عِشْ كما تَهْوَى، ودَعْـني في سَبيلـي |
خُلِقَ الإنسانُ حُراً يا خَليلي |
كُلُّنا عُبْدان ربٍّ واحدٍ |
لَمْ يُميّز بينَ ضَخْم وهَزِيلِ |
نحنُ مِنْ طين ومِنْ تبْرٍ مَعاً |
فارْتَفِعْ عـنْ بُـؤرةِ الطـينِ الرَّذيـلِ |
لا تَقُل إني دَخيلٌ بَيْنكم |
رُبَّما شَفَّ دَخيلٌ عَنْ أصيلِ |
عُظَماء الناسِ لَوْ غَرْبَلْتَهم |
لَمْ تَجِدْ أكْثرَهم غَيْرَ دَخيلِ |
مَرَضُ الحِقْد وبيلٌ… فَقِنا |
يا إلهي، خَطَر الداءِ الوَبيلِ |
لا تَقُل إني عَميلٌ مارقٌ |
كمْ وَليٍّ هو شرٌّ مِنْ عَميلِ |
غَسَل الحُبُّ فُؤادي، فغَفَتْ |
مُقْلتي جَذْلـى علـى قلـبٍ غَسيـلِ |
حَسْبي اللهُ إذا أنْكرتَني |
وهوَ في مُعْتقدي خَيرُ وَكيلِ |
شُهداء الهَذْرِ فينا كَثْرةٌ |
والذين استُشْهدوا دُونَ القليل |
كلُّنا نُجْدٌ… ولكنْ قَلَّما |
نَنْتخي إلاّ على ملْيون مِيل |
لَمْ يَزَلْ ثوبي نقيًّا ناصِعاً |
طاهرَ الأرْدانِ مِن قالٍ وقيل |
يَسْتوي الفَقْرُ بِشَرْعي والغِنَى |
وعَظيم القَدْر عِنْدي كالضئيلِ |
مالُ قارونَ متَاعٌ زائلٌ |
لا يُسَاوي في يَدي شِرْوَى فتيلِ |
أرْخصَ الدّر احتقاري قَدْره |
أيْنَ مَنْ يَزْهَدُ بالدّر مَثيلي؟ |
كمْ ظريـف مَجّـه قَلْـبي… وكـمْ |
ضَحِكَتْ رُوحي ارتياحاً لثَقيلِ |
* * * |
لا تقُلْ إني خَليعٌ في الهَوَى |
شَطّ ما بَيْن خَليع وقَتيل |
إنَّ حُبي كشعاع الشَّمْس، لَمْ |
يَتَلَوّثْ بسَفيهٍ وسَفيل |
ليسَ في شِعْري صَـدَى مِـنْ "عُمـر" |
بل سماتٌ واضحـاتٌ مـن "جميـل"
(1)
|
ترْقصُ الحَسْناء منه طَرَباً |
وتغنيه على سَمْع الحليل |
مَنْ يكنْ في الحبَّ يَرْعَى أملاً |
فأنا أسْعَى وراء المستحيلِ |
طَلَعَتْ "غَلْواء" في أفقي سَناً |
وتَهادَتْ نَفْحةً في سَلسبيلي |
هِمْتُ منها – وهْيَ في عِـز الصَّبـا - |
بجَمال الروحِ والطَّرْف الكَحيل |
وَتَصَبّاني حَديثٌ ناعمٌ |
وسَبتْني هِزة الخَصْر النَّحيل |
سَخروا منها فقُلْتُ استَغْفِروا |
إنها في مهْجتي أغْلى نزيلِ |
باسْمِها الشَّعْري أعني وَطني |
سَلِمتْ صاحبةُ الخَدَّ الأسِيلِ |
* * * |
يا أخا الغُربة إنّا مَعْشَرٌ |
لَمْ نَـزل نَطْـرب للـوَزن الخَليلـي |
ما رَكِبْنا مَوْجة الشَّعْر التي |
شَوَّهت كلَّ جَميل وجَليلِ |
ما شَربْنا مِنْ إناء قَذِر |
أوْ تَزاحَمْنا على زادِ بخيلِ |
ما نَقَلنا في المخازي قَدَماً |
أوْ شَرعنا قَلَماً غَيْرَ صَقيلِ |
جَمَعَتْنا مِهْنَةُ الحَرْفِ، فهَلْ |
يوجِبُ الحرفُ انتقاصـاً مِـنْ زَميـل؟ |
ذَلّ مَنْ عَقّ مَزايا أهْلِهِ |
أيُّ حُرّ يَرْتضي عَيْش الذليل؟ |
إنْ تُشَرّق أو أُغرّبْ، إنَّنا |
مِنْ رعايا الفَـنَّ، مِـنْ خَيْـر رَعيـلَ |
أميَ الرَّحْمة، والحبُّ أبي |
وَضَميري، أينما سِرْتُ، دَليلي |
قُلْ لِمَنْ يُطْربه هَرْجُ الوَغَى |
وصليل السيفِ… أشْئـمْ بالصليـلِ |
إنَّ أذْني تَتَأذّى بهما |
فأداويهما بموسيقَى الهَديل |
أعْطني مَجْد أديبٍ زَاهِدٍ |
خامل الذَّكْرِ، وخُـذْ مَجْـدَ "أتيـل" |
قَدْ تَعالَيْتُ عَنِ الدنيا… فيا |
طالبَ الدنيا تَهَيّأ للرَّحيلِ |
أنا كالطيرِ ارْتَوى مِنْ حسْوةٍ |
رُبَّما أغْنَى قليلٌ عَنْ جَزيلِ |
لُغَتي، يا سائلي عَنْ لُغتي |
مَعْدِنُ الحِكْمة والشَّعْرِ الجميلِ |
كَمْ طَوَى الدَّهْـرُ لسانـاً وَهْـي مـا |
بَرحَتْ في ذُروَة المجْدِ الأثيلِ |
نَزَلَ الإعجاز، والوَحْيُ بها |
وبَنَتْ مَمْلكةَ الفِكْر النَّبيلِ |
بَذَلَتْ للمُسْتقي كوثرها |
وأباحَتْ حَقْلَها لابن السبيلِ |
هِيَ كالشَّمْسِ سَناءً وَسناً |
لَمْ تَعِبْ إلاّ لـذي الطَّـرفِ الكَليـلِ |
وسَعَتْ كلَّ اختراعٍ ووَعَتْ |
مِنْ حضاراتِ الـوَرَى كـلَّ أصيـلِ |
صِنْتُ في دار النَّوَى حُرْمَتَها |
وَتبادلنا جميلاً بجِمِيلِ |
كَمْ سَهِرْتُ الليلَ في مِحْرابِها |
خاشعاً أشفي برَيّاها غليلي |
إنْ زَكا نَبْتي فمِنْها بِذْرتي |
ليسَ يَزْكُو النَّبْـتُ مِـنْ بِـذْرٍ عَليـلِ |
* * * |
بِنْتُ عَدَنان اطْمَئِني، إنَّنا |
لَمْ نَـزَلْ نَحْميـك بالبـاعِ الطَّويـلِ |
ارْتَعي مِنْ حُبّنا في واحة |
ضَحِكَتْ بالماء والظلَّ الظليلِ |
لاسْمِك الخالدِ شِدْنا حَرَماً |
وأحطناه بزَهْر وَنَخيلِ |
سَوْفَ تَبْقَينَ – وقَد تَفْـنى الثَّـرَى - |
لُغَةَ الجنةِ مِنْ جيلٍ لجيلِ |