَـلْ |
ضَيَّعْتَ مثلي في أهواله أثري
(2)
|
دَعْني أقُلْ لِبُغاثِ الفَنِّ إنَّهمُ |
وقرٌ على السَمْـعِ أو غَيْـمٌ بلا مَطَـر |
فلْيَقْبِسوا مِنْـكَ أوْ فَلْيَخْتَفـوا خَجَـلاً |
شَتَّان شتان بَيْنَ الماسِ والمَدَرَ |
هَزّتْ لـواءَك غَلْوائـي فقُلْـتُ لهـا |
ماذا على الشَّمْسِ إنْ مَالَتْ إلىَ القمـر؟ |
* * * |
يا رَبِّ إنِّي لَفي شَوْقٍ إلى وَطَني |
فهَلْ أرَى وَجْهَه في آخِرِ العُمُرِ؟ |
طالَتْ إلَيْه طَريقـي وانْـبَرَتْ قَدَمـي |
لكنْ رَضيتُ بما خَطّـتْ يَـدُ القَـدَرِ |
لئِنْ قَضَيتُ بعيـداً عَـنْ ثَـراه فـلا |
تَحْرِمْ ضَريحي مِنْ صَـوْتٍ مِـنْ وَتَـرِ! |