بَعُدَ القطيعةَ عـاد العُـرْبُ فاجتمعـوا |
يا شاعرَ المجدِ هَلْ باركتَ ما صَنَعـوا؟ |
سَفَحْتَ قلبكَ دَمْعاً في مآتمهم |
فهل يُصيبكَ فـي أعراسهـمْ جَـزَعُ؟ |
وكنتَ في حَلبَـات الفَخْـر فارسَهـم |
فما لصَوْتِك في الأسماع لا يَقعُ؟ |
ألا تَرىَ الفجْر قـد هَلَّـتْ بشائـرُه |
فأيقظَتْ في ظلام الكَهْف مَنْ هَجَعـوا؟ |
لا خَيْرَ في الشعـرِ تَزْويقـاً وشَعْـوَذةً |
الشعرُ مِنْ مَلكـوت الـروح يُنَتـزَعُ |
شتَّان مَنْ يتصّبى قلبَه وَطَنٌ |
ومَنْ تُنازعُهُ اللذاتُ والخِدَعُ |
بُشْراكَ.. وارتَدَعوا عن أكل بعضِهـمِ |
يا لَيْتَ قبْلَ "خراب البصرة" ارتَدَعـوا |
الدهرُ نحـنُ.. فمـنْ يؤمـنْ بَعْزمتـه |
يَظْفَرْ ويُلْـوي علـى أعقابـه الفَـزَعُ |
قد يكسـبُ المـرءُ في أيـام مِحْنتـه |
ما ليس يكسبُ إذا أيامه مُتَعُ |
إن الحياةَ طريقٌ، بَعْضُه زَهَرٌ |
وبَعْضُه لضـروبِ الشَّـوكِ مُـزْدَرَعُ |
مهما دَجَا ليلهُـم أو سـاء طالِعُهـم |
لا بأسَ.. كلُّ ظـلامٍ سَـوْفَ يَنْقَشـعُ |
سبحانَ مَنْ ضَمَّهـم في الحـق عائِلـةً |
ولمّهم شيعةً مُثلَى وهُمْ شِيَعُ |
بالأمس كانوا لأخلاطِ الـوَرَى سِلَعـاً |
واليومَ أخنَتْ علـى تُجَّارهـا السَّلَـعُ |
صاحَتْ دماء "صـلاحٍ" في عُروقهـمِ |
فليس يَخْضَع بَعْدَ اليوم مَـنْ خَضَعـوا |
صاموا وصَلَّوا فمـا نالـوا مطالبَهـم |
الله أكبرُ كم صامـوا وكـم رَكعـوا! |
ناموا على الضَّيمْ مِن خَوْفٍ ومِنْ هَلَـعٍ |
ثم استفاقوا فزالَ الخوفُ والهَلَعُ |
لو لم يثوروا لما استقوَوا ولـو خَنَعـوا |
لظلَّ حَقْلُهمُ نَهْباً لمنْ جَشَعوا |
لم يبقَ للدَّمْع في قاموسهم أثرٌ |
قد يفعلُ الجـوعُ ما لا يَفعـلُ الشبَـعُ |
تعلّموا أن حَقاً لا يقومُ على |
شَهادةِ السيـفِ حَـقٌّ ليـس يَرتفـعُ |
وأنّ مؤتمراتِ السِّلْم سَفْسَطةٌ |
جَوفاءُ تَنفُـر منهـا العـينُ والسَّمْـعُ |
وأنّ مَنْ شَرعوا للعدل مَدْرسةً |
دكّوا بمِطْرقة العُـدوان مـا شَرَعـوا |
وأنَّ كلَّ ائِتلاف بينهم قدرٌ |
وكلَ خُلْفٍ – وإنْ يَسْتَشْرِ- مُصْطَنـع |
وأنَّ مَهْر العُلا غالٍ لطالبها |
فليس يَرْقَـى بغـير البَـذْل مُجْتمـعُ |
وأن وَحدتَهم شَرْطٌ لقوتهم |
فلا بقاءَ لهم إلاّ إذا اجتمعوا |
وأنّ كلَّ وعود الغَرْبِ باطلةٌ |
هل يَنْفعُ الوعْدُ شـاةً جارُهـا سَبُـعُ؟ |
وأنَّ صهيونَ سَيْفٌ في حيَازِمهم |
لا خوفَ منه.. ولكـن حـين يُقتلـعُ |
وأنَّ أحلامها لا بُدّ مُثْمرةٌ |
إنْ لم يُحطَّمْ على أنيابها جَشَعُ |
* * * |
بُشْراكَ.. إني أرى في الأفْق بارقةً |
يكادُ منهـا جِـدار الليـلُ يَنْصـدِعُ |
تلوحُ خَلْـف دياجيـه علـى خَجَـلٍ |
وتَخْتفي بعد حينٍ ثم تَلْتَمعُ |
شرارةٌ ستُغَذيّ الريحَ نُطْفتُها |
فتستفيض وتستشري وتتَّسعُ |
منْ كـان في رِيبـةٍ من أمرِهـا فغـداً |
أو بعده سـيرى العُمْيـانُ ما سمعـوا |
إنَّ العروبة فِي الأرواح راسخةٌ |
مهما توالَـتْ علـى فُرْقانِهـا بِـدَعُ |
تُطْوَى العُصورُ ولا يُطـوى لهـا عَلَـمٌ |
يا لَلْغُـزاة علـى أقدامهـا خَشَعـوا! |
* * * |
اليوم تبدأ في التاريخ مَرْحلةٌ |
غَرّاءُ ضاحكةٌ بالمَجْدِ تَلْتَفعُ |
يقودُها "أسدٌ" طابت شمائله |
فليس فيها لغير الخير مُتَّسعُ |
يشتدُ حين يَـرَى فِـي اللـين بـادرةً |
لا خيرَ فيها.. وإلاّ فهو يتّضعُ |
سَعَى الفراتُ إلى الفَيْحـاء فابتـدَرَتْ |
يَحْدُو خُطاها إليـه الشـوق والوَلَـعُ |
لئن يَضِـق بُزحـوف الأهْـل مَنْزِلهـا |
فقَلْبُها يَسَعُ الدنيا وما تَسَعُ |
تعانقُ النصـرُ والإيمـانُ فاصْطَفقَـتْ |
مساجدٌ، وانتشتْ مـن فرحـةٍ بيـعُ |
وعيّد المشرقُ الأدنَى لمعجزةٍ |
تحقَّقتْ رَغْم من شكّوا وَمـن شَنَعـوا |
* * * |
يا مَنْ تعجَّب من شّدْوي ألستَ تَـرَى |
أن المقيمين في الأجداثِ قد سَجعـوا؟ |
لئن بكيتُ فمن زَهـوٍ ومِـنْ طَـرَبٍ |
خَيْرُ المدامع في الأفراح تَنْهَمِعُ |
التوأمان بُعَيْد الفُرقة التقيا |
كما التَقَى الرُّشْدُ في معنـاه والـوَرَعُ |
هذا اللقاء زَوَاجٌ لا انفصامَ له |
وكَمْ لقاءٍ به الأنظار تَنْخَدعُ |
لا حدَّ لا حـدَّ بعـدَ اليـوم بينهمـا |
فلْيَطْوِينَّ دعـاةُ السـوءِ ما اخترعـوا |
ولْيَحْذرنّ انتقامَ الشعب مَـنْ رَقَصـوا |
على القُبور، ومَنْ زاغوا ومـن خَنَعـوا |
أغراهمُ الوَعْدُ فانقادوا لبارِقه |
ولوَّحتْ لهم الأوهام فاندفعوا |
لا خَيْرَ في السَّلْم لم يَسْلَمْ بـه شـرفٌ |
ولا نَجاةَ لمن في غيّهم قَبَعوا |
مَنْ صاحبَ الصـلَّ فليحـذر عواقبـه |
إنَّ اللئام، وإن صافَيْتَهم لَسَعوا |
إن العُروبةَ في عيدٍ، فليس لهم |
في ظل رايتها الزَّهراء مُرْتبعُ |
إن كان طمَّعهم في عَفْوها كَرَمٌ |
فليس كلُّ أوانٍ يُفلح الطَّمَعُ |
للحُلْم حدٌَ، وللأقدار حِكمَتُها |
فليطمئنوا.. غـداً يجنـون ما زَرَعـوا |
* * * |
يا شـام يهفُـو إلى واديـك مُغْتَـربٌ |
لا يستقرّ له في الأرض مُضْطَجَعُ |
جارَت عليـه الليالـي، واستبـدّ بـه |
شَوْقٌ عـنيٌّ، وأدْمـى نَفْسَـه الوَجَـعُ |
عاد الكثيرون مِـن سربـي لِعُشّهـمِ |
ولم أزلَ وعوادي البَيْن أصْطرعُ |
لم يَغْفُ قلبيَ مَشْدوداً إلى أملٍ |
إلاّ رآه مَعَ الإصْباحِ يَنْقَطعُ |
أقولُ، والشمـس قد مالـتْ لمغربهـا |
يا ليتَني كنتُ في ركب الأُلـى رجعـوا |
سَكْبَتِ كلَّ طيوبِ الشَّرقِ في قَلمي |
فلستُ أعلَـمُ مـا أُبقـي ومـا أدَعُ |
لي فيكِ ألفُ حبيبٍ يَسْهرون على |
عَهْدي، وألفُ حبيب في الثَّرَى هَجَعوا |
شَبِعْتُ مِنْ غُرْبتي، فانظرْ لآخرتي |
وَرُدَّ للدارِ يا ربّاه مَنْ شَبِعوا! |