مَنْ ذا أحاوِرُهُ وأتَّهمُ |
العرْبُ مسؤولونَ كُلُّهمُ |
أذْري الدّموعَ دَماً لِمِحْنَتِهِمْ |
يا لَيْتَ يُجْدِي في البَلاءِ دَمٌ |
أنا مِنْهُمُ مهما نَفَضْتُ يَدي |
وأنا – وإنْ كابَرْتُ – متَّهَمُ |
إنْ يَفْرحوا أفْرَحْ، وإن حَزِنوا |
أدْمَى جُفوني السَّهْدُ والألمُ |
هَيْهَاتَ يَخْدَعُني تَكاثُرهم |
إلاّ إذا أغْراني الوَرَمُ |
ما كانَ أسْعَدهم وأرْشَدَهُم |
لولا اختلافُ الرأي بَيْنَهمُ |
لا حَبْلَ يَرْبِطِهم، ولا رَحِمٌ |
أيَضيعُ بَيْنَ الإِخوة الرَّحِم؟ |
ماذا أقولُ لِمَنْ يُعَيّرني |
أمِنَ الضَّراغم يُولد الغَنَمُ؟ |
لَمْ يَغْتَصبْ غازٍ ديارَهمُ |
لَوْ كان في عِرْنِيْنِهم شَمَمُ |
هانوا أمامَ عدوِّهِم فَطَغَى |
وتَخَاذَلُوا فاعْتَزَّ خَصْمُهم |
لا يغْسِلوا مِنْ خَطْبِهم يَدَهُم |
إنَّ الحقيقةَ غَيْرُ ما زَعموا |
الأبْعدون تقارَبوا، وهُمُ |
لمْ يَلْتَقوا إلاّ لِيَخْتَصِموا |
باسْمِ العُروبة أصْبَحوا عرَباً |
شَتَّى… وباسْـم الوَحْـدة انْقَسَمـوا |
أعلامُهم مَطْويّةٌ خَجَلاً |
لولا التلاحِي ما انطَوَى عَلَمُ |
يتنازَعون لغَيْر ما سَبَبٍ |
وعدُّوهم في بابِهم حَكَمُ |
لم تَخْتَلِفْ في الرأي عائلةٌ |
إلاّ وآخِرُ أمْرِها نَدَمُ |
عابُوا على الأعجامِ مَحْتِدَهُم |
يا لَيْتَهم في خُلْقِهم عَجَمُ |
بالأمْسِ قادُوا لِلْهُدَى أمَماً |
واليَوْمَ تَضْحَكُ منهُم الأُمَمُ |
كانوا الأوائلَ يَوْم لا وَثَنٌ |
يَتَبرّكونَ به، ولا صَنَمُ |
ذَهَبُوا وما ذَهَبَتْ حَضَارَتُهم |
يا لَيْتَها ذَهَبَتْ وما انْهَزَموا |
مِنْ خُبْزهـم شَبـعَ الِجيـاعُ، ومِـنْ |
آفاقِهِم نَزَلَ النَّدَى لَهُمُ |
قِيلَ السِّلاحُ الوَفْرُ أعْوَزَهُمْ |
قُلْتُ السلاحُ عَقيدةٌ ودَمُ |
مَنْ لَمْ يُدَافعْ عَنْ كرامَتِه |
لَمْ يَحْمِهِ في الرَّوْعِ "مُعْتَصِمُ" |
إيمان "خالدِ" قادَ عَسْكره |
لِلنَّصْر، لا صَمْصامُه الَخذِمُ |
نامَتْ عَزائمهم، ولو سَهِروا |
لَمْ يَسْتَغلَّ حُقولَهم نَهِمُ |
إنِّي لأعْجَبُ كَيْفَ يَقْهَرُهُم |
عِشْرون مُرْتَزِقاً، وهُمْ عَمَمُ |
عِشْرون شَحاذاً بَنَوا وَطَناً |
هُمْ يَرْسَخونَ ونَحْنُ نَنْهَدِمُ |
هَلاَّ انْتَفَضْنَا مِنْ مَرَاقِدِنا |
لتَكادُ تَسْبِقُ خَطْوَنا الرّمَمُ |
إن نُحَرِّرْ مِنْ سَفاسِفِها |
هَذي العُقُولَ نَظَلُ دُونَهمُ |
فَلْنَحْزمَنّ أمورَنا لِغَدٍ |
ما فازَ إلاّ الباسِلُ الحزمُ |
* * * |
يا عُرْبُ يا أهْلي حَنانَكُمُ |
جُرْحي – ولا تَهْويلَ – جُرْحُكمُ |
لو كـانَ هـذا القَلْـبُ مِـنْ حَجَـرٍ |
لَمْ يُضْنِهِ سَأَمٌ ولا سَقَمُ |
لكنَّه شَمْعٌ… فَكَيفَ لَهُ |
ألاّ يذوبَ وقُوتُه ضَرِمُ؟ |
لَمْ يَغْنمِ الأعداءُ مَعْرَكةً |
لكنْ خَسِرنا نَحْنُ ما غَنِموا |
أنا لا أُبرِّىءُ مِنْ تَخاذلكم |
نَفْسي… فَقَد أجْرَمْتُ مِثْلَكُمُ |
لكنَّني مَهْمَا دَجَا زَمَنٌ |
ما زِلْتُ بالإِيمان أعْتَصِمُ |
إنِّي أرَى في الأُفْقِ بارِقةٌ |
تَنْهَلّ مِنْ أثدائِها الدِّيَمُ |
وأرَى الشُّبول يَقودها "أَسَدٌ" |
ماضي العَزيمة في الوَغَى عَرِمُ |
تَعْلو مِنَ الفَيْحاء زأْرَتُه |
فيَميدُ مِنْ أصدائها الهَرَمُ |
وأرى لِواءَ الحَقِّ مُرْتَفِعاً |
وأرَى جِدار البُطْل يَنْحطمُ |
وأرى "دُعاة السِّلْم" في حَرَبٍ |
لَمْ يَنْجُ "سِلْمُهمُ" ولا سَلِموا |
وأرى العُروبَة في انْتِفاضَتها |
تَبْني بروجَ المَجْدِ فَوْقَهمُ |
فتَهزّني الرؤيا وتُرْقِصُني |
وأقول هَلْ يتحققُ الحُلم؟ |
يا "حافظَ" الفَيْحاء أنْتَ لها |
فاغْمِزْ أُباةَ الضَّيْم يضْطَرموا |
تشرينُ مَلْحَمةٌ تَغُضّ لها |
أمَمٌ، وَتخْشع لاسمِها أمَمُ |
فاجْعَلْ لها في القُدس "حاشيةً" |
تَهْدِ الألَى قَرأوا وما فَهِموا |
لَمْ تَعْرِفِ الفَيْحاءُ قَبْلَكَ مَنْ |
يُمْلي إرادته ويَقْتَحِمُ |
لكأنَّ سَيْفَك "ذو الفقار" له |
ثأرٌ على أعْنَاقِ مَنْ أثِموا |
كرّسْتَه لِلْحَقِّ تَنْصُرُهُ |
سَيْفُ الفَضيلة لَيْسَ يَنْثَلِمُ |
إنْ لَم تُرَمّمْ أنْتَ وَحْدَتَنا |
هَيْهَاتَ شَمْلُ العُرْب يَلْتَئِمُ |
* * * |
وطَني – وأحْمِلُه على شَفَتي |
نَغَماً… وكَيْفَ يُقاوَمُ النَّغَمُ؟ |
أهْواه مَهْما استَنْكروا وَلَهي |
إنَّ المَحَبَّةَ غَيْرُ ما عَلِموا |
سأظَلُّ أعشقه وأعشقه |
ما دُمْتُ أُومِنُ أنّه حَرَمُ |