شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جمعتنـا الأرحـام
بكى فيها شقيقه الياس، عام 1981
لم يَغب، رَغْـم بُعْـده، عـن عَيانـي
إنه بينَ مُقْلتي وجَناني
كيف أنساه وهَـوْ بعـضُ وجـودي
وأنا بعضُه، فهل يَنساني؟
لستُ أبكيه، فهْوَ عِنْديَ حيٌّ
وسيبقَى… فكيف يبكيه فانِ؟
لم يَزَلْ بَسْمـةً علـى شَفَـةِ الشعـرِ
وعِطْراً على فم الريحانِ
لم يَزَلْ صوتُه يَرِنّ بأذني
وصداهُ يجولُ في وِجْداني
لم يزل ظله يفيّئ دربي
وشذاه يموج في أرداني
لم تَزَلْ كفُه تَلَمَّس كَفي
أينَ في الناس مثلُنا أخَوانِ؟
لكأنَّا لَمْ نَفْترِقْ، وكأنَّا
لم نَئِدْ في التراب بيضَ الأماني
قد نَشَأنا معاً رفيقَيْ طريقٍ
وَجَنينا أزْكَى وأنكَى المجاني
واقتَسَمْنا حلاوةَ العيشِ حيناً
وَعَرفْنا مرارةَ الحِرْمانِ
لم نَغُصْ في الحريرِ، لكنْ رَضِينا
بقليلٍ مِنْ نِعْمةِ الرحمانِ
ليسَ مَـنْ يسكـنُ القصـورَ سَعيـداً
رُبّ كوخٍ أعزُّ من إيوانِ
ما إختلفنا في الرأي إلاّ حَسَمْنا
تُرّهات الخلافِ بعد ثَوانِ
كلُّ ما بيننا مُزاحٌ بريءٌ
حينَ في الساح يلتقي البَطَلانِ
قادَ في زَحْمة الحوادث خَطْوي
وَبجَفْنيه في الخطوب حَمَاني
إن يَطِبْ للنفوس شَذْوي فمنه
هذه الطيّبات مِنْ ألحاني
وإذا استعذبَ النَّدَامى شَرابي
فلأني أصُبُّ مما سَقاني
وإذا صَفَّقتْ لشعري قلوبٌ
فلأني اقتبستُ من بياني
بتعاليمه اهتدَيْتُ، وماجَتْ
مِنْ معانيه في قريضي مَعاني
إن يَعِبْني على اعترافي دَخيلٌ
قلتُ يا صاحبي رَفَعْتَ مكاني
هَبْ تَجَنّى على أخيه هزارٌ
أيّ شأنٍ للبوم والغِرْبانِ؟
جَمَعَتْنا الأرحامُ قَلْباً ورُوحاً
ما عَراه من الزمان عَراني
أتحدّاكِ يا رَزايا، فثُوري
إن دِرْعي صَلابة الإيمانِ
هاكِ صَدْرِي، فأمطريهِ نبالاً
لن تنالَ النبالُ مِنْ عُنْفواني
ما تعوّدتُ أن أُعفّر هذا -
الوجهَ إلاّ للواحدِ الدَّيانِ
سقط النسر من علاه ولكن
سوف تبقـى ذكـراه مـلء الزمـانِ
سألَتْني محافلُ الشعرِ عنه
فاحتبستُ الجوابَ في أجفاني
يعجزُ النطقُ أن يصوّر جُرْحي
أين أين الكلامُ من أحزاني؟
كيف أنعَى لها أخي وحبيبي
ليتَه قبلَ نَعْيه قد نَعاني
كيف أنعَى إلى الرياضِ شَذاها
كيفَ أنعَى الهَزار للأغْصانِ؟
كيف أنعَى إلى السماءِ الثريَّا
كيفَ أنعَـى النـدى إلى الأُقحـوانِ؟
كيف أنعَى إلى القَريض فَتاه
وإلى الفِكْر توأمَ "الريحاني"؟
خذَلَتْني الدموعُ، لكنَّ قَلْبي
قد بَكاه بكلِّ أحمرَ قانِ
كم عيونٍ تبكي بغَيْر دُموعٍ
وعيونٍ تَبْكي بلا أشجانِ
عفواً ذكراك يا أخـي إن تلجلجـتُ
بقولي، فقد قطعتَ لساني
لفَّني الليلُ بالدخان، فأنّى
يَنْفـذُ النـورُ من خِـلال الدُّخـانِ؟
كان ظَنِّي أنَّ الحياةَ ربيعٌ
فيه ِمْن كل نِعْمةٍ زوجانِ
فإذا بالرياح تَقْصفُ أغصاني
ويمشي الفناءُ في ريْعاني
كلُّ ألحاني استحالتْ نَشيجاً
داوِ جُرْحي ببَلْسم السُّلوانِ
كلُّ ألواني استحالت سواداً
هل يعود البهاء للألوانِ؟
كلُّ أزهاري استحالت هشيماً
كيف عاثَ الشتاءُ في بستاني؟
كلُّ أنواري استحالتْ ظلاماً
كيف جاء الظلامُ قبل الأوانِ؟
سوف يلقاك في الخلود رفاقٌ
سبقونا فصف لهم ما نعاني
مزّقت شَمْلَنا صروفُ الليالي
عَبَثًا يأمن النَّوى تَوْأمانِ
البروجُ التي بَنوها تهاوَت
لم يَدُم مِنْ بُناتها فاعلانِ
واللواءُ الذي حَمَوه طواه
غائلٌ مِنْ طَوارق الحَدَثانِ
هانَ شأنُ البيان بَعْدَ ازدهارِ
حين راجتْ بضاعة الهَذَيانِ
وَغزَتْنا مِـنْ كـل حَـدْبٍ وَصـوبٍ
تُرَّهاتُ الأفكار والأوْزانِ
كان للشعر دَوْلَةٌ، ثم مالَت
شمسُها للغروب مَعْ "جبرانِ"
* * *
يا أخا الروح قـد تركْـتَ نـوادي-
القوم وَلْهَى منهارةَ الأركانِ
فقدَت "قُسَّها" فهل من بديلٍ
كلما أقبلتْ على مَهْرجانِ
كنتَ تسقي النفـوسَ خَمْـراً حَـلالاً
هي بنـتُ السمـاءِ لا بنـتُ حـانِ
تعتلي منبرَ الكلام فتَسْري
كهرباءُ الحماس في الأبدانِ
نَبرَاتٌ كأنهنَّ هديرُ الرعد-
يأتي بالعارض الهَتَّانِ
واندفاعٌ في الـذَّود عـن حُرُمـات-
الحقِّ يُقذي بصائرَ الطُّغيانِ
وهجومٌ على الخيانة يُصْمي
سهمُه كل مارقٍ خوّانِ
ومعانٍ تميس في حُلَل الوَحْي-
وتختالُ في بَديع المباني
تارةً كالعُقاب توغل في الجوّ -
وطَوْراً تنسابُ كالكَرَوانِ
تسمعُ الأذن من كلامك سِحْراً
وتَرَى العينُ ثَوْرة البُرْكانِ
سِرْت في الشعر تحت ظـل "المَعـرّي"
وأخذتَ البيان عن "لُقمانِ"
لَم تَثُرْ بالجديد لو لَمْ يشوّه
كلَّ ما ينتمي إلى عَدنانِ
ليس يعلو بغير سعيٍ بناءٌ
أحسنَ اللهُ أجرَ ساعٍ وبانِ!
* * *
قيل زِدْنا فقلتُ إني لأخشَى
كَبْوة الفِكْر أو عَثار اللِّسانِ
لم يكن في الرجـال ضَخْمـاً ولكـن
كان بالروح فارسَ الفرسانِ
كان طُوْداً من الجهاد رَفيعاً
وكتاباً مُذَهَّب العُنوانِ
ضمّ في نفسه النقائضَ شتّى
أدبٌ في قساوةٍ في حَنانِ
فهو بـين الصحـاب طِفْـلٌ بـريءٌ
طاهـرُ القلـبِ من هَـوَى وهَـوَانِ
وهو بين الذئاب لَيْثٌ جَرِيءٌ
نابُه في قِراعهم نابانِ
لم يكن ليلُه لقصفٍ ولَهْوٍ
كان سَعْيًا لخدمةِ الأوطانِ
يعلمُ اللهُ كم بَكَى لأساها
وشَكا وجَدْه، وكم أبكاني
وطنياتُه عُصارة نُفْسٍ
أَنِفَت من عبادة الأوثانِ
من عظـات الإنجيـل فيهـا سِمـاتٌ
وسماتٌ من دَعوة القرآنِ
لم يُميّز في حبه بين مِصْرٍ
وعِرَاقٍ وجُلّقٍ وعُمانِ
كلُّ دارٍ للضادِ، مهما تناءت
دارُه، أو ملاذُه الرُّوحاني
كرّس العمـرَ لليراعـة والحَـرْف –
فـأدَّى رِسالـة العِرفـانِ
لا يَلُمْهُ على العزوبة ناعٍ
ناءَ بالغلّ كاهلُ الفنّانِ
كُتْبُهُ وُلْدُه، سيَخْلُد فيها
إنها حِنْطةٌ بغير زُؤانِ
أنشدَ الشام ألفَ بيتٍ وبيتٍ
كلُّ بيتٍ أعزّ مِنْ نِيشانِ
كم ولودٍ منَ الرجال تمنّى
لو قَضَى عمرَه بلا وِلْدان
* * *
يا شقيقي، وما ذَكَرتُك إلاّ
دار وَجْدي، ودَمْدَمت أحزاني
حارَ بالموت والحياة ضميري
فأغِثْني برأيِك النُّوراني
أنا في حَيْرةٍ، فيا ربِّ عفواً
نَجّنِي مِنْ خطيئة الكُفرانِ
هذه يا أخي قصيدةُ عُمْري
مِنْ عيوني اعتَصَرْتُها وَجِناني
لن تراني أقولُ بعدَك شَعْراً
مَرِحَ الـروح ضاحكـاً، لـن تَرانـي
القوافي ماتَتْ على زَفَراتي
أيَعودُ الجوادُ للميدانِ؟…
* * *
يا رفـاقَ الطريـق هاضَـت جَناحـي
غائلاتُ الرَّدَى، وهدَّت كياني
كلَّ يومٍ يَطْوي الترابُ حَبيباً
طالما قد رَعيتُه ورَعاني
النَّوَى والحِمامُ عاثا بقلبي
كيـفَ أنجو مـن حَمْلـةَ الطوفـانِ؟
كلما نمتُ هاجماني بأحلامي-
وإن مجّني الكَرَى هاجماني
ما تكاد الدموعُ تنشفُ من-
جَفنيّ حتى تعودَ للجَرَيانِ
يا رفاقي إن لم تُداوُوا جراحي
مِتُّ في غُربَتي وفي تحناني
أتأسّى بكم، فلا تَتْركوني
أنتمُ مَفْزَعي، وأنتم سناني
لستُ أرجو الصديقَ في فَرْحةِ-
النصر، ولكن في كُرْبة الخُذْلانِ
قد خَسِرنا أخاً عزيزاً علينا
ورَبِحْنَا جَيْشاً مِن الإِخوانِ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :413  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 482 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج