لا أَنا عائدٌ، ولا أنتَ باقٍ |
كَيْفَ يُرجـى علـى الزمـان تَـلاقِ؟ |
قَيّدتْني هنا جُذوري، وشَدّت |
حَلقاتي فمن يَحِل وَثاقي؟ |
كلما لاحَ في سَمائي بَريقٌ |
خَنَقَتْه غوائلُ الأغساقِ |
أنشبَ اليأسُ ظُفْرهُ في ضُلوعي |
ليتَ لي مِـنْ مخالـب اليـأسِ واقـي |
أينما سِرْتُ لي رفاقٌ وأهلٌ |
شَرّدَتْ أهليَ النوَى ورِفاقي |
ساء حَظُّ الغريبِ يمشي علـى الجَمْـرِ |
ويَجْري ودَهْرُه في استباقِ |
وزّعتْه الأقدارُ داراً ومَنْفًى |
لا يُداوي الفِراقُ جُرْحَ الفِراق |
يرتوي بالسَّراب حيناً، وحيناً |
بِمَيازيب دَمْعه الدَّفّاقِ |
غرّه الرَّزْقُ فاشرأبَّ إليه |
وتَناسى مراهم الرزّاقِ |
لم يَنَل غير حَفْنةٍ من رَمَادٍ |
أدكنٍ ينطوي على الإِخْفاق |
إن تغافى أقضَّ مضجعه الهمُّ - |
وثنّى عليه بالإِرهاق |
يا أخا الـروح قـد قَسَـوْتَ علينـا |
مَنْ لدمعٍ على نَواك مُراقِ |
جَمَعَتْنا قرابةُ الفِكْرِ، لكنْ |
فرّقتنا غرابَةُ الآفاقِ |
ليتَنا لم نَفئ إليك ونَنْهلْ |
مِنْ ينابيعِ وُدّك الرَّقْراقِ |
ليتنا لم نَزَلْ نُحبك بالسمع - |
ونَسعَى إليك بالأشواقِ |
ليس مـن يِجْتلـي الفُراتـين رَسْمـاً |
مثْلَ من يَجْتليهما في العراقِ |
السياساتُ لم ترد في حسابي |
تَذْهبُ الترّهاتُ والفِكْرُ باقِ |
أنتَ في دَوْلةَ البيانِ أميرٌ |
وأميرٌ في دولةِ الأخلاقِ |
عَشِيَتْ دونك العُيونُ، وزاغَتْ |
في مراقي خيالِك الخلاّقِ |
كم لنا جَلْسَةٌ بكرمِ "المعرّي" |
ولقاءٌ في ندوةِ "الشَّدْياقِ" |
طابَ شِعْري لمَّا عَطَفتَ عليه |
رُبّ عَطْفٍ كالصاب مُرّ المذّاقِ |
زنْتَه بالثناء فارْبَدَّ هاجٍ |
وتَعَرّتْ سريرة المذّاقِ |
لَسْتُ في حاجةٍ إليك سَفيراً |
وأنا ظامٍ لغَيْثِك الغَيْداقِ |
أنا في لَهفةٍ إلى النفحةِ الريَّا- |
تُثيرُ الأمواجَ في أعماقي |
كلما غابَ عن عيوني صَديقٌ |
متُّ لولا يَدُ الصديق الملاقي |
آفتي أنَّني وَفيٌّ، وعَيْبي |
أَنَّ قلبي يُطلّ مِنْ آماقي |
ألفُ خلّ على حياتي تَوالَوا |
كيف لم أنْهدمْ لألفِ افتراق؟ |
أقفرَتْ أيكةُ البَيانِ، فماذا |
تَرْتَجي الأذن مِـنْ غُـرابٍ وقـاقٍ؟! |
لهفَ نفسي على تُراثِ يَتيمٍ |
ضاعَ ما بينَ أرجل الطُّرّاقَ |
شوّهته عصابةُ الأدَبِ المْيت- |
وباعتْ حُلاه في الأسواقِ |
زَعمتْ أَنَّها تقول جَديداً |
ليس هذا الجديدُ غيْرَ نُعاقِ |
أعْوزَتْه فُحولةُ اللَّفْظ والمعنى - |
فغطَّى عَرِيَّهُ بالأوراقِ |
مَجَّه "يَعْرُبٌ" فعاشَ هَجيناً |
أجنبياً بين العِراب العِتاقِ |
يَتَثَنَّى تَخَنّثاً لا اعتداداً |
كيف يَزْهـو قَـزْمٌ علـى عِمْـلاقِ؟ |
أرْجُو أنه يُلاقي رَواجاً |
قلتُ هذا رَواجُ سوق النفاقِ |
ليس يبـني التَّبْويـقُ مَجْـداً، فَرِفْقـاً |
يا غُلاة التَّبْويقِ بالأبواقِ |
ذَهَبَ الهادمون "شوقـي" و "شوقـي" |
خالدٌ في القلوبِ والأذْواقِ |
كلُّ يوم عُمْره ألفُ عامٍ |
إنَّ ذِكْرَ العظيم كالدهرِ باقِ |
يا دُعاةَ الجديد نُقّوا، فإنّا |
قَدْ أَلِفْنا سَفاسِف النُّقَّاقِ |
هَزَّنا "شِعْرُكم" ولستُ أحابي |
هَزَّةً تنظوي على الإِشفاقِ |
بَلْبَلَتْنا "آياتُكم" فارْحَمونا |
تكتبوا فَضْلكم على الأعناقِ |
نحنُ لا نكرهُ الجديدَ، ولكنْ |
رُبَّ خَمْرٍ خَمّتْ بريحةِ ساقٍ |
إن يَكُنْ وقتُنا لديكم رَخيصاً |
أوَلا ترأفون بالوَرَّاقِ؟ |
غايةُ الهَزْل أن يُطاول ديكٌ |
قَشعماً في مدارج الآفاقِ |
هل يَخوضُ البحـارَ صاحـبُ عَقْـلٍ |
ليس يَقْوى علـى عُبـور السواقـي؟ |
ليت شِعري أتنظمون الأحاجي |
أم تَرَى مِـنْ "ثمـودَ" أنتـم بَـواقِ؟ |
لا يجوز الطلاقُ عندَ النصارى |
غَيْر أني خَلَعتُكم بالطلاقُ |
* * * |
يا رفيقي غَداً تعود إلى الفِرْدَوْس – فاحْمِلْ سَلامَنا للرَّفاق |
نَتَّمنى على النَّوى… نتَمنَّى |
لو رَجَعْنا على ظُهور النياقِ |
ما تزالُ الشآم خَفْقَةَ وَجْدٍ |
في الحنايا، ودَمْعَةً في المآقي |
غِبْتُ عنهـا خمسـينَ حَـوْلاً وقَلْـبي |
يَتداوَى عنها بحُلْم التَّلاقي |
لا وَعَيْنيْ "غلواء" لم نَتَجَّملْ |
عَـنْ هَواها برَغْـم طُـول الفـراقِ |
نتأسَّى بذِكْرها كلَّما هزّنا- |
الشوقُ، وهذي عُلالة المُشتاقِ |
ونُصلي لكي نشمَّ شَذاها |
قَبْلَ أنْ تبلغَ النفوسُ التَّراقي |
* * * |
يا صديقي هـلاَّ اصطحبـتَ فـؤادي |
في ثنايا جناحك الخفَّاقِ |
طالَ تيهي، فمَنْ ينيرُ طريقي |
واعتلالي، فهَلْ أفوز براقِ؟ |
أنا لولا بقيةٌ مِنْ رجاءٍ |
لخَبَتْ بَسْمتي ومَرَّ مَذَاقي |
يا أخا الـروحِ قَـدْ أَثـرْتَ شُجونـي |
بَلْ بَعَثْتَ الحياة في أعراقي |
لنْ أكافيـك مـا صَنَعْـتُ، فدَعْـني |
أتقَرّبْ بقُبْلةٍ وعِناقِ |
أنتَ مهما نَأَيْتَ باقٍ بقلبي |
ومُقيمُ على سَنا أحداقي! |