لَسْتُ أدْري، وَقدْ نَعاه البَريدُ |
كَيْفَ يَبْكـي علـى القَريـبِ البَعيـدُ |
أنا مَنْ مـاتَ مُنْـذُُ فارَقْـتُ أهلـي |
قَدْ تَساوى مُحَنّطٌ وشَرِيدُ |
وَيْحَ قَلْبي، قَسَتْ عليه الليالي |
وهْوَ راضٍ بما يُلاقي، سعيدُ |
ألِفَ النارَ، فهْيَ بَرْدٌ عليه |
كلما ماتَ وَقْدُها يَستعيدُ |
لكأنَّ اللَّهيبَ نَفْحُ ملاب |
في حَناياه، والزَّفيرَ نَشيدُ |
يَحْتَفي بالهمُوم… مـا انْجـاب هـمٌ |
عنه إلاّ تَلاه هَمٌ عَتيدُ |
أيُّها الخافِق المقيمُ بصَدْري |
لَيْتَني جَلْمَدٌ وأنْتَ حَديدُ |
ما انتفاعي بوَمْضة مِنْ رَجاءٍ |
ما انتفاعي، والليلُ داجٍ شديدُ؟ |
تَحْتَويني مَتاهةٌ تلوَ أخرى |
أنا ما بَيْنهَا شَريدٌ طَريدُ |
لكأني والدَّهْرُ ذِئْبٌ وَشاةٌ |
أوْ كأنا حَرارة وجَليدُ |
كَيْفَ ألقَى صُروفـه، وهْـيَ جَيْـشٌ |
وأنا مُرْهَقُ الجناحِ وَحيدُ |
يا خَليلي صَبَتْ إلـى الـدار نَفْسـي |
هَلْ يَبُلُّ الغَليل عَوْدٌ حَمِيدُ؟ |
طالَ هِجْرانُنا وأوشَك يخبو |
أمَلٌ في النفوس واهٍ خَضيدُ |
فَرَّقتْ شَمْلَنا الليالي، ولكِنْ |
يَهْدم النَّأيُ والحنينُ يُشيدُ |
قَدْ قَضَيْنا سَحابة العمل سَعْياً |
أجَنَيْنَا مِن سَعْينا ما نُريدُ؟ |
يَشْهَدُ اللهُ ما طَمْعنا بمالٍ |
إنَّ شَيْطانه كنودٌ مَريدُ |
كمْ فقيرٍ يعيشُ في خَيْر حالٍ |
وغَنيٍّ حياتُه تَنْكيدُ |
قَدْ غَنِيْنَـا بالشَّعْـرِ عَـنْ كـل جـاهٍ |
فلْيَكنْ للسَّفاسِفِ التمْجيدُ |
أنا حَسْبي – إذا اشْرأبّ لِغيري |
ألْفُ طَرْفِ – طَـرْفٌ أُحـبُّ وجيـدُ |
ما افتقاري للشَّوْك يَغْمُر دَرْبي |
تَمْلأُ النَّفْسَ زَهْرةٌ وتَزيدُ |
إنَّ صَرْحاً يبْنيه بالحَرْف بانٍ |
هُوَ صَرْحٌ على الزمان جَديِدُ |
قُلْ لمن عابنا لعَفَّة نَفْس |
لا يَسُبّ الأحرار إلاّ العَبيدُ |
كلُّ شيء إلى الزّوالِ… وتَبْقى |
رَبَّة الشَّعْر والكتابُ المفيدُ |
* * * |
يا عَمِيداً مَضَى وخلَّف دُنْيا |
مِنْ أيادٍ سَنِيّةٍ لا تَبيدُ |
ما اجْتَمَعْنـا لكـيْ نَصـوغ المراثـي |
يَبْطُل القَوْل حـينَ يحْكـي "الرشيدُ"
(1)
|
ما اجتَمعنا لكيْ نُشيّعَ ميْتاً |
إنَّ عُمْر النْبوغِ ضافٍ مَديدُ |
بَلْ أتيناك حائرين عُطاشَى |
فاهدِنـا الـدَرْبَ وارونـا يا عَميـدُ |
طُفْ على القَـوْم بالرّحيـقِ المُصَفَّـى |
علّنا نَسْتفيق أو نَسْتفيدُ |
شَغَلَتْنا عَنْ حقَّنا تُرَّهاتٌ |
بَعْضُها شائخ، وبَعْضٌ وَليدُ |
غَيْرنا للعُلا يَسيرُ حَثيثاً |
وخُطانا زَحْفٌ إليها وَئيدٌ |
كلُّ دين إلى المحبة يَدْعو |
فعَلام التأكيدُ والتفنيدُ؟ |
قال رَبَّي إنََّ العبادَ عِيالي |
صَدَق الله، وهْوَ نِعْمَ الشَّهيدُ |
خُذْ بأيدي الخِـرافِ واكْـرُزْ عليهـم |
إنْ عُقْبى الخُمول مَوْتٌ أكيدُ |
أينَ كالفجر طلعةٌ تملأ - |
النفس، وصوتٌ كأنه التغريد؟ |
أيْن فِكْرٌ ضياؤهُ لَيْسَ يَخْبو |
وبَيانٌ داني المَجاني فَريدُ |
ولِسانٌ طَلْقٌ يَثـورُ علـى الضَّيْـم - |
وَرأيٌ على الخُطوب سَديدُ |
أصحيحٌ أنَّ التُّراب طَواها |
ومَشَى فَوْقها الزمان المُبيدُ؟ |
* * * |
يا شَهيـدَ الجهـادِ يَبْكيـك شَعـبٌ |
وَلئِنْ قيل لَيْس يُبكى الشهيدُ |
كيفَ يَرْثيك يَوْمَ مَوْتِكَ فانٍ |
ليسَ يُبدي في قَوْله أوْ يُعيدُ |
كمْ فقيدٍ يعيشُ في حَـرَم الذكـرى - |
وحَيّ يَعيشُ وهْوَ فقيدُ |
وَحَّد الموتُ بينَ عَبْدٍ وَموْلى |
مِنْ رسالات ربِّك التَّوحيدُ |
لا أقولُ البلادُ مادَت، ولكِن |
ماد قلبي وما يَزال يَميدُ |
كُنْت للناس… لم تُمَيّز قَوياً |
من ضعيفٍ، ولم يرعك وعيدُ |
كلُّهم في شريعة الله أهْلٌ |
لا طَريفٌ في أصلهم لا تَليدُ |
كيفَ تَنْساك أمةٌ أنتَ فيها |
عَلَمٌ خافقٌ ورُكْنٌ وَطيدُ |
تَزْرَع الحبَّ بينَها والتآخي |
وتُزيلُ الشقاقَ، وهو عَهيدُ |
كيفَ تَنْساك بَيْعةٌ أنْتَ فيها |
قائدٌ زاهدٌ وراعٍ رَشيدُ |
إنْ غَفَتْ عَيْنُها فَعَيْنُك يَقْظَى |
أوْ وَهَى مَجْدُها فأنتَ تُشيدُ |
كيفَ تَنْسى قضيةُ الحقَّ سَيفاً |
مُضَرياً يَهُزُّه صنْديدُ |
خاضَ مِـنْ أجْلهـا المكـارهَ تَتْـرى |
وانْثَنى مِنْ نبالها يَستزيدُ |
الرئيسُ العنيدُ كابدَ مِنْهُ |
نَبْرةَ الصَّـدْق، فاعْتـرفْ يا عَنيـدُ
(2)
|
أهوَ الطَّوْدُ شامِخاً يَتَحدّى |
أمْ هو البَطْرَكُ الحميّ النَّجيدُ؟ |
* * * |
يا عَميدي عـابَ الخَنافِـس شِعْـري |
وادَّعَوا أنَّ آفتي التَّقْليدُ |
قُلْتُ يا قومُ لنْ ألومَ غُراباً |
أوْهموه بأنَّه غِرّيدُ |
خَدَعَتْهُ صحَافـةٌ تُدْمِـن التَّهْريـج - |
لكنَّه بَغيضٌ بَليدُ |
تَحْتَفي بالجديد، أو تَدّعيه |
لتُغَطّي هَوانها فيزيدُ |
قَدْ يكونُ التَّطْبيل فَناً ولكنْ |
أغْلَبُ الظَّنِّ أنَّه لا يُفيدُ |
إنَّ بَيْنَ الدَعيَ والعَيِّ قُرْبَى |
مثلما تَجْمَعُ الزَواحف بيدُ |
أنا في النور فليُعربد سَفينةٌ |
وعلى الرُشْد فَلْيثُر عربيدُ |
قَدْ بَلَـوتُ التَّجديـدَ شِعْـراً ونَثْـراً |
فإذا كلُّ هُجْنة تَجْديدُ |
لا رَعى الله بِدْعَةً تَتحَدّى |
ما بَنى الجدُّ ثمَّ أرْسَى الحفيدُ |
أغْضبَتْ في قُبورهم أنْسـرَ الشِعْـر - |
فهاجَ "الأعشـى" ومـاجَ الوليـدُ
(3)
|
سوفَ يَمْضي هـذا الهُبـاب ويَبْقـى |
أدَبُ الصِدْق واللسانُ المَجيدُ |
* * * |
زَلْزلَ الرُّزْءُ يا عميدي كيَاني |
فنَصيبي مِنَ البيانِ زَهيدُ |
عَبَثاً وأنْشُدُ العزَاء، وأرْجو |
لو نَفَى نَعيةَ البريدِ البريدُ |
لا تَلُمني إذا عَثَرتُ، فإني |
شاعرٌ في الرِّثاء لَسْتُ أجيدُ |
تَخْنقُ الغُصَّة العَتِيَة صَوْتي |
فإذا قُلْتُ خانَني التَجْويدُ |
أنا مـَنْ يحْفَـظ الجميـلَ ويَرْعـاه - |
وعَنْ مَنْهَجِ النَدَى لا أحيدُ |
أصْدقائي على المدى أصْدقائي |
قَوْلُهم عِنْدي الجُمان النَضيد |
إنْ يَكُنْ عَيْشُهم رَغيداً فعَيْشي |
ولئنْ ناشَنَي الزَمان، رَغيدُ |
كان في بُرْدتي "لبيدٌ" ولكنْ |
ماتَ في مَصْرع الرَّجاء لبيدُ
(4)
|
لَمْ تَدَعْ مِنِّي النَوائبُ إلا |
بَعْضَ قَلْـبٍ… وذاك نِعْـم الرصيـدُ |