خَلَّفْتُ فيـكِ القَلْـبَ يـا طَرْطُـوسُ |
هَيْهات يَعْروهُ بظَّلكِ بوسُ |
حَوْلانِ قـد فَرَطَـا وطَيْفُـكِ لم يَـزَلْ |
بين الجَوانح والعُيونِ يَجوس |
اللُه يشْهدُ ما سَلَوْتُك لَحْظةً |
حُبيَّ على صَـرْفِ الزَّمـانِ شَمـوسُ |
لكأنَّني - والشـوقُ يَرْبُـطُ بيننـا - |
أبداً إليكِ مُسافرٌ مَحْبوسُ |
بيني وبينَ مَطامِحي ومطامِعي |
حَرْبٌ على كـلَّ الجهـاتِ ضَـروسُ |
عفَّرْتُ خَدّي في تُرابِك... إنِّني |
لأدوسُه مُتَهيّباً وأبوسُ |
تأوي النُّفوسُ إليـك مُثْقَلـة الخُطَـى |
وتًعودُ في مَرَحِ الظِّبَاءِ نَفوسُ |
لكأنَّك الفِرْدَوسُ ليس يشوبُه |
كَدَرٌ –يُساورُ غَيْرَه- وعُبوسُ |
أرْسَتْ معالِمَـكِ العُقـولُ، ونضَّـرتْ |
هذي الحُقولَ مَعاولٌ وفُؤوسُ |
لم أْلْقَ في طَرْطوسَ وَجهاً عابساً |
ما في بهاليلِ الرجالِ عُبوسُ |
كَمْ عابِسٍ في الحُلْـم تُبْصـرُ وَجهَـهُ |
عَرَضاً فَتَشعرَ أنَّه كابوسُ |
بادَلْتُ فِتْيتَك الوَلاءَ، فرفَّني |
منهم ومنكِ العطرُ والأبْنوسُ
(1)
|
خَطَبوا العُلا، لا واغِلـينَ، فلـم تَمِـلْ |
عنهم… وخابَ الواغـلُ المَدْسـوسُ |
لَبِسوا الحميّة والوَقارَ، وربَّما |
أزْرَتْ بأقدارِ الرجالِ لُبوسُ |
ما فيهمُ عِنْدَ التحدّي خامِلٌ |
نَسْلُ العَناتر كالعناترِ حُوسُ
(2)
|
شَقّتْ غياراتِ الدُّجَى أقْمارُهم |
إنْ كان في يُد غيرهم فانوسُ |
قولي لشَمْسكِ غَلْغِلـي فـي مُهْجـتي |
أيَضيق بَيْتٌ أنتِ فيه عَروسُ؟ |
أنا قد جَلَيْتُ بكِ النُّحوسَ، فـإن تَعُـدْ |
عُدْنا، فعادَتْ للجحيمِ نُحوسُ |
مُنْذُ الطفولةِ علَّمونا أنَّنا |
عَرَبٌ… ولكـنْ في هـواكِ مَجُـوسُ |
يا شَمْسَ مـا أحـلاكِ طالعـةً، ومـا |
أحْلَى شُعاعَكِ في المساءِ يَنُوسُ |
قَسَماً لَتَحُسـدكِ الشمـوسُ، وطالمـا |
حَسَدَتْ محاسِن أُخْتِهِنّ شُموسُ |
إني فَرَشْتُ لكِ الضُّلوعَ بَشاشَةً |
فتَفَضَّلي… إنّ الأديبَ أنوسُ! |
طَرْطوسُ، بَحْرُكِ لم يُفـارقْ خاطـري |
فكأنه في داخلي مَحْبوسُ |
تَهْدارهُ في مَسْمَعي أُهزوجَةٌ |
زَرْقاءُ، قلّد جرْسها الناقوسُ |
لو كان تِبراً لاستدارَ حَديقةً |
أو كان طَيْـراً لاسْتَحـى الطـاووسُ |
مَرْحىً لوَثْبَتِكِ الجريئةِ… إنَّها |
للعَبْقَريةِ والعطاءِ دُروسُ |
حَرَسَتْكِ مِـنْ كَيْـد الزمـانِ عنايـةٌ |
إنَّ الكريمَ على المَدَى مَحْروسُ |
قَدْ أحسَنوا فيكِ الظُّنونَ، فلَـمْ تَخِـبْ |
ولكم رئيسٍ خانَهُ المرؤوسُ |
هذي البناياتُ التي تَرْقَى إلى |
كَبِدِ السماءِ صحائفٌ وطُروسُ |
وشَّيْتُ فيها كلَّ يَوْمٍ آيةً |
ذَهَبّيةً تُحنَى لهنَّ رؤوسُ |
لولا هَوَى "يبرودَ" يَرْبِطني بها |
وطُفولةٌ وخرائب وَرُموسُ |
لَضَرَبْتُ في طـول البـلاد وعَرْضهـا |
ولما اصطَفَيْتُ سـواكِ يـا طَرْطـوسُ! |