| للمَجْدِ دَرْبانِ: إيمانٌ وإصْرار |
| فابْنُوا على الصّخْرِ، إنَّ الرَّمْـلَ يَنهـارُ |
| لا يَثْنْكمْ عَنْ مَرامـي سَعْيِكُـمْ فَشَـلٌ |
| الدَّهْرُ يَوْمانِ: إقْبالٌ وإدْبار |
| يا قَوْمُ كيفَ يَسـوسُ الحـقُّ دَوْلتَـهُ |
| إنْ لم يَصُنْ عِرْضَه رأيٌ وبتّارُ؟ |
| عارٌ على الشِّعْـرِ يَسْتَخْـذي لِطاغيـةٍ |
| فاغْرُبْ بوَجْهكَ عَـنْ عَيْـنيَّ يا عـارُ |
| شَكَوْتُ جـاري، ولَوْ قابلـتُ نَزْوَتَـهُ |
| بمثلِها، لأتَّقى أظْفاري الجارُ |
| قَلْبي على الحبِّ مَفْطـورٌ، فلَيْـسَ لـهُ |
| في ساحةِ الحِقْدِ تَجْوالٌ وتَهْدارُ |
| أمشي على الشَّوْكِ، لكِنْ لَسْتُ ألْعَنُـهُ |
| بالخَيْر قَلْبي لا بالشَّر أمَّارُ |
| كَمِ اتُّهِمتُ بأني خاملٌ وَكِلٌ |
| فقُلْتُ رُوحي فِدَى أهلـي وإن جَـاروا |
| نار القَريبِ علـى قَلْـبي وإنْ هَـدَرَتْ |
| بَرْدٌ، وظُلمتُهُ في العَيْنِ أنوارُ |
| ما لي وللمال يَسْتَعْلي على أدَبي |
| شَتَّانَ قافيةٌ ريَّا ودينارُ |
| ما دام ثَوْبي لم يَعْلَقْ به وَضرٌ |
| فلْتَعْصُف الرِّيحُ بي وليَجْرِ تيَار |
| خُلِقتُ للشِّعْر، فالبُسْتـانُ في نَظَـري |
| قَصيدة حُلْوةُ الأنفاسِ مِعْطارُ |
| وكلُّ طَـيْرٍ علـى الأغْصـانِ راويـةٌ |
| والزَّهْرُ والنَّهْرُ أسماعٌ وأنْظار |
| وكلُّ قائل شِعْـرٍ فـي الأنـامِ أخـي |
| لا دار تَسْلَخُهُ عني ولا ثارُ |
| أَحَبُّ كلِّ لغـاتِ الأرضِ لـي لُغَـتي |
| لكِنْ تباينَ شَحْرورٌ ووَرْوارُ |
| غَفَرْتُ زَلاَّتِ ثرثارٍ يُخاصمُني |
| فلْيَغْتفِرْ حسناتِ الخَصْم ثَرْثارُ |
| لي مِنْ قَريضي مَـلاذٌ حـين تَدْعَمـني |
| نَوائبُ الدَّهْرِ أو تَشْتَدُّ أخطارُ |
| يَسُدُّ جُوعـي رَغيـفٌ لا عَنـاءَ بـهِ |
| وَبيْتُ شِعْرٍ أنيقُ الوَشْي سَيَّارُ |
| شَرَّعتُ فُلْكـي باسـمِ الله معْتَصمـاً |
| فكَيْفَ يَخْشىَ عـوادي المَـوْجِ بحـَّارُ؟ |
| بيني وبَيْن إلهي ألْفُ رابطَةٍ |
| هَيْهاتَ يُقْهَرُ مَنْ يرعاهُ قَهّارُ |
| * * * |
| شَهْباء! رُوحي على واديـكِ حائِمـةٌ |
| ولهَى، وقَلْبي على مَغْناك دوَّارُ |
| يَزيدُني السَّعْيُ وَجْداً، والنَّوى شَغَفاً |
| جُرْحي – وقيتِ نوازي الجُرْح – نَغَّارُ |
| لأنْتِ في يَقْظتي حُلـمٌ، وفـي حُلمـي |
| خَمْرٌ وشَهْدٌ وألحانٌ وأشْعارُ |
| ماضيكِ صَفْحةُ مَجْدٍ لا يُطاولُهُ |
| مَجْدٌ، ويَوْمُكِ بالآياتِ موَّارُ |
| هَلْ فاتَ شَـأُوَ "هنانـو" سَيّـدٌ نجِـدٌ |
| وهَلْ تجـاوَزَ "سَعْـد اللهِ" مِغْـوارُ؟
(1)
|
| قالوا أتَعْشقُ داراً لَسْتَ تَعْرِفُها |
| لا يَصْدُقُ الحبُّ مـا لم تُعْـرَفِ الـدارُ |
| فقُلْتُ مَـنْ ذا رأى جَنَّـاتِ رَبّكـمُ؟ |
| فهَلْ يُعـابُ علـى الإيمـانِ أبْـرارُ؟ |
| إنْ لَمْ تَكُن حَلَـبٌ مَهْـدي، ففِتْيتُهـا |
| أهْلي، وهَلْ يُنكِـرُ الأحـرارَ أحـرارُ؟ |
| لي بَيْنهمْ قَمَرٌ، جَفْنايَ مَسْرَحُهُ |
| تفْديه مِنْ عثراتِ الحظِّ أقْمارُ |
| مِنْ نَفْحِها، أستَمِـدُّ الشِّعْـرَ أنشُـرُهُ |
| عِطْراً، وأولُ رُسْل الشِّعْر عَطَّارُ |
| ولي رفاقُ طَريقٍ طابَ مَعْدِنهُمْ |
| بيضُ الوُجوهِ، كِـرامُ السَّعْـي أطْهـار |
| زَئيرُهم في ليالي السِّلْمِ دَنْدَنةٌ |
| وَهمْسُهُم في مَثارِ النَّقْعِ تَزْآرُ |
| فتَحْتُ قَلْـبي علـى مِصْراعـهِ لَهُـمُ |
| وأكرَموني، وغَيْثُ الحُرِّ مِدْرارُ |
| لَمَّا ذكرتُهُم للمَجْدِ قالَ همُ |
| للحَقِّ جُنْدٌ ولِلْمَظْلومِ أنْصارُ |
| غِيلُ الجهاد ويَنْبـوعُ النَّـدَى حَلَـبٌ |
| فلْيَنْطَحِ الصَّخْرَ مَن غاروا وَمَنْ ثـاروا |
| * * * |
| يا شاعرَ الضادِ نَحْنُ اليـومَ في فَـرَحٍ |
| فإنْ سَكِرنا فإنَّ اللهَ غفَّارُ |
| قّدْ ضمّنـا العِيـدُ في ناديـكَ عائلـةً |
| سِيّان سِيَّان غُيّابٌ وحُضَّار |
| من غابَ بالجسْمِ، لا بالروحِ عن وَطَـنٍ |
| فإنَّ حَبْـلَ الهـَوَى والشـَّوقِ جَـرَّارُ |
| قَضَيْتَ عُمْركَ في ساح الكِفـاح فهَـلْ |
| جَنَيْتَ بَعْضَ الـذي يَجنيـهِ خَمَّـارُ؟ |
| لم تَبْنِ قَصْراً، ولكِنْ قد بَلَغـتَ مَـدىً |
| قياصرُ المال عَنْ أدناهُ قُصَّارُ |
| وشِدْتَ في الشِّعْر أبراجاً مُمَرَّدة |
| فيهنَّ للنَّجْمِ سَهْراتٌ وأسَمارُ |
| سَلَتْهُمْ وقَدْ مـلأوا أهْراءَهـم ذَهَبـاً |
| أيَدْفَعُ القَدَرَ المحتومَ إكْثارُ |
| لَنْ يَذْكرَ الناسُ بَعْدَ الموت مـا تركـوا |
| وَسَوْفَ تروي حَديثَ الشِّعـر أدْهـارُ |
| إنَّ النَّبات كَثيرٌ لا يُحاطُ به |
| لكِنَّ أشرَفهُ قَدْراً هو الغَارُ |
| لم يُعرَفِ المتَنَبي باسمِ سَيِّده |
| لولاهُ كُلُّ بني حَمْدانَ أصْفارُ |
| شارَكْتَ قبليَ في تَعْزيز مَدْرسةِ |
| يَحْني لهـا الـرأسَ صُعْلـوكٌ وَجبَّـار |
| قُطوفُها لجياعِ الروحِ دانيةٌ |
| وَغَيمُها لِعُطاشَى الفِكْر مِمْطارُ |
| لَمْ تَبْتِذلْ فَنَّها هَزْلاً وَشَعْوَذةً |
| فلَيْسَ في الفَنِّ تَدْجيلٌ وَتَهْذار |
| لكِنَّهُ عِنْدهَا وَحْيٌ وعاطِفَة |
| وريشةٌ مِنْ مجَاني الخُلْد تَشْتارُ |
| لكمْ سَهِـرتَ تَلُـفُّ الليـلَ، تَنْشُـره |
| وليسَ حـوْلكَ غَـيْرَ الكُتْبِ سُمَّـارُ |
| تَسْتَنْزلُ الوَحْيَ شِعْراً لا يُنَافِسُهُ |
| في جَوْدة السَّبْـك والتَّعْبـير "بشَّـارُ" |
| لا للتَّكَسُّبِ أو للجاه تَنْظِمُهُ |
| لكِنْ كما يَلِدُ الريحانَ آذارُ |
| تُحيي العَزائـمَ، تُذكـي مِنْ حَميتَّهـا |
| للقَلبِ دَوْرٌ، وَللأوْطان أدْوارُ |
| مَن لم يَكُنْ شِعْرهُ نُوراً لأمّتهِ |
| على طَريـقِ المعالـي، فَهْـوَ مِهْـذارُ |
| غَلْواءُ رَمْـزُ بـلادي حـين أذْكُرُهـا |
| فَلْيتَّقِ اللهَ عَيّابونَ أشْرارُ |
| * * * |
| يا شاعرَ المَجْد والإِلهام في بَلَدٍ |
| تَرْعَاهُ بالحبّ أكبادٌ وأبْصارُ |
| يَشُوبُ شَدْويَ حُزْنٌ ثمَّ أكْتُمهُ |
| فهل يهمُّكَ أنْ تَنْجابَ أسْرارُ |
| أعْرَبْت عن فَرَحي فاسْمعْ صَدى تَرَحي |
| إنَّ الدموعَ علـى الأجْـداث أزْهـارُ |
| قَدْ كانَ للضاد خَلْـفَ البَحْـر مَمْلكَةٌ |
| يسوسُها مِنْ حُمـاةِ الحَـرْفِ أحْبـارُ |
| رَحِيقُها مِـنْ كُروم الخُلْـد مُعْتَصَـرٌ |
| وَذِكْرُها في دُرُوبِ الشَّمسِ خَطَّارُ |
| ثارَتْ على تُرّهـاتِ الفِكْـر يَنْشُرهـا |
| في الشَّرْق والغَـرْبِ بوَّاقـون أغْـرارُ |
| تَوَهَّموا الشِّعْرَ ألفاظاً، وفاتَهُمُ |
| أنَّ العَتيقَ مِنْ الأثْواب أطْمارُ |
| ثارَتْ، ولكنَّها لَمْ تَنْتَهِكْ حَرَماً |
| شَتّانَ شَتَّان فُجّارٌ وُثوارُ |
| عزَّتْ بثَورتها الفُصْحـى، وطـارَ لهـا |
| في كلِّ ناحيَةٍ صِيتٌ وتَذْكارُ |
| واليَوْمَ – والهفـي!- غابـَتْ بلابلُهـا |
| وصوَّحتْ رَوْضَها الريّان أقْدارُ |
| لَمْ يَبْقَ ممّا بَنَينا مِنْ مَعَاقِلها |
| إلاَّ طُلولٌ نُناجيها، وآثارُ |
| تَقَطَّعتْ وَتَراً في إثْرهِ وَتَرٌ |
| هَلْ تَلْتقي ما وراءَ القَبْر أوتارُ |
| * * * |
| ودِدْتُ يا إخْوتي لَـوْ ضَمَّـني مَعَكـمْ |
| في مَهْرجانِ العُـلا والشِّعْـر مِضْمـارُ |
| لَكنَّ أفقي مُرْبَدٌّ، وراحِلتي |
| عَطْشَى، وَدرْبيَ أنجْادٌ وأغْوارُ |
| تناوَشَتْني نُيوبُ البَيْن واجْتَمَعَتْ |
| عليَّ مِنْ نُوبِ الأيام أظْفارُ |
| كأنَّني حَمَلٌ لا عَيْنَ تَحْرسُهُ |
| والدَّهْرُ، يُنْذِرُهُ بالوَيْل، جَزَّارُ |
| هاتوا جناحاً أعُدْ… فالشَّوْقُ أرْمضَـني |
| أما أتَتْكمْ عَنِ المُشْتاقِ أخْبارُ؟ |
| لكُنْتُ أخْتَارُ يَوْماً في مجالِسِكُمْ |
| لَوْ صَحّ أنّ ليالي القَدْر تُختار |
| يا أصْدِقائـي في الشَّهْبَـاءِ أشْكُرُكـمْ |
| أكْرَمْتُم عَلَماً في رأسِه نارُ |