يا حُلْوةَ الأرْزِ، بَـلْ حُلْـوةَ العَـرَبِ |
إنّا سَكِرْنا بلا خَمْرٍ ولا عِنبِ |
جَمَعْتِ حُسْنَيْن: حُسْنَ الصوتِ يَغْسِلنا |
مِنَ الخَطايا، وحُسْـنَ الخُلْـقِ والأدبِ |
بلَى سَكِرْنا، ولكـن لم نُسِـفَّ ولَـمْ |
نأثَمْ، ولكنْ تَحَرّقْنا ولمْ نَتُبِ |
ظلّتْ سَرائِرنا كالشَّمْسِ طاهرةً |
تَنَزَّهَتْ نَظـرةُ الصُّوفـيَّ عَـنْ رِيَـبِ |
حامَتْ على الكَوْثَر الصافي جوانِحُنـا |
أفْدي برُوحـي دموعَ الكَوْثَرِ العَـذِبِ |
ماذا تَصُبّينَ مِـنْ عَيْنَيـك في قَدَحـي |
لا تُرْهِقيني، فقَلْبي ليسَ مِـنْ خَشَـبِ |
مِنْ جنَّةِ الحُبَّ هذا الصَـوْتُ يَغْمُرُنـا |
بالشَّعْرِ، بالعِطْرِ، بالأنْـداءِ، بالذَّهَـبِ |
ما رَنَّ في أُذُني إلاّ تَنَقََّل بي |
على جَناحَيْهِ مِنْ قُطْـبٍ إلـى قُطُـبِ |
يَموجُ في صَلَواتِ الحُبَّ دَنْدَنَةً |
نَشْوَى، ودَمْعَـةً في سَـوْرةِ الغَضَـبِ |
يا وَيْحَ قَلْبي كَـمْ أغْفَـى علـى بَـرَدٍ |
ثم استَفاقَ على أذْكَـى مِـنَ اللَّهَـبِ |
ماذا فَعَلْـتِ بـه، مـاذا فَعَلْـتِ بـه |
فلَيْس يَخْفُـقُ إلا خَفْـقَ مُضْطَـربِ؟ |
أسْتَغْفِرُ الحُسْنَى… لا قـرَّتْ متاعِبُـهُ |
شَرُّ المتاعـبِ أنْ يَنْجـو مِـنَ التَّعَـبِ |
لولا عيونُكِ مـا حَـرّرْتُ أجْنِحَـتي |
ورُحْتُ أسْبحُ بَيْنَ الشُّهْبِ والسُّحُـبِ |
* * * |
هَنَاءُ صَوْتُكِ فِرْدَوْسي، فما اصْطَفَقَـتْ |
إلاّ على وَقْعِهِ أشواقُ مُغْتَربِ |
آمنْتُ بالسَّحْرِ لما اْنساب فـي خَلَدي |
هَلاّ رَفِقْتِ بهـذا الخافـقِ الوَصِـبِ؟ |
ما شابَ شَدْوَكِ تَزْييـفٌ، ولا ظَهَـرَتْ |
فيه مآخِذُ مَـنْ جُهْـدٍ ومِـنْ نَصَـبِ |
أيّانَ سِرْتُ تَلَقّاني بِبَسْمَتِهِ |
وجْهٌ طَوَيْـتُ علـى أطْيابـهِ هُدُبـي |
يا حُلْوة الأرْزِ طابَـتْ فيـك قافيَـتي |
ورَقَّ شَدْوي، فهَلْ يَعنيـكِ ما نَسـبي؟ |
الشامُ مَهْـدي، ولكنَّـي أمـدُّ يَـدي |
لكلَّ مَـنْ يَنْتمـي للعُجْـمِ والعَـربِ |
أنا وأنْتِ وكـلُّ النـاسِ مِـنْ حَمـأٍ |
فلا يُفاخِرْ صَغـيرَ القَـوْمِ ذو حَسـبِ |
ولا يُباهِ بألْقابٍ وأوْسِمَةٍ |
عاشَ الـذي عَلَّـمَ الدُّنيـا بلا لَقَـبِ |
الفَنُّ يَجْمعُنا رُوحاً وعاطِفَةً |
ما الفَرْقُ بَيْنَ رَحيـقِ الفَـنَّ والأدبِ؟ |
أقولُ – والأُفقُ قد ماتَتْ بَشاشتُهُ - |
يا شَمْسُ غِيبي، فأُخْتُ الشَّمْسِ لم تَغِبِ |
تراقَصَ اللَّيْـلُ إذْ غَنّيـتِ مِـنْ فَـرج |
وصَفَّقَ الفَجْرُ مِنْ زَهْوٍ ومِـنْ طَـرَبِ |
الفَنُّ رَوْضٌ نَضيرٌ كلُّهُ عَجَبٌ |
وأنتِ أعْجَبُ ما في الرّوضِ مِنْ عَجَبِ! |